لماذا تُعتبر زيارة باسيل لعكار إستفزازية؟
يوم أصرّ رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل في صيف العام 2019، وكان يومها وزيرًا للخارجية والمغتريبن، على زيارة منطقة عاليه، على رغم التحذيرات التي أتته يومها من قيادة الجيش، كاد الجبل يشتعل فتنويًا، بعد حادث دموي مؤسف بين أشخاص ينتمون إلى أحزاب مختلفة سياسيًا وتوجّهًا.
فلو تحلّى يومها باسيل بقليل من الحكمة والفطنة لكان ألغى زيارته، التي إعتبرها كثيرون “إستفزازية”، وكان تلافى سقوط قتلى وجرحى من الطرفين، ولما كان وضع المنطقة الحسّاسة على كفّ عفريت، وهي الخارجة من حرب أهلية لم توفرّ لا البشر ولا الحجر.
قال باسيل يومها، إن من حقه أن يزور كل المناطق اللبنانية.
لم يناقشه أحد في هذا الحق، وهو حق مقدّس ومكرّس في الدستور، وينطبق على كل لبناني وليس على باسيل وحده، ولكن ما ناقشناه في وقته ونناقشه اليوم، لمناسبة قرار رئيس “التيار البرتقالي” زيارة عكار، لا يطال هذا الحقّ على الإطلاق، بل يتعلق برمزية هذه الزيارة لمنطقة لها خصوصيتها تمامًا كسائر المناطق اللبنانية الأخرى. فلعكار خصوصيته، وللجبل خصوصيته، ولطرابلس خصوصيتها أيضًا. وهكذا سائر المناطق، جنوبًا وبقاعًا.
فأهالي عكار يرفضون إستقبال باسيل ليس بصفته الشخصية كمواطن لبناني عادي من حقّه أن يتنّقل في أي منطقة لبنانية بحرّية وسلام. ولكن إعتراض أهالي عكار اليوم هو كإعتراض أهل طرابلس وعاليه بالأمس، لأنهم يعتبرون هذه الزيارات “إستفزازية” لأسباب كثيرة نختصرها بالتالي:
أولًا، هي إستفزازية كما يعتبرها البعض لأن من يقوم بها شخص غير مرغوب به “سياسيًا”. فتحالفه مع “محور الممانعة” يحول دون تمكّنه من زيارة منطقة تقف بقوة في وجه هذا التوجّه، من دون مناقشة فرضية ما هو مسموح وما هو ممنوع، وبالتالي من يسمح ومن يمنع.
كان على باسيل والمحيطين به، وبالأخص من مناصريه في المنطقة، أن يعرفوا طبيعتها وخصوصيتها. وكان عليه أن يعدل عن هذه الزيارة تلافيًا لحدوث أي إشكال أو حادث أو حتى ضربة كفّ في غير محلها، خصوصًا أن أعصاب الجميع مستنفرة بعد الخطابات السياسية المتشنجة والمستفزة.
فزيارة باسيل لعكار في هذا الوقيت بالذات بالمعنى السياسي هي تمامًا كزيارة إفتراضية للدكتور سمير جعجع مثلًا لمدينة بنت جبيل.
ثانيًا، كان على مستشاري باسيل، وهم كثر “يخزي العين”، أن ينصحوه بأنه سيزور منطقة هي من أشدّ المناطق اللبنانية فقرًا وحرمانًا، وهي لا تعرف الكهرباء إلاّ لمامًا، وهي المكتوية مثلها مثل بقية المناطق اللبنانية بنار السياسات الخاطئة، التي يحمّلون مسؤوليتها للعهد ولتياره السياسي، وهي المتروكة تعيش على الصدفة ومن “قلّة الموت”.
كان على باسيل أن يعرف قبل أن يقرّر زيارة منطقة فيها هذا الكمّ الهائل من البؤس أن الجوع على رغم أنه كافر لا يحول دون إحتفاظ أهله بكرامة هي الوحيدة الباقية له، وهو مستعد للموت قبل التفريط بها.
كان عليه أن يعرف أنه، وكما في أي منطقة أخرى لا كتلك المناطق غير الخاضعة لسطة الدولة، غير مرّحب به.
ثالثًا، يعتبر أهالي المنطقة زيارة باسيل إستفزازية لأنها تتنافى مع حجم التضحيات التي قدّمتها من خيرة شبابها في صفوف المؤسسة العسكرية في سبيل أن يبقى جبين الوطن عاليًا، وأن يبقى قراره حرًّا، وأن تبقى أرضه عصّية على كل محتل وطامع وطامح، وأن تبقى سيادته مصانة بدم الشهداء، وأن يبقى الجيش، حامي الحمى، القوة الشرعية الوحيدة على كل تراب الوطن.
لهذه الأسباب وغيرها، وكما بالأمس كذلك اليوم، كان على جبران باسيل أن يقدّر دقة الظروف، وأن يتصرّف هذه المرّة لا كما يتصرّف عادة.
مصدر الخبر
للمزيد Facebook