آخر الأخبارأخبار دولية

“فك الارتباط الطائفي لم يكن كافيا لزعزعة أسس النظام السياسي”


نشرت في: 19/05/2022 – 14:31

لم تكن الآمال في التغيير، التي عبر عنها اللبنانيون في حركة الاحتجاج التي اجتاحت البلاد في تشرين الأول/أكتوبر عام 2019، حاضرة في موعد الاستحقاق البرلماني الأخير. فقد أظهرت نتائج الانتخابات جمودا في الوضع الراهن لصالح الطبقة السياسية التقليدية. وهكذا يظل الوضع “على ما هو عليه” وذلك على الرغم من بعض النجاحات والاختراقات التي حققها المرشحون المستقلون.

يوم الاثنين 16 أيار/مايو أعلن وزير الداخلية اللبناني بسام معلوي عن بعض من النتائج الرسمية للانتخابات البرلمانية التي جرت يوم الأحد الماضي. وأظهرت النتائج النهائية، التي صدرت الثلاثاء الماضي، تأكيدا واضحا لهذه النتائج المبكرة التي أسفرت عن تراجع “حزب الله” وصعود نجم مرشحين من حركة الاحتجاج الشعبية.

بصورة عامة، تظهر هذه الانتخابات أن توازن القوى لم ينقلب بشكل أساسي، كما يشير كريم إيميل بيطار، مدير معهد العلوم السياسية في جامعة القديس يوسف في بيروت ومدير الأبحاث في “إيريس”.

وكانت نسبة المشاركة التي سجلت في هذه الانتخابات قد وصلت إلى 41 بالمئة فقط، أي أقل بثماني نقاط عن انتخابات عام 2018. رقم يعده المراقبون مخيبا للآمال، وذلك بعد ثلاث سنوات من احتجاجات تشرين الأول/أكتوبر 2019 وما يقرب من عامين بعد انفجار 4 آب/أغسطس 2020 الذي دمر مرفأ بيروت.

معاناة حزب الرئيس عون في صناديق الاقتراع

وأوضح كريم بيطار قائلا إن “هذه الانتخابات التشريعية أسفرت عن برلمان أكثر تشظيا عن ذي قبل ودون أغلبية واضحة، لأنه وإن تمكن “حزب الله” من الحفاظ على كتلته الشيعية، فقد خسر أغلبيته البرلمانية”، وضعف حلفاؤه إلى حد كبير، لا سيما في الشارع المسيحي حيث تراجع حزب الرئيس ميشال عون “التيار الوطني الحر”، بينما حقق منافسه الأكبر “حزب القوات اللبنانية” تقدما كبيرا بالتوازي مع حزب “الكتائب”.

ووفقا للنتائج التي قدمتها وزارة الداخلية اللبنانية، يبدو أن البرلمان القادم سيكون مستقطبا للغاية في وجود كتلتين متعارضتين بشكل أساسي سيتواجهان غالبًا، إحداهما بقيادة “حزب الله” بزعامة حسن نصر الله وحلفائه، والأخرى بقيادة سمير جعجع وحلفائه.

وتخللت الانتخابات أيضا بعض الحوادث الأمنية والمواجهات بين مؤيدي هاتين القوتين السياسيتين المتعارضتين، إضافة إلى أعمال ترهيب في بعض المناطق التي يسيطر عليها “حزب الله”، وانتهاكات خطيرة شابت العملية الانتخابية. وأحصت “الجمعية اللبنانية للانتخابات الديمقراطية” أكثر من مئة انتهاك لقانون الانتخابات، وهو ما تظهره التغريدة أدناه التي تعرض صورة لبعض المنتخبين المرتدين ألوان “حزب الله” وهم يغنون أمام مركز اقتراع في بيروت.

ووفقا لكريم بيطار، تظهر النتائج “استقطابا شديدا” أعقب الحوادث الأمنية الخطيرة في الطيونة بين أنصار هذين المعسكرين، والتي تسببت في “رد فعل تصويتي مبني على الهوية الطائفية لصالح “الرجل القوي في الطائفة”. ويوضح بيطار أن “حزب الله” استفاد كثيرا من هذه الأحداث وجعلته يقدم نفسه كضحية للضغط الغربي من أجل نزع سلاحه، كما أنه أفاد أيضا حزب “القوات اللبنانية”، الذي أراد تحويل هذه الانتخابات إلى استفتاء شعبي “على ترسانة الحزب الشيعي”.

