آخر الأخبارأخبار دولية

فيلم “الحركى”… نبش سينمائي في مرحلة دامية من التاريخ الفرنسي الجزائري

نشرت في: 20/05/2022 – 15:38آخر تحديث: 20/05/2022 – 15:43

عرض الخميس في مهرجان كان ضمن مسابقة “أسبوعا المخرجين” الموازية للمسابقة الرسمية فيلم “الحركى” للمخرج الفرنسي فيليب فوكون المولود في مدينة وجدة على الحدود المغربية الجزائرية. ويتناول الفيلم مرحلة صعبة في التاريخ الفرنسي الجزائري. وبهذه العودة لم يكن يريد المخرج فتح جرح كبير لفترة دامية، بقدر ما حاول حسب قوله، عرض وجهة نظر في قالب فني، قد يزكيها البعض ويعارضها البعض الآخر. ولإلقاء المزيد من الضوء على هذا العمل السينمائي المدوي بصمت المآسي، حاورنا الجمهور والممثلين ونقلنا لكم تصريحات المخرج.

النبش في التاريخ، عندما يكون فنيا ولا سيما عبر السينما، ينقل الجمهور إلى مرحلة ما مع التمحيص في التفاصيل التي تكون عادة محط الكثير من الأسئلة، وتختلف حولها المواقف ووجهات النظر.

والمخرج عموما يطرح رؤيته للموضوع بطريقة قد تلقى انتقادات من المتلقي، أوقد تنسجم مع فهمه للإشكالية المعروضة عبر الفيلم، لكن ما يلح عليه المهتمون بالشأن السينمائي في مثل هذه الحالات، هو الجانب الفني في العمل وإن كان صاحبه قد تناوله باحترافية عالية.

وبفيلمه “الحركى”، الذي عرض الخميس في مسابقة “أسبوعا المخرجين” بمهرجان كان السينمائي، اختار المخرج الفرنسي فيليب فوكون النبش سينمائيا في جزء من التاريخ الجزائري الفرنسي، رغم أن الموضوع لا يزال ملتهبا بعد مرور عشرات السنوات عليه. وقد يتجنب بعض السينمائيين الخوض فيه، لكن فيليب فوكو من المخرجين الذين يشهد لهم بامتلاكهم كافة الأدوات الفنية لمعالجة مثل هذه الأسئلة على الشاشة الكبرى.

مهرجان كان 2022 © استوديو غرافيك فرانس ميديا موند

صدم الجمهور

انطلاقا من اللحظات الأولى للفيلم يصدم المخرج الجمهور بمشهد دموي، تهتز له دواخل المتلقي. أولا لإظهار مدى بشاعة الحرب، وثانيا ربما لتحضيره بصريا ونفسيا لما ينتظره من مشاهد قاسية في بقية أطوار هذا العمل.

يظهر في بدايات الفيلم رجل مسن يصل إلى باب منزله المتواضع بإحدى البوادي الجزائرية، فيجد أمامه سلة، اكتشف بداخلها رأس ابنه الذي فصل عن جسده، ليأخذها مصدوما ويهرع إلى وسط البيت ناحبا “ابني ابني…”، وهو ما صدم الأم كذلك التي دخلت في عويل لا نهاية له وهي تصرخ “ابني ابني ابني…” في مشهد مأساوي ضارب في الحزن.

وعلى وقع هذا المشهد القاسي سافر فيليب فوكون بالجمهور إلى أدغال الفيلم. ليحكي قصة شباب جزائريين في إحدى البوادي، بمسارات مختلفة، دفعت بهم ظروف مختلفة إلى صفوف الجيش الفرنسي لمحاربة إخوانهم الذين كانوا يقاتلون الاستعمار من أجل الاستقلال. وكانت أول هذه الظروف هي الحاجة وضيق العيش.

الممثل الجزائري محمد أمين موفق أدى دور صالح الذي دفعت به ظروف المعيشة تحديدا لحمل السلاح إلى جانب المستعمر، ولم يندم يوما على ذلك، لكن اقتراب موعد انتهاء الاستعمار حول حياته اليومية، على غرار زملائه من أبناء جلدته المجندين في القوات الفرنسية، إلى مساحات من التيه الذاتي غير المتناهي، بسبب قلقهم جميعا على مستقبلهم في حال الانسحاب الفرنسي من الأراضي الجزائرية.

من خدمة الاستعمار الفرنسي إلى حياة الجحيم

في نهايات الخمسينيات، حمل صالح، قدور، أحمد وآخرون السلاح في الكتيبة 534 التي يتزعمها القائد العسكري الفرنسي باسكال وهو الممثل ثيو شولبي. واستطاعت المجموعة أن تخلق فيما بين عناصرها جوا عائليا لربما كان يعوضهم ما افتقدوه من دفء أسري، بسبب عملهم العسكري في الجبال بعيدا عن عائلاتهم واحتياطاتهم من الاحتكاك مع الأهالي خشية تعرضهم لأي انتقام.

لكن مع بداية ستينيات القرن الماضي وجد هؤلاء المجندون أنفسهم في خطر حقيقي بعد أن دخلت فرنسا في مفاوضات مع “جبهة التحرير الوطني”، توجت بتوقيع وقف لإطلاق النار، ما كان يعني اقتراب موعد انسحاب القوات الفرنسية من بلادهم، فيما سؤال مصيرهم بعد ذلك ظل إلى حد ما معلقا؟ بينما كان التهديد يطاردهم من كل جانب، لا سيما وأن “كل أبناء الدوار يعرفون من يخدم الجيش الفرنسي” كما تقول زوجة صالح في الفيلم.

وسيزداد حجم هذا القلق والخوف مع استقلال الجزائر وتجريد الكتيبة من أسلحتها بطريقة ملتوية أمام رفض رئيسها باسكال، الذي نسج مع عناصرها علاقة خاصة، ورفض كليا التخلي عنهم. لكن القرارات التي تخصهم كانت أقوى منه، ولم يكن في موقع المسؤول القادر على تغيير مجرى الأمور. وفي كل مرة كان يؤكد لهم أنه سيحاول القيام بجهود لصالح وضعيتهم. ورغم الوعود التي أعطيت لهؤلاء لدعمهم ماديا، لم يتحمسوا لها  بل رفضوها، لأن همهم جميعا كان هو الفرار.

وتفيد أرقام أنه قتل ما بين 35 ألف حتى 80 ألفا من أفراد الحركى وأسرهم، وتم إجلاء 90 ألف آخرين إلى مخيمات في فرنسا بدءا من نهاية الحرب حتى 1972.

“الحركى” بعيون الجمهور

وحضر لمشاهدة الفيلم جمهور من خلفيات متباينة. بالنسبة لكلير، فهي جاءت للتعرف أكثر على ما وقع لهذه الفئة التي استقرت بأعداد كبيرة عند وصولها إلى فرنسا في منطقة يسكنها أبناؤها في الوقت الحالي. وتقول هذه المرأة الستينية إن “إشكالية هؤلاء أثارت دائما الكثير من الجدل في فرنسا، لأنهم ليسوا بمهاجرين بالفهم التقليدي للكلمة، ولهم وضع مختلف، لذلك أحببت معرفة المزيد عن الموضوع علما أن العديد من النقاط لا تزال تيخيم عليها الغموض. لقد حان الوقت لطي مثل هذه الملفات والانتقال لأمور أخرى”.

أما زهرة، في الأربعينات من العمر، تفسر أسباب اختيارها مشاهدتها الفيلم: “لأني من أصل جزائري، ولدت في فرنسا، وأردت معرفة المزيد من الأمور عن هذا الموضوع لأنه يهم والدي. أريد معرفة ماذا حصل تحديدا خلال حرب الجزائر خاصة أن أبي لم يكن يحب الحديث في هذا الموضوع”. وعندما سألتها إن كان والدها من الحركى، كان الرد: “لا أريد الإجابة عن هذا السؤال”.

وتزكي زهرة طرح الموضوع سينمائيا. “أرحب بأعمال مثل هاته. تغيب عنا أشياء كثيرة تخص الحركى. لربما أنهم لم يعرفوا حتى لماذا كانوا حركى، ولربما أنه لم تكن لديهم الإمكانات لتوفير لقمة العيش لأسرهم، نحتاج للمزيد من الضوء على نقاط الغموض في الموضوع”.

وعلى عكس كلير وزهرة، فابيان ميشال مخرج جاء لمشاهدة الفيلم للاطلاع على الأعمال المثيرة التي يقدمها زملاؤه، وفي نفس الوقت معرفة وجهة نظر صاحب الفيلم من مرحلة من التاريخ. “هو موضوع مهم، وحديث الساعة رغم قدمه كما هو شأن الأسئلة المجتمعية كالهجرة، الاندماج وغيرها، وعلى السينما الخوض في كل الطابوهات”.

ويرى هذا المخرج الفرنسي الشاب: “مهما كانت وجهة نظر المخرج، قصة مثل هاته تستحق أن تنقل إلى الشاشة الكبيرة؛ فهي موضوع من مواضيع المآسي كما الحرب في أوكرانيا التي لها أيضا مكانها في السينما…”.

الممثلان الجزائريان عمر بولكيربة ومحمد الأمين الموفق

الممثلان الجزائريان عمر بولكيربة ومحمد الأمين الموفق © موفد فرانس24 بوعلام غبشي

“يجب أن تحس بالكلمة”

عن دوره في الفيلم، يقول الممثل الجزائري عمر بولكيربة: “كما شاهدت في الفيلم، السي أحمد كان بمثابة أب لبقية المجندين. كانوا في حمايته. وتبنى هذه الفكرة على أنهم أبنائه ويلزم حمايتهم. الحمد لله كنت موفقًا في هذا. والجمهور هو الذي سيحكم. لكن كانت عندي ثقة في نفسي عملت على السيناريو والشخصية، وقمت بمجهود كبير. المخرج فوكون من المخرجين الذين لا يحبون أن يقرأ الممثلون فيما بينهم السيناريو دون أي إحساس أثناء الأداء. فهو يؤكد على أنه يجب أن تحس بالكلمة. فهمت دوري. والممثل إن فهم دوره يمكن له أن يقدم ما يحب للجمهور. ورغم حساسية الموضوع وثقله التاريخي فهذا لا يهم بالنسبة للممثل، ما يهمه أكثر هو العمل على دوره على أحسن وجه بعيدا عن أي اعتبارات أخرى”.

أما مواطنه الممثل موفق محمد الأمين، الذ ي لعب دور صالح، توقف عند كيميائية الفيلم، باعتباره “فيلمًا مليئا بالمشاعر. جسدت فيه شخصية، لا تنظر إليها من الخارج بل من الداخل. وهذا يتجسد أكثر في العينين والحركات. اشتغلت لأكثر من شهرين على الشخصية والسيناريو. وأترك الحكم للجمهور. وسعيد أن أشارك في مهرجان كان الذي كان حلمي، والحلم الآخر هو الحصول على أوسكار إن شاء الله. وإن شاء الله تكون مشاركات أخرى للجزائر، المغرب وتونس ولكل الدول العربية في كل دورة”.

يتطلع مخرج الفيلم فيليب فوكون أن يعرض الفيلم، الذي صور في المغرب بممثلين جزائرين ومغاربة، في بلد “المليون ونصف المليون شهيد” يوما، معتبرا أن الكثير من الجزائريين يحبون مشاهدة هذا النوع من الأفلام حتى وإن أقر أن هذا الموضوع تبقى له حساسية خاصة في هذا البلد المغاربي.

وأثار فوكون، المولود بمدينة وجدة المغربية، في مداخلة أمام الجمهور العوائق التي واجهها أثناء التصوير بسبب جائحة فيروس كورونا، حيث عقدت في البداية الكثير من الأمور لإخراج هذا الفيلم. وانطلقت عملية تحضيره من الجزائر بالتعاون مع وكالة للتمثيل عملت على اختيار الممثلين الجزائريين الأساسيين الذين شاركوا في العمل، وقام فيما بعد بدمج ممثلين مغاربة من المنطقة الشرقية للمملكة، بحكم أنهم يتحدثون نفس لهجة سكان الغرب الجزائري.

وحول اختياره العمل على هذا الموضوع، يشير فوكون أن “حرب الجزائر عالقة بداخلي وولدت في هذه الفترة، وهي مرحلة تناولتها في فيلمي السابق “الخيانة”. لكن لم أوظف كل ما جمعته من معطيات. وهذا الفيلم بقي دائما بداخلي منتظرا الفرصة للعودة إليه يوما”.

بوعلام غبشي، موفد فرانس24 إلى كان


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى