من الحرب الأهلية اللبنانية إلى وزارة الثقافة الفرنسية… مسيرة حافلة لريما عبد المالك
نشرت في: 25/05/2022 – 19:29
تفاعل اللبنانيون بإيجاب إزاء تعيين ريما عبد المالك وزيرة للثقافة في فرنسا. كما شعروا بنوع من الفخر والاعتزاز في وقت تمر بلادهم بـ”أوجاع” عديدة، تتصدرها الأزمة الاقتصادية الخانقة والمأزق السياسي. في فرنسا أيضا، الأوساط الثقافية تنتظر الكثير من بنت بلد الأرز التي تعشق الثقافة والفن. لكن هل ستكون قادرة على مواجهة التحديات لتخطي آثار الأزمة الصحية التي عاشها الفنانون والمثقفون إبان فترة فيروس كورونا؟
“ترك خبر تعيين ابنة شقيقي نبيل، ريما عبد المالك وزيرة للثقافة الفرنسية في نفوس اللبنانيين كما في نفوسنا، السرور لوصول أبنائنا في بلاد الانتشار إلى مراكز مهمة، بينما لبنان يعيش أصعب الأزمات”.
هكذا تفاعل المحامي سامي عبد المالك، عم ريما عبد المالك في الصحافة اللبنانية، عندما تلقى خبر تعيين هذه الأخيرة على رأس وزارة الثقافة الفرنسية.
وتعد ريما عبد المالك الشخصية العربية الأولى التي تسير على خطى أندري مالرو وجاك لانغ اللذين كتبا بحروف ذهبية تاريخ الثقافة الفرنسية منذ بداية الجمهورية الفرنسية الخامسة.
وأضاف عمها: “إن الوزيرة ريما غادرت لبنان وهي في العاشرة من عمرها برفقة والديها اللذين هاجرا من لبنان بعد تعرض منزلهما في بلدة جمهور على مشارف العاصمة بيروت للقصف المدفعي إبان فترة الحرب اللبنانية”، مشيرا إلى أنه “سبق وطرح اسم ريما لإحدى الوزارات خصوصا في الحكومة الفرنسية ما قبل الأخيرة، إلا أن الحظ لم يحالفها، واليوم كان الخبر بلسما لأوجاعنا كلبنانيين”.
منحة مالية قدرها 300 يورو لجلب الشبان إلى عالم الفنون
وكان قصر الإليزيه قد أعلن عن تعيين ريما عبد المالك وزيرة للثقافة الفرنسية في حكومة إليزابيث بورن الجديدة بعدما كانت قد احتلت خلال ثلاث سنوات (من 2019 إلى 2022) منصب مستشارة الشؤون الثقافية للرئيس إيمانويل ماكرون في قصر الإليزيه وكانت تقدم له الاستشارة وتنصحه بشأن السياسة الثقافية التي يجب اتباعها لدعم المثقفين الذين تدهورت أوضاعهم المعيشية وتقلص إنتاجهم الفني خلال السنتين الماضيتين بسبب جائحة فيروس كورونا.
على سبيل المثال، ريما عبد المالك التي اقترحت على ماكرون اعتماد ما يسمى بـ”بطاقة الثقافة”. وهي منحة مالية قدرها ثلاث مئة يورو تقدمها الدولة مجانا للشبان الذين تتراوح أعمارهم ما بين خمس عشرة إلى سبع عشرة سنة لتمويل نشاطاتهم الثقافية والفنية. إجراء لقي إقبالا كبيرا لدى فئة الشباب وأكسبت ماكرون شعبية وسطها.
كما قامت أيضا ريما عبد المالك في 2020 بإطلاق سلسلة من المحاضرات عبر تطبيقات “تيمس” و”زوم” للاتصال مع عدد من الفنانين والمثقفين الفرنسيين لطمأنتهم بأن الدولة الفرنسية ستساعدهم على تخطى الأزمة التي انتجتها جائحة كوفيد-19. وكان الرئيس ماكرون قد تحدث مباشرة مع العديد من الفنانين والمثقفين خلال هذه المحاضرات. ما سمح له بإذابة الجليد بينه وبين عدد من الفنانين الغاضبين على سياسة الحكومة الثقافية، على غرار الممثلة ساندرين كيبرلان أو المغنية كاترين رانجي وفنانين كثيرين أخرين.
كيف ربطت ريما الخيط بين ماكرون وعالم الثقافة؟
وعقب هذه المشاورات، أعلن ماكرون عن خطة لدعم الثقافة الفرنسية شملت أنذاك إعادة فتح قاعات المسرح والمكتبات وتمديد الحقوق والعلاوات المالية التي كان يقبضها الفنانون الذين لا يملكون عقودا طويلة الأمد، فضلا عن إعفاءهم من دفع الضرائب خلال أربعة أشهر.
كل هذه المبادرات التي قامت بها ريما عبد المالك لقيت إعجاب ماكرون الذي بدأ يفكر في تعيينها وزيرة للثقافة في حكومة إدوار فيليب، لكن لم يقم بذلك بل فضل أن يبقيها بجواره في قصر الإليزيه كمستشارة.
ولدت ريما عبد المالك في بلدة شيخان القريبة من مدينة جبيل الساحلية شمال لبنان. وهاجرت من هذا البلد برفقة عائلتها التي فرت من الحرب التي اندلعت في العام 1975 وعمرها عشر سنوات.
استقرت عائلتها في مدينة ليون (وسط فرنسا) وتابعت دراستها في الثانوية الدولية في نفس المدينة قبل أن تلتحق بمعهد العلوم السياسية. كما تابعت منهجا دراسيا آخرا إذ حصلت على شهادة ما بعد الليسانس في مجال “التطور والشراكة الدولية” في جامعة “السوربون” في العام 2000.
بعد الدراسة، انخرطت في العمل الانساني والتحقت باللجنة الكاثوليكية لمحاربة المجاعة وعملت في الأراضي الفلسطينية قبل أن تغير مسارها المهني بشكل جذري لتصبح رئيسة منظمة “مهرجون بلا حدود” في 2001.
مسيرة ناجحة، من واشنطن إلى قصر الإليزيه
وضعت ريما عبد المالك للمرة الأولى قدمها في عالم السياسة في 2008 واحتلت منصب مستشارة “العروض الحية” في العاصمة الفرنسية عندما كان برتران دو لانوي عمدة لباريس. وخلال مشوارها في هذه البلدية، قامت بإعادة تأهيل بعض المراكز والأماكن الثقافية في باريس مثل قاعة السينما “لوكسور” في الدائرة الثامنة عشرة ومسرح “غيتي لريك” بمنطقة “مونبارناس” بباريس أو مسرح رقم “مئة وأربعة” (104) في بلدة “بنتان” المتاخمة للعاصمة الفرنسية.
في 2014، تم تعيينها كملحقة ثقافية في السفارة الفرنسية بواشنطن، فيما تم وصف هذا التعيين في ذلك الوقت بـ”السياسي” أكثر مما هو ثقافي.
وبعد أن قضت أربع سنوات في الولايات المتحدة، التحقت في 2019 بقصر الإليزيه إذ تم تعيينها مستشارة لإيمانويل ماكرون في الشؤون الثقافية خلفا لكلوديا فرازي.
“امرأة مثقفة وذكية وتملك حساسية ثقافية عالية”
وبالرغم من أنها غير معروفة في عالم السياسة الفرنسية، إلا أنها لم تواجه معارضة كبيرة من قبل رجال ونساء الثقافة في فرنسا ولا حتى من قبل السياسيين. بالعكس فصدرت العديد من التصريحات الإيجابية بشأنها. كالذي أدلى به وزير الثقافة السابق والرئيس الحالي لمعهد العالم العربي جاك لانغ الذي قال بخصوصها: “ريما شخصية ممتازة ولديها دراية معمقة ودقيقة بعالم الثقافة. تعيينها هو بمثابة رسالة واختبار في آن واحد”.
أما غاسبير غانزير، الذي عمل معها في بلدية باريس قبل أن يصبح مستشارا لفرانسوا هولاند في مجال الاتصال، فأكد أن “ريما أهدت حياتها كلها للفن. فهي امرأة مثقفة وذكية وتملك حساسية ثقافية كبيرة وتحب بشكل غير مشروط الفنانين والمثقفين والكتاب والمترجمين”.
وتعبيرا عن هذا الحب، خصصت ريما عبد المالك زيارتها الميدانية الأولى إلى مهرجان كان السينمائي حيث التقت بالعديد من الفنانين والممثلين. فيما صرحت أن من بين الخطوات الأولى التي ستتخذها كوزيرة للثقافة، جلب فئات الشباب إلى القاعات “السوداء” وحثهم على مشاهدة الأفلام السينمائية.
هذا، وهنأ فريديريك هوكار وهو رئيس الفيدرالية الوطنية للمجتمعات المحلية من أجل الثقافة تعيين ريما عبد المالك وزيرة للثقافة وكتب في تغريدة على تويتر: “تحياتي الجمهورية والصادقة لريما عبد المالك. رهانات الثقافة كبيرة اليوم خاصة بعد سنتين من جائحة كوفيد-19. الفيدرالية ستكون شريكا في الحوار الذي يجب أن يكون بناء وصارم”. فهل ستنجح ابنة بلد الأرز في مواجهة التحديات الكثيرة على الرغم من قلة الإمكانيات المالية؟
طاهر هاني
مصدر الخبر
للمزيد Facebook