نجيب ميقاتي أدّى قسطه للعلى… اللهم إني بلّغت
كان من السهل على الرئيس نجيب ميقاتي الوقوف على حافة النهر، مكتوف الأيدي ومكتفيًا بالقول إنه من غير الممكن السير بعكس التيار، وإنه لا يملك عصًا سحرية، وأن ليس في مقدوره فعل أي شيء لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وكان من السهل عليه أيضًا أن ينسحب من المعركة ويترك الساحة لغيره وينصرف إلى شؤونه الخاصة.
إن ذلك هو من أبسط الأمور وأسهلها وأخفّ كلفة ومن دون وجع رأس و”بطيخ يكسّر بعضو”، و”حادت عن ضهري بسيطة”، و”الهريبة تلتين المراجل”، وألف مرّة جبان ولا مرّة الله يرحمو“.
الرجل لم يفكر بكل هذا. بكل قَبِل بتحمّل المسؤولية كاملة، مع أنه كان يعرف تمام المعرفة أنه بقبوله بهذه المهمة إنما هو يتقبّل بأن يحمل بيديه العاريتين “كرة نار” لم يرد غيره حرق يديه بها. كان يعرف مدى خطورة الوضعين الإقتصادي والمالي في البلد، ومدى خطورة الإنقسام السياسي، عموديًا وأفقيًا. وكان يعرف أيضًا أن تحمّل المسؤولية في هكذا ظروف أنما هو “مخاطرة سياسية”، لأن العين بصيرة واليد قصيرة.
كان المطلوب الكثير من العمل والجهد للحفاظ على الحدّ الأدنى من مقومات الدولة، وللحؤول دون تفاقم الوضع إلى ما هو اسوأ، وقد نصل إلى هذه المرحلة في حال لم يتمّ تشكيل حكومة في أسرع وقت. وهذه كانت وصيّته قبل أن تتحوّل حكومته إلى حكومة تصريف الأعمال.
قَبِل التحدّي. وضع خارطة طريق إنقاذية. أطلق على حكومته إسم “معًا للإنقاذ”، لأنه كان يدرك جيدًا أن هذا الإنقاذ غير ممكن بل مستحيل إن لم تتضافر جهود جميع الأفرقاء في محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
كان يعلم أن صعوبات كثيرة ستواجهه، وأن عراقيل أكثر من كثيرة ستوضع في طريقه، من داخل “أهل البيت الحكومي” ومن خارجه. كان يعلم أنه سيُحَارب، وأن المتضررين من قيام دولة حقيقية كثرٌ، وأن كل طرف من الأطراف السياسية يحاول تحقيق مكاسب شخصية على حساب المصلحة العامة. كان يعرف أن عربة البلاد يشدّها حصانان.
كل هذا وغيره الكثير لم تثبط من عزيمته ولم تنل من تصميمه على إنقاذ ما يجب إنقاذه قبل “خراب البصرة”، ولم تضعف من إرادته، وهو الذي كانت تواجهه مع كل إشراقة شمس مشكلة جديدة تُضاف إلى سلسلة المشاكل المتراكمة.
كان يعرف أن الوضع صعب أكثر مما يمكن تصّوره، وأنه أكثر تعقيدًا وهو عصّي على الحلّ بالمسكّنات والتداوي بالأعشاب.
وعلى رغم ذلك لم يرمِ سلاحه ولم يستسلم، بل كان في كل مرّة تواجهه مصيبة يستلهم ربّه، ويجدّد إيمانه بأن لبنان وهو أجمل بلد في الكون لا يمكن أن ينهار وأن يموت ويزول، لأن له دورًا لا يمكن لغيره أن يلعبه.
كان يعرف أن اللبناني الذي يعضّ على جرحه ويتحمّل ما ليس في إستطاعة أحد تحمّله سيثور وسيقول كلمته الفاصلة، ولو على مراحل. وبالفعل قال الشعب كلمته في صناديق الإقتراع وأختار، كخطوة أولى، أشخاصًا من رحم “الثورة”. هي خطوة أولى لا بدّ من أن تليها خطوات لاحقة ومتوازنة ومدروسة وهادفة.
أصرّ الرئيس ميقاتي على إجراء الإنتخابات النيابية في موعدها فكان له ما اراد ونجح في ذلك، على رغم الإمكانات المتواضعة.
فاوض صندوق النقد الدولي، وتوصّل معه إلى إتفاق مبدئي. وضع خطّة للتعافي وفق نظرية “الممكن والمستطاع”. حاول حتى آخر لحظة تقديم خارطة حلّ لأزمة الكهرباء المستعصية بأقل اضرار ممكنة فكانت النتيجة ما بات يعرفها الجميع.
حاول السير بين النقاط لئلا تتحول الصراعات السياسية إلى ساحة قتال على الأرض، فكانت له وقفة جريئة على أثر أحداث الطيونة فجّنب البلاد كارثة خطيرة. تمكّن بحكمته ودرايته وإرادته من إعادة المياه إلى مجاريها بين لبنان ودول الخليج.
حاول المستحيل. نجح مرّات كثيرة في إطفاء الحرائق المتفرقة، وكان يريد أن يرى ما عمل له منجزًا بالكامل، لكن الظروف عاكسته ووقفت حجر عثرة في طريقه.
أدّى قسطه للعلى ولا يزال. ولو طُلب منه إعادة الكرّة لفعل، وهو المؤمن بربه أولًا وبوطنه ثانيًا، وبالشعب اللبناني وبحقّه في أن يعيش بطمأنية وسلام وإستقرار وبحبوحة أولًا وأخيرًا.
مصدر الخبر
للمزيد Facebook