صيف لبنان الواعد بما يوازي خطة صندوق النقد: هل يهبط دولار بيروت؟
تستبشر القطاعات السياحية خيرًا، بتسجيل قدوم نحو مليون و200 ألف شخص إلى لبنان، خلال موسم الصيف، وترى فيها فرصةً لانتعاش القطاع السياحي. حجوزات الطيران من مختلف دول العالم اكتملت من تموز وحتى أيلول، حجوزات الفنادق بلغت 70%، وبيوت الضيافة بدورها محجوزة بالكامل.
مستوى الحجوزات يثبت أنّ بلد الأرز لا يزال قبلةَ سياحيّة، رغم تردّي الخدمات فيه وعلى مقدمها الكهرباء، إذ أنّ معالمه السياحيّة على درجة كبيرة من الإبهار التاريخي الحضاري والبيئي الأخّاذ، من بيروت البابليّة والكنعانيّة والرومانيّة، إلى بيبلوس الفينيقيّة المصنّفة كموقع للتراث العالمي منذ عام 1984 من قبل منظمة اليونيسكو، إلى طرابلس الزاخرة بالآثار الرومانيّة والبيزنطيّة والفاطميّة والعثمانيّة والصليبيّة، إلى بعلبك مدينة الشمس الإغريقيّة، إلى صيدا وصور التاريخيتين، ودير القمر وجزين والبترون وغيرهم الكثير من المدن والبلدات السياحيّة، مرورًا ببيوت الضيافة المنتشرة بين أشجار الفاكهة والحمضيات والكرمة والسنديان والحور، في دوما والبترون وبيت الدين ومرستي الشوفية ومعظم المناطق اللبنانيّة، والأكواخ الخشبية في قلب الطبيعة في غابات صنوبر بكاسين وبرمانا وميروبا وعكار، وصولًا إلى غابات الأرز في بشري والشوف، فضلًا عن المنتجات البحرية، وحفلات السهر والتسليّة في النوادي والمطاعم والفنادق.
صحيح أن عددًا كبيرًا من الوافدين هم من المغتربين، وصحيح أيضًا أنّ القطاع السياحي لا زال يفتقد السائح الخليجي، الذي لطالما شكّل عماد السياحة اللبنانية، ولا زال منكفئًا بفعل سياسات بعض القوى السياسية اللبنانية وحروبها العبثية ،الا أنّ الحركة التي من المتوقع أن يخلقها الوافدون لا يستهان بها، لجهة خلق دينامية، افتقدتها الحركة الإقتصادية في لبنان منذ تشرين 2019.
إشغال فندقي مرتفع
حجوزات الفنادق في المناطق الداخلية بلغت 70%، وفق ما أكّد لـ “لبنان 24” الأمين العام لاتحاد النقابات السياحيّة ونقيب أصحاب المجمعات السياحيّة البحريّة جان بيروتي، متحدّثًا عن موسم سياحي واعد “وذلك بعدما خرجنا من السوق على مدى عامين بفعل تداعيات كورونا، اليوم تنشط الحجوزات باتجاه لبنان، وعدنا لنتصدّر المشهد السياحي، ورقم المليون و200 ألف وافدٍ ليس عشوائيّا، بل حقيقيًّا، تشير إليه أرقام الوافدين إلى مطار رفيق الحريري كلّ يوم، فضلًا عن الحجوزات المسجّلة على مدى فصل الصيف”.
بيروتي توقّع أن تصل عائدات الموسم السياحي إلى 4 مليار دولار “أهميتها أنّها تتوزع على الكثير من القطاعات، وتنشّط حركة التجارة والصناعة والنقل، إضافة إلى المطاعم والفنادق”. ولفت بيروتي إلى أهمية العامل الأمني المناسب “فلبنان من أفضل الدول من ناحية الإستقرار الأمني، ولا تعكّر أمنّه العمليّات الناشطة في دول العالم لاسيما النشل والإغتصاب”. متمنيّا أن يتحّلى المسؤولون بالوعي السياسي المناسب تزامنًا مع الموسم السياحي.
بالنسبة إلى جنسيات الوافدين، لفت بيروتي إلى أنّ الحجوزات تشير إلى قدوم جزء كبير من المغتربين من أصل لبناني من البرازيل والسويد والأرجنتين “إضافة إلى السائح العراقي وهو سائح ذهبي، وهناك حركة سياحيّة ناشطة من الأردن ومصر. وأتوقّع توافد عدد كبير من اللبنانين لإقامة حفلات زفافهم في بلدهم، وهم عادة ما يدعون أصدقاءهم للمشاركة في هذه المناسبات، لاسيّما من الدول الأوروبية.
لبنان وجهة سياحيّة رخيصة
وزارة السياحة سمحت مؤخّرًا للمؤسسات السياحية بإصدار الفاتورة النهائيّة بالدولار الأميركي إلى جانب الليرة، هذا الأمر لطالما طالبت به القطاعات السياحية، بهدف إظهار الأسعار بالدولار للسائح الأجنبي، خصوصًا بظل تقلبات سعر الصرف “إذ ليس من المنطقي أن يرى السائح أنّ هناك سعرًا مختلفًا بين يوم وآخر لنفس أصناف الطعام وفي نفس المطعم. بالنسبة للبناني سيدفع السعر نفسه بالليرة، وبالنسبة للأجنبي سيمكنه معرفة مدى تدنّي الأسعار. على سبيل المثال النرجيلة التي كانت سابقًا تسعّر بـ 10 $ سعرها اليوم 4 أو 3 $، وفنجان القهوة الذي كان بـ 4$ اليوم يسعّر بدولار واحد” يقول بيروتي، لافتًا إلى أنّ تدني الأسعار بالنسبة للوافدين بفعل انهيار العملة، يشكّل أحد أسباب ازدهار النشاط السياحي.
نناشد المسؤولين تأمين 10 ساعات كهرباء
عن تردّي الخدمات وفي طليعتها الكهرباء، وتأثيرها على النشاط السياحي، لفت بيروتي إلى أنّ المؤسسات السياحية تقوم بتأمين هذه الخدمات، لكن بكلفة عاليّة جدًا “ولا نعرف إلى متى سنبقى نلعب دور الدولة بتأمين الكهرباء والمياه وغيرها من الخدمات التي تقع على عاتقها. أناشد من خلال موقعكم الدولة اللبنانيّة بتأمين عشر ساعات من التيار الكهربائي يوميًا للقطاعات السياحيّة، ونحن جاهزون لدفع ثمنها بالسعر الذي يرونه مناسبًا، كي نتمكّن من الصمود، إذ لا يمكن لأيّ مولد أن يؤمن الكهرباء 24/ 24 طيلة ثلاثة أشهر، وبظل ارتفاع سعر المازوت. بأي حال نستحق أن يقوموا بجهد لتأمين التيار لساعات قليلة، خصوصًا أنّ العائدات السياحية تقدّر بالميارات، والقطاع السياحي من أهم القطاعات القادرة على إعادة النهوض بالبلد. فقط فليتزموا بالرقي في الخطاب السياسي وبخدمات تمكّننا من الصمود”.
دولارات المغتربين لن تخفض سعر الصرف
مع الحديث عن عائدات سياحيّة تقدّر بالمليارات، يطرح السؤال عن قدرة دولارات المغتربين والسيّاح على خفض سعر صرف الدولار. المستشار المالي والمصرفي غسان ابو عضل لا يرى تأثيرًا كبيرًا لدولارات المغتربين على بورصة الدولار. في حديثه لـ “لبنان 24” يشير إلى أنّ جزءًا ليس بقليل من هذه الدولارات ستُنفق في عملية الإستيراد، وشراء السلع التي استهلكها الوافدون، بشكل مباشر أو غير مباشر “على سبيل المثال، ستستهلك الفنادق والمؤسسات السياحية المازوت بكميات كبيرة، لتأمين التيار الكهربائي من المولّدات، أو من الطاقة الشمسيّة، وكذلك سيرتفع استهلاك البنزين في عمليات التنقل، وكون المحروقات والبطاريات والألواح الشمسيّة كلّها سلع مستوردة، ستذهب العملة الصعبة لتمويل استيرادها. وكذلك حال بقيّة السلع، كوننا نستورد الجزء الأكبر منها وبأحسن الأحول نستورد المواد الأوليّة التي تدخل في الصناعات اللبنانية”. وفق مقاربة أبو عضل سيرتفع العرض في حال لجوء الوافدين إلى صرف الدولارات في السوق الموازية “من شأن ذلك أن يجمّد سوق الدولار، خصوصًا خلال شهري تموز وآب، بالمقابل السماح للمؤسسات السياحية بتقاضي الفواتير بالدولار سيقلّص من حجم صرف الدولار في السوق الموازية بالتالي من العرض، وقد تستخدم المؤسسات السياحيّة هذه الدولارات لدفع فواتيرها للتجار”.
أشارت التقديرات إلى عائدات سياحيّة تتراوح بين 3 و 4 مليار دولار خلال الأشهر الثلاثة المقبلة، وهو رقم كبير يوازي ما كان يمكن للبنان أن يحصل عليه من صندوق النقد الدولي، على مدى 4 سنوات، في حال تمّ إنجاز الإتفاق. أبو عضل يرى أنّ الرقم مبالغ فيه، فبين الوافدين على سبيل المثال طلابُ جامعات، يأتون لتمضية الإجازة الصيفية، ولا يملكون الدولارات، بل على العكس يحتاجونها لاستكمال دراساتهم في الخارج. ولكن بطبيعة الحال أعداد الوافدين مبشّرة ومن شأنها أن تؤمّن عائدات بالعملة الصعبة، وتحرّك عددًا من القطاعات”.
Sent from my iPhone
مصدر الخبر
للمزيد Facebook