“استقطاب كثيف” يهدد بإحداث انسداد سياسي شديد وشل لبنان عندما يتعلق الأمر بتشكيل حكومة جديدة وعند استدعاء النواب لانتخاب رئيس جديد في تشرين الأول/أكتوبر المقبل.

وكان الرئيس الحالي العماد ميشال عون قد انتخب في 31 تشرين الأول/أكتوبر 2016 وذلك بعد أكثر من عامين ونصف من انتهاء ولاية سلفه ميشال سليمان، كحل وسط أخير من قبل مختلف القوى التي شكلت البرلمان آنذاك.

 

اختراق حقيقي للمعارضة في العديد من الدوائر الانتخابية

 

ومع كل ذلك، نجح المرشحون المستقلون أو مرشحو المعارضة الجديدة – المقربون من حركة الاحتجاج – في عدة مناطق من البلاد. بينما فشل البعض مثل الصحفي السابق جاد غصن في دائرة جبل لبنان الثانية بفارق مئة صوت فقط. فيما دفع مرشحون آخرون، تقدموا على قوائم مناوئة للسلطة، ثمن الفرقة الحاصلة في المجتمع. وإجمالا، نجح 13 مرشحا من قوائم المعارضة في الفوز بتذكرة إلى البرلمان.

ويؤكد كريم بيطار قائلا “لقد كانت هناك بعض الاختراقات المهمة للغاية التي حققها بعض مرشحي المعارضة الإصلاحية على الرغم من مواجهتهم لعقبات هائلة ومرشحين يتمتعون بدعم قوي من شبكات تابعة للقوى الإقليمية. فالناخبون، ولا سيما من جيل الشباب، لم يصوتوا فحسب من أجل معاقبة الأحزاب الحاكمة ولكن من أجل التغيير أيضا، سعيًا لإعطاء الفرصة لشخصيات جديدة تقدم مشاريع ملموسة على المستويات السياسية والاجتماعية والبيئية”.

ويذكر مدير معهد العلوم السياسية في جامعة القديس يوسف في بيروت على سبيل المثال لا الحصر المرشحة نجاة عون صليبا، الأستاذة في الجامعة الأمريكية في بيروت والخبيرة في حماية البيئة. فقد تمكنت هذه المرشحة من اختراق منطقة الشوف على قائمة “متحدون من أجل التغيير”، بدعم من جماعات معارضة قريبة من حركة الاحتجاج.

كما نجح زميلها حليم الكعكور، أستاذ القانون في الجامعة وأحد رموز الحركة الاحتجاجية لعام 2019، من الفوز بمقعد في نفس الدائرة الانتخابية.

“لقد فزنا… لقد انتصرت أحلام الشباب في هذا البلد المحزن. لقد نجحنا سويا في دق عدة مسامير جديدة في نعش هذا النظام الإجرامي. فمن الشوف، ارتفع صوتكم بكلمة ’لا‘ لسياسات الفساد والسرقة والمحاصصة والتعصب والمحسوبية، لقد أثبتم أنكم أحرار”، هكذا كتبت نجاة على حسابها على تويتر.

أما في جنوب البلاد، معقل “حركة أمل” و”حزب الله”  الشيعيين، فقد فجر مرشحان من المجتمع المدني هما فراس حمدان وإلياس جرادة، مفاجأة كبيرة بفوزهما بمقعدين بفضل دعم جماعات المعارضة القريبة من حركة الاحتجاج.

مؤشر آخر على بعض التغيير النسبي، كان فقد الزعيم الدرزي الموالي لسوريا طلال أرسلان، زعيم الحزب الديمقراطي اللبناني وعضو البرلمان منذ عام 1991، أيضًا مقعده في البرلمان. وهو ما حدث كذلك مع وئام وهاب، النائب والوزير السابق الذي لم يخف قط قربه من نظام دمشق.

 

“إعادة توازن هشة”

 

ويتابع كريم بيطار بالقول إن “تراجع القوى المتحالفة مع حزب الله والاختراق الذي حققته بعض الشخصيات الاحتجاجية لا يبرهنان إلا على إعادة توازن هامشية، لأن الأحزاب التقليدية ستظل حاضرة في البرلمان القادم وستظل راسخة في دوائرها الانتخابية”.

وهكذا نرى أن تلك الطبقة السياسية المشينة التي احتج ضدها واتهمها بتدمير البلاد مئات الآلاف من المتظاهرين في حركة احتجاج تشرين الأول/أكتوبر 2019 – تقاوم أخيرا بشكل جيد في صناديق الاقتراع. فالمحسوبية والولاء “للزعيم”، رئيس الطائفة، لا يزالان من الأمور الأساسية في لبنان.

“لا يزال هناك العديد من العقول الأسيرة في البلاد، بمعنى أن الأحزاب التقليدية لديها عدد كبير من المؤيدين، وعبادة شخصية القادة الذين يلعبون على الحبل الطائفي لا تزال حاضرة بقوة”.

“لقد لعب فك الارتباط مع الطائفة دورا مهما، ولكنه ليس كافيا لزعزعة أسس النظام السياسي الطائفي والإقطاعي القائم على المحسوبية والذي أصيبت عروقه بالتصلب التام وبات مختلا وظيفيا”، يقول كريم بيطار آسفًا. فالأوراق لا تزال مخلوطة، وذلك بسبب من قانونٍ انتخابي مصمم خصيصا لتسهيل إعادة انتخاب القوى الرئيسية في الطبقة السياسية، لدرجة أن الاختراقات القليلة والباعثة على التشجيع للمعارضة لن تكون كافية على الأرجح في إرساء تطبيق سياسي جديد وإصلاح شامل للمؤسسات”.

يقوم النظام السياسي المعمول به في لبنان – الذي يضم 18 طائفة دينية – على مبدأ الديمقراطية التوافقية. ويعود تاريخ العمل به إلى عام 1920 ثم تم توطيده في عام 1943 بموجب الميثاق الوطني (وهو اتفاق غير مكتوب بين الطوائف).

ويستند أيضا على توزيع طائفي للوظائف الرسمية والإدارية. وتم الاتفاق على أن يكون رئيس الجمهورية وقائد الجيش من الطائفة المسيحية المارونية على وجه التحديد، في حين أن رئيس الوزراء من الطائفة السنية ورئيس البرلمان من الطائفة الشيعية. وأخيرا، لا وجود للاستقطاب التقليدي بين اليمين واليسار في هذا البلد، كما أن الحقائب الوزارية ومقاعد البرلمان البالغة 128 مقعدًا مقسمة بالتساوي بين المسلمين والمسيحيين.

يقول كريم بيطار ساخرًا “كثيرًا ما كنا نتحدث عن صمود اللبنانيين، لكن يتضح لنا اليوم أن أحزاب السلطة هي الصامدة.  فهي قد تسجل بعض الانتكاسات من وقت لآخر هم وحلفاؤهم في الانتخابات، لكنها لا تزال قادرة على الإمساك بزمام الأمور في الأعمال المؤسسية للبلاد”.

“وهكذا، بغض النظر عن الأغلبية البرلمانية من الناحية العددية، فإن كون لبنان قائم على ديمقراطية توافقية، أي نموذج سياسي مؤسس على الحاجة إلى تقاسم السلطة بين الطوائف المختلفة، فإن ’حزب الله‘ سينجح دائما في فرض نفسه على القرارات السياسية الرئيسية”، هكذا يلاحظ كريم بيطار. وبما أنه يشغل جميع المقاعد الشيعية، فإنه يرغب بالطبع أن يكون ممثلا في مؤسسات الدولة وفي الحكومة المقبلة”.

ثم يختتم بيطار حديثه قائلا: “إن التحدي الذي سيواجه المعارضة في السنوات المقبلة هو العمل على تعديل أسس النظام السياسي وليس مجرد تجميل الواجهة من خلال استبدال بعض الشخصيات البغيضة بأخرى أكثر قبولًا”.

 

النص الفرنسي: مارك ضو | النص العربي: حسين عمارة


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى