رياح التأليف لن تكون كما تشتهي “سفن جبران”؟
جاء الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين إلى بيروت. إلتقى الرؤساء الثلاثة وتبّلغ منهم موقفًا موحدّا سينقله إلى الجانب الإسرائيلي، وسيعود بعد أيام بردّ من تل أبيت على إقتراح بيروت، والذي يقول، كما يتردّد، بالتسليم بمعادلة حقل “قانا”في مقابل حقل “كاريش”.
وإلى أن يعود هوكشتاين مجدّدًا إلى بيروت تبقى الساحة اللبنانية الداخلية مشتّتة إلى حين توصّل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون إلى الحدّ الأدنى من التفاهمات السياسية على إسم الرئيس العتيد الذي سيُكّلف تشكيل الحكومة المقبلة، وهي ستكون إمّا أقصر حكومة في تاريخ الحكومات أو أطول حكومة في حال تكرار تجربة فراغ العام 2014.
فبعدما إستفاض رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل في توزيع الأدوار على الجميع من دون إستثناء، وبطريقته الإستفزازية المعهودة، متحدّيًا الجميع بأنه لا يزال الرقم الصعب حتى هذه الساعة في أي تشكيلة حكومية، فهذا الدور يتقنه جيدًا، وبسببه، وبما كان يضعه من شروط تعجيزية في أغلب الأحيان، كانت الحكومات المتتالية في السنوات الست الماضية تتأخر شهورًا حتى تبصر النور، وهذا ما جعل ثلث عهد الرئيس عون يعيش حال فراغ على مستوى السلطة التنفيذية.
من إستمع إلى “معلقة” باسيل التلفزيونية أدرك بما لا يقبل الشك أن الرجل سيحاول الإستفادة حتى آخر دقيقة من عمر العهد، من خلال فرض شروطه، التي يعتقد أنها إذا تحقّقت ستكون له بمثابة جسر عبور إلى مرحلة ما بعد 1/11/2022، سواء من خلال إنتخاب رئيس جديد للجمهورية، وهو أمر مستبعد أقّله في الظروف الدولية والإقليمية الراهنة، أو من خلال تولّي الحكومة العتيدة صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة طوال فترة الفراغ الرئاسي، ولهذا يريد أن يكون له فيها حضور مؤثّر وفاعل.
فباسيل يحاول أن يقنع حلفاءه بتسمية شخصّية سنّية “مطواعة” لتولي مهمة ملء الفراغ الرئاسي، إضافة إلى رغبته في تشكيل حكومة سياسية يكون له فيها “حصّة الأسد”، بحيث يعود هو نفسه وزيرًا للخارجية مع أثنين من المقربين منه والأشد إخلاصًا له لتولي حقيبتي الطاقة والعدلية.
فهو يرى أن وجوده في هذه الحكومة هو أكثر من ضروري بحجّة أنه يريد أن يكون حاضرًا في كل شاردة وواردة، ولإعطاء “شرعية ميثاقية” لحكومة ملء الفراغ، بحجّة أنه يمثّل ثاني أكبر كتلة نيابية مسيحية في غياب “القوات اللبنانية، التي أعلنت رفضها المشاركة في ما يُسمّى بحكومة “الوحدة الوطنية”.
ولذلك فهو يقف في وجه عودة الرئيس نجيب ميقاتي، لأنه يعرف تمام المعرفة أن الرجل لن يسهّل عليه مهمة “وضع يده” على مفاتيح البلاد، خصوصًا أنه يعتبر نفسه إمتدادًا طبيعيًا للعهد الحالي، وهو يرى نفسه ملزمًا بإستكمال ما بدأ به من مشاريع “ما خلّوه” يعمل على تحقيقها ، وأهمها “مشروعه الكهربائي”، الذي يُختصر بإنشاء معمل حراري في سلعاتا، مع ما يحيط بهذا المشروع من شبهات وعلامات إستفهام وألغاز.
ومع الحديث المكرر عن دعوة رئيس الجمهورية إلى الإستشارات الملزمة لتسمية رئيس الحكومة العتيد مطلع الأسبوع المقبل فإن عملية التأليف لن تكون سهلة إلاّ إذا قّيض لباسيل تسمية من يرى فيه “رئيسًا متعاونًا وغير مشاكس ويسير معه في مشاريعه المشبوهة على العميانة”.
أمّا إذا لم يكن لباسيل ما يريد ويطمح له فهو لن يسهّل عملية التأليف، خصوصًا أن حليفه السياسي، أي “حزب الله” غير مقتنع بوجهة نظره، وهو لا يزال على قناعة تامّة بأن المرحلة الدقيقة والحساسة التي تمرّ بها البلاد تفرض عودة الرئيس ميقاتي إلى الحكم، وذلك لأسباب عدّة، ومن بينها قدرة الرجل على التعاطي مع أي تطور ميداني بعقلانية وموضوعية وحرفية ووطنية عالية، وبما له من علاقات خارجية يحتاج إليها لبنان في المرحلة المقبلة أكثر من أي وقت مضى.
وفي حال سارت “رياح التكليف” بما لا تشتهي “سفن باسيل” فإن التأليف لن يكون بالسهولة التي يمكن تصوّرها لأن معرقّل الأمس لا يزال “لاطيًا على الكوع”، ويتحيّن الفرص لفرض ما يريده، ولو لمرة أخيرة.
مصدر الخبر
للمزيد Facebook