هل يمكن لكييف المدعومة من الغرب أن تهزم موسكو المعزولة؟
نشرت في: 20/05/2022 – 12:09
حققت القوات الأوكرانية خلال الأيام الأخيرة انتصارات متعددة على الجيش الروسي، ما جعل بعض المراقبين والخبراء الدوليين يتحدثون عن فوز أوكراني محتمل في هذه الحرب التي تشنها موسكو منذ 24 فبراير/شباط 2022.
هناك صورة مُعَبرة عن حقيقة الحرب الروسية على أوكرانيا، التي تقترب من إتمام شهرها الثالث، جسدها حدثان وقعا في 15 مايو/أيار: من جهة، قوات موسكو وهي تنسحب من خاركيف ثاني كبرى مدن أوكرانيا بعد فشلها في عبور نهر دونيتس والتوغل في منطقة دونباس (جنوب شرق البلاد)، ومن جهة ثانية قوات كييف وهي تستغل تراجع منافستها لتقترب أكثر من الحدود الروسية.
ويرى مراقبون وخبراء دوليون في الشأن العسكري أن القوات الأوكرانية قد حققت في الأيام الماضية انتصارات متعددة، ومنهم من قال إن عدم قدرة موسكو على اقتحام مجمع أزوفستال الصناعي الضخم في ماريوبول يمكن اعتباره انتصارا أوكرانيا، بالرغم من أن ما تسمى “كتيبة آزوف القومية” استسلمت في النهاية (في 16 مايو/أيار) بسبب نفاد سلاحها.
فقد شدد جيف هاون المتخصص في الشأن العسكري الروسي بمعهد البحوث الأمريكي “نيو لاينز إنستيتيوت” على أن روسيا لم تتمكن من السيطرة على هذا المصنع، ما يشكل ضربة لصورتها بالخارج. وقال هاون: “البروباغندا التي يمارسها الكرملين دائما تُركز، وبغض النظر عن الحرب في أوكرانيا، على استعادة الهيبة الروسية خلال العهد السوفياتي، لكن في الوقت ذاته قامت روسيا في ماريوبول بتدمير ما كان يعتبر أكبر مجمع صناعي في الاتحاد السوفياتي سابقا”.
من خاركيف إلى الحدود الروسية
وقال الخبير الأمريكي إن موازين القوى على الأرض قد تحولت بشكل كبير في أوكرانيا، فيما يوشك الهجوم الروسي على استيفاء شهره الثالث، مشيرا إلى أن “كييف قد تحولت من حالة يأس إلى حالة تبشر يتفاؤل حذر بالنسبة لقيادة الأركان الأوكرانية”.
كان فشل موسكو في تحقيق هدفها المعلن في بداية اجتياحها لجارتها الغربية، أي السيطرة على كييف في وقت قياسي وإزاحة الرئيس فولوديمير زيلينسكي من الحكم، بمثابة انتصار كبير لأوكرانيا، وهو ما أجبرها على إعادة النظر في استراتيجيتها العسكرية بالتركيز على الاستيلاء على منطقة دونباس. يقول حسين عالييف المتخصص في النزاع الأوكراني-الروسي بجامعة غلاسكو (إسكتلندا) إن “الإنجاز الأكبر الذي حققته القوات الأوكرانية هو قدرتها على دفع الجيش الروسي إلى خارج مدينة خاركيف ولغاية الحدود الروسية”.
ويرى جيف هاون أن المهمة كانت شاقة للأوكرانيين فإنهم “وخلافا لما كانت عليه في كييف (مهمة دفاعية)، أطلقوا هجوما لأجل استعادة المدينة ومطاردة القوات الروسية لغاية الحدود بين البلدين”. وسمح هذا الانتصار لأوكرانيا بالاستقرار على تلك الحدود، “ما يشكل إنجازا رمزيا معتبرا” كما يؤكد سيم تاك المحلل العسكري في مؤسسة “فورس أنالزيس” المتخصصة في مراقبة النزاعات. ويضيف المحلل بأنه في الجهة الروسية من الحدود، توجد مدينة بيلغورود حيث يتركز جوهر التعزيزات اللوجستية للقوات الروسية في خط الجبهة.
تدمير ثلث الدبابات الروسية؟
لم تكتف أوكرانيا باستعادة بعض الأراضي التي استولت عليها موسكو، بل إنها ألحقت بالجيش الروسي خسائر فادحة. فقد قدرت تقديرات لوزارة الدفاع البريطانية في 15 مايو/أيار أن موسكو قد “خسرت ثلث دباباتها” منذ بداية هجومها العسكري فضلا عن عديد المدرعات المدمرة أو التي تخلت عنها، وهو الأمر الذي يؤكده سيم تاك. ويستشهد هذا المحلل بالأرقام التي نشرها موقع “أوريكس” [الذي يحصى خسائر روسيا المادية] والتي تفيد بأن الجيش الروسي قد “خسر بين ربع وثلث دباباته، وهذا رقم مذهل” على حد قوله.
ويتوقع الخبراء والمتخصصون في الشأن العسكري، لاسيما في الغرب، أن تواجه روسيا صعوبات في تجديد عتادها الحربي، في حين بدأت أوكرانيا تتلقى تعزيزات غربية على جبهات الحرب.
كل هذه المؤشرات جعلت وزارة الدفاع البريطانية تتحدث عن “إمكانية خسارة روسيا” الحرب في أوكرانيا، وهذا احتمال وارد حسب حسين عالييف، إلا أن “كييف بعيدة عن فرضية إعلان فوزها” في النزاع. ففيما كانت الأنظار متجهة نحو معركة خاركيف، “استمرت روسيا في التقدم بمنطقة دونباس، كما يلحظ سيم تاك. وتحتل قواتها حاليا تقريبا كل أراضي لوغانسك، وهي تسعى لبسط سيطرتها على دونيتسك، على الرغم من أن ذلك كلفها خسارة بشرية باهظة، حسب حسين عالييف.
ويرجح الأخير أن تكون المعارك في منطقتي لوغانسك ودونيتسك حاسمة بالنسبة لمصير الحرب، فيما اعتبر جيف هاون أن كييف لها الأفضلية على موسكو من حيث موقعها الدفاعي القوي في الضفة الأخرى من نهر دونيتس، مضيفا أن مهمة روسيا في “السيطرة على (بقية) كبرى المدن في المنطقة، مثل كراماتورسك وسلوفيانسك، ’معقدة للغاية‘”.
عن أي انتصار نتحدث؟
لكن الانتصار الأوكراني مرهون بقدرة قواتها على استعادة كبرى المدن التي احتلتها روسيا، وهذا أمر معقد على حد قول حسين عالييف الذي يقول إن “استعادة مدينة خيرسون على سيبل المثال يستدعي عبور أنهار صغيرة متعددة”. ويضيف إن كييف بدأت أيضا تعاني نقصا في الأسلحة، وبالتالي فإن “انتصاراتها مرتبطة بمدى استمرارية الدول الغربية على إرسال أسلحة للجيش الأوكراني”.
فعن أي انتصار نتحدث؟ السؤال مطروح لأن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أدلى بتصريحات متأرجحة في هذا الصدد. فقد أعلن في مطلع مايو/أيار لصحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية أنه يريد أن يكون رئيسا لأوكرانيا تضم شبه جزيرة القرم [التي ضمتها موسكو في 2014] إلا أنه تراجع عن كلامه في الأيام التالية متحدثا عن “العودة إلى حدود ما قبل الغزو الروسي” في 24 فبراير/شباط.
ويرى حسين عالييف بأن “قضية عودة القرم إلى أوكرانيا لا تُطرح من وجهة نظر عسكرية”، فيما يؤكد سيم تاك أن كييف “من شأنها أن تلاحق القوات الروسية لغاية القرم في حال استطاعت مطاردتها من باقي أراضيها”. لكن من وجهة نظر سياسية، قد “تتسبب هذه الفرضية في تعبئة روسية أكبر لأجل الدفاع عن منطقة يعتبرها الروس كجزء لا يتجزأ من أراضيهم”.
وفي حال تأكد تقدم القوات الأوكرانية على الأرض وتحقيقيها انتصارات إضافية، يرجح هؤلاء الخبراء أن تتجنب سلطات البلاد أي خطوة تهدف لإذلال الرئيس فلاديمير بوتين الذي تبقى يده فوق الزر النووي. ويرجحون بالمقابل أن يعمد زيلينسكي خلال مفاوضات قادمة إلى إبقاء الباب مفتوحا أمام القبول بـ”وضع خاص” لمنطقة دونباس يتيح الفرصة لبوتين حفظ ماء الوجه والتباهي أمام مواطنيه بتحقيق الأهداف المسطرة لعدوانه على أوكرانيا، أي الدفاع عن مصالح روسيا والمناطق الموالية لها.
سيباستيان سايبت وعلاوة مزياني
مصدر الخبر
للمزيد Facebook