ثقافة

“الأيام الحارقة”…عندما يقع القاضي النزيه في فخ مافيا سياسية في تركيا

نشرت في: 25/05/2022 – 14:11

تشارك السينما التركية في مهرجان كان السينمائي ضمن مسابقة “نظرة ما” الموازية للمنافسة الرسمية، بفيلم “الأيام الحارقة” للمخرج أمين ألبير، والذي يستعرض قصة مدعي عام في بلدة معزولة، يحاول فيها التصدي لفساد مافيا سياسية محلية، تتصرف وفق ما يحلو لها في خرق للقوانين دون محاسبة من أي أحد. الفيلم يعيد للواجهة النقاش حول القضاء في تركيا وما يواجهه من إكراهات، يتحمل فيه المسؤولية جزء فاسد من الطبقة السياسية، يستغل كل العوامل المتاحة التي تساعده في  البقاء على رأس مدينة صغيرة.

يتعرض القضاء التركي في العديد من المناسبات لجملة من الانتقادات، خاصة في السنوات الأخيرة، مع وضع الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان يده كليا على السلطة في البلاد إثر محاولة انقلاب فاشلة ضده، زادت من قوة تحكمه في دفة الحكم، ليصبح اليوم سيد تركيا الأول بدون منازع. وفي هذه الأجواء السياسية ينظر العالم لهذا البلد بنوع من عدم الثقة لمؤسساته.

وحضور السينما التركية في مهرجان كان السينمائي في دورته الـ75، فتح نقاشا قديما جديدا حول الموضوع عبر فيلم “الأيام الحارقة”، وإن كان من زاوية غير معروفة لدى الرأي العام الدولي، ركز فيها المخرج أكثر على “مافيا” سياسوية محلية، تتحكم في أعناق المواطنين في بلدة صغيرة، وتقوم بكل ما يسمح لها لشراء ضمائر رجال القضاء وغيرهم من المسؤولين، لتوظيفهم في خدمة مصالحها كلما استدعت الضرورة ذلك.

ورغم طول مدة الفيلم التي تتعدى الساعتين، نجح المخرج أمين ألبير بالكثير من الذكاء السينمائي في شد انتباه المشاهد. واعتمد  ألبير على ممثل موهوب استطاع في فترة قياسية من الزمن أن يتحول لأحد نجوم الفن الأتراك في الأعوام الأخيرة، ويتعلق الأمر بالممثل صلاح الدين باشالي الذي برز اسمه في سلسلة نيتفليكس “الحب 101”. ثم لعب دور البطولة في مسلسل “منتصف الليل في بيرا”.

“الأيام الحارقة”

يدور فيلم “الأيام الحارقة” في بلدة صغيرة، يتحكم في نبضاتها السياسية لوبي انتخابوي يتصرف بمنطق مافيا سياسية، يستغل حتى الظروف المناخية ممثلة في الجفاف لاستثمارها لصالحه، وكل مسؤول وصل إلى المدينة، يعمل هذا اللوبي، وهو عائلي بالدرجة الأولى، على استمالته حتى لا يعارضه في أي خطوة من خطواته التي تكون خارج القانون طبعا.

والعمل هو قصة مدعي عام شاب، يؤدي دوره بنجاح الممثل البارز صلاح الدين باشالي، الذي يعين حديثا للعمل في هذه البلدة الصغيرة، لتحاول هذه المافيا السياسية جره إلى أخطبوطها وينضاف إلى شبكتها في الاستحواذ على مصير مدينة، لا قانون فيها إلا قانونها.

ورغم مقاومته لكل الإغراءات التي أغدقت عليه، ستنجح هذه الشبكة في نصب شرك له، وتوقعه بداخله دون أن يعرف فيما بعد كيفية الخروج منه، ما سيعرض سمعته لأضرار جسيمة ويهدد مستقبله المهني، وسيمضي كل وقته في مهمة البحث عن مخرج له من ورطة مستعصية على حساب مهامه كرجل قضاء كان ينشد الإصلاح.

مهرجان كان 2022 © استوديو غرافيك فرانس ميديا موند

كيف وقع هذا القاضي في فخ المافيا السياسوية المحلية؟

استدرجته يوما إلى ليلة ساهرة فقد فيها صوابه تحت تأثير الكحول، حتى أنه لم يقو في اليوم الموالي على تذكر ما حصل له تحديدا. وتحول من قاضي يبحث في الحجج إلى متهم مفترض أو شاهد على الأقل على جريمة اغتصاب شابة في تلك الليلة المخمورة. هكذا تحدثت عنه الصحافة المحلية مدعمة مقالاتها بصور له، التقطت في نفس الليلة مع نجل عمدة المدينة. لكن المدعي العام الشاب لا يتذكر ما وقع في الليلة المشؤومة، وخانته ذاكرته في استعادة وقائعها، ما دمر كل الأدلة التي بإمكانه تسخيرها في الدفاع عن نفسه.

للمزيد: مهرجان كان: “صبي من الجنة”… الشرطة السياسية المصرية في دهاليز جامعة الأزهر

وسيجد نفسه في الأخير ملاحقا في الطرقات من طرف هذه العصابة جنبا لجنب مع مالك صحيفة محلية، كانت تمثل صوت الحقيقة، وكأن المخرج يقول إن الفساد انتصر في الأخير على محاولات قاض للإصلاح، وجد نفسه وجها لوجه مع خطره دون حماية من أي جهة أخرى في الدولة، بل وعلى السلطة الرابعة أيضا ممثلة في صاحب الصحيفة، لأن هذا الفساد كان  أقوى من الطرفين ويحتاج لدعم من جهات أكبر للتصدي له.

ما لم يقله الفيلم الذي كان متميزا، صفق له الجمهور الحاضر كثيرا، ارتباطات هذه المافيا السياسوية بالمركز، واستحالة تصرفها بهذه الطرق دون أن تستظل بحماية مسؤولين كبار. ولربما ترك للمشاهد استنباط ذلك. هو فيلم يترجم أعمال فساد لمنظومة سياسوية خارج القانون. لا يمكن فيها لموظف صغير أن يغير كل الشيء. وبين الفساد والإصلاح حفرة كبيرة بين الطرفين كما أظهر الفيلم في الأخير ذلك، تستدعي الكثير لردمها.

مشاهد تفاعلية

اختار المخرج مشاهد تفاعلية، أجبر فيها المشاهد على استحضار بداهته في قراءة الصورة، لاستخلاص ما يريد صاحب العمل الذهاب إليه كفكرة. فهل هذا الاختيار كان بغرض إضفاء جمالية شاعرية على مشاهد في الفيلم، أم أنه أراد أن يعتمد المرموز في رسائله لدواعي سياسية تعفيه من أي اصطدام محتمل مع  سلطات بلاده.

الكثير من المشاهدين لم يستوعبوا ما الذي أراد أن يقوله في محطات معينة من المنحى السردي للقصة، خاصة آخر مشهد، الذي نرى فيه المدعي العام والإعلامي يركضان هربا من ملاحقة المافيا السياسية المحلية وأتباعها، وفي لحظة من اللحظات يظهر كل واحد من الطرفين واقفا مقابل الآخر على شفا حفرة سحيقة، حتى أن هناك من يرى أن “المخرج أفسد فيلمه بهذه الخاتمة”، كما تقول آن ماري التي كانت ضمن الجمهور، “علما أن القصة سردت بطريقة ممتعة وإيقاعها كان منسجما مع روحها”.

“لربما كان يريد القول إن هؤلاء هم من حفروا هذه الحفرة، وسيقعون فيها يوما”، تقول صديقتها أومبر، لتعقب آن ماري: “المهم أن المخرج ترك للمشاهد طرح مجموعة من الأسئلة حول هذه النهاية. قد يكون هذا غرضه فعلا”، لخلق جمهور تفاعلي مع عمله، لا يشاهد الفيلم بشكل سطحي، ويحرض فيه حاسة النبش في أسباب اختيارات الفنية.

 

بوعلام غبشي موفد فرانس24 إلى مهرجان كان


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى