هل تدشن زيارة أردوغان إلى السعودية مرحلة جديدة في العلاقات بين أنقرة والرياض؟
نشرت في: 29/04/2022 – 17:00
بدأ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الخميس، زيارة إلى المملكة العربية السعودية هي الأولى منذ نحو خمس سنوات، بعد توتر ساد علاقات البلدين بسبب قضايا عدة، أبرزها مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول، واتهام الرياض أنقرة باحتضان قيادات من جماعة الإخوان المسلمين. وتأتي مساعي أردوغان لطي صفحة الخلاف مع السعودية، ضمن إطار جهود إقليمية واسعة دشنها في الفترة الأخيرة لتحسين علاقة بلاده مع عدد من دول المنطقة، على رأسها مصر والإمارات العربية المتحدة وإسرائيل، في مواجهة عزلة دبلوماسية متزايدة أدت إلى تراجع كبير في الاستثمارات الأجنبية وأثرت سلبا على الاقتصاد المحلي.
بعد حوالي خمس سنوات من التوتر الذي طبع علاقات الرياض وأنقرة، زار الرئيس التركي، أخيرا، المملكة العربية السعودية الخميس، في محاولة لطي صفحة الخلاف واستعادة الدفء في علاقات البلدين.
والتقى أردوغان الباحث عن تحسين العلاقات مع القوى الإقليمية في خضم مصاعب اقتصادية جمة تواجهها بلاده، العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، إذ جرى خلال اجتماعه بهما “استعراض فرص تطوير العلاقات السعودية التركية في مختلف المجالات، بالإضافة إلى بحث مستجدات الأوضاع الإقليمية والدولية والجهود المبذولة بشأنها”، وفق ما ذكرت وكالة الأنباء السعودية “واس”.
وتأتي زيارة أردوغان تتويجا لتحركات دبلوماسية متواصلة استهلها منذ أكثر من سنة عبر اتصال هاتفي أجراه مع العاهل السعودي في مايو/أيار من العام الماضي، ثم إرسال وزير خارجيته مولود تشاووش أوغلو، في زيارة رسمية إلى الرياض للقاء نظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله. إضافة إلى ذلك، يرى مراقبون أن من حوافز أردوغان لاستعادة دفء علاقات أنقرة والرياض، الوضع الاقتصادي الصعب الذي يعانيه الاقتصاد التركي، مما أثر على قيمة عملة البلاد التي تدنت إلى مستويات قياسية.
علاقات غير مستقرة
شهدت العلاقات بين تركيا والسعودية مدا وجزرا منذ اعتلاء أردوغان سدة الحكم، ولعل أبرز ملامح الخلاف بينهما بدت جلية خلال حروب سوريا وليبيا واليمن، ثم في 5 من حزيران/يونيو 2017، حين أعلنت بعض الدول العربية ومنها السعودية قطع علاقاتها الدبلوماسية مع قطر، فاختارت تركيا بالمقابل وقوفها إلى جانب قطر وأعلنت دعمها لها. كما شكل احتضان تركيا لقيادات من جماعات الإخوان المسلمين وعناصر أخرى معارضة للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي نقطة خلاف محورية بينهما، إذ اعتبرت الرياض الأمر “رعاية للإرهاب” وتشجيعا لـ “الإسلام السياسي” في المنطقة، خاصة وأن هيئة كبار العلماء في السعودية صنفت جماعة الإخوان المسلمين “منظمة إرهابية”.
وكانت النقطة التي أفاضت الكأس وأدت إلى تصاعد حدة الخلاف بين البلدين، حادث اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي الذي عرف بانتقاده لسياسة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، في تشرين الأول/أكتوبر 2018 داخل قنصلية بلاده بمدينة إسطنبول، فاتّهم حينها الرئيس التركي “شخصيات سعودية نافذة” بإعطاء الأمر لتنفيذ عملية الاغتيال، لكنه استبعد العاهل السعودي من التهمة.
وكانت تركيا بدأت محاكمة غيابية في تموز/يوليو 2020 لـ 26 سعوديًا يشتبه في تورطهم بمقتل خاشقجي، إلا أنها نقلت الملف في 7 نيسان/أبريل إلى السعودية، ما يعني إسدال الستار على القضية في تركيا.
في هذا السياق، يقول علي العنزي أستاذ مادة الإعلام بجامعة الملك سعود في الرياض، “إن زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للمملكة العربية السعودية ولقائه الملك سلمان بن عبد العزيز وولي العهد الأمير محمد بن سلمان تعتبر في غاية الأهمية، خصوصا أنها تأتي بعد توتر في العلاقات بين البلدين كانت تركيا السبب فيه، بسبب تدخلها في الشؤون الداخلية لعدد من الدول العربية كمصر وسوريا وليبيا وحتى السعودية نفسها، وذلك من خلال دعمها للإخوان المسلمين وإثارة القلاقل في الوطن العربي، في فترة ما سمي بالربيع العربي” وفق تعبير المتحدث الذي أضاف أن كل تلك العوامل “بلغت بالعلاقات بين السعودية وتركيا مرحلة متدنية جدا، خصوصا بعد قضية جمال خاشقجي واستغلال تركيا لها سياسيا”.
من جهته، يؤكد الباحث في الشأن السياسي التركي محمود علوش أن قضية خاشقجي كانت عقبة رئيسية في طريق إصلاح العلاقات، والخطوة التركية بنقل القضية إلى السعودية شكلت أساساً رئيسياً لإنهاء الخلافات وعقد لقاء بين أردوغان والأمير محمد بن سلمان.
ويجرد علوش العوامل التي دفعت تركيا والسعودية إلى فتح صحفة جديدة في علاقاتهما، فيذكر أنها مرتبطة أساسا بالاقتصاد والأمن والوضع الإقليمي. إذ توجد على الصعيد الاقتصادي، منافع مشتركة ستجنيها كل من أنقرة والرياض من وراء إصلاح العلاقات وفق رأيه، وذلك لكون أردوغان بحاجة إلى عودة الاستثمارات السعودية وإنهاء الحظر السعودي غير الرسمي على البضائع التركية. في المقابل، سيكون في التعاون الاقتصادي الجيد مع تركيا مصلحة للسعودية حسب المتحدث، لا سيما أن تركيا منفذ مهم على صعيد طرق إمدادت التجارة العالمية وأمن الطاقة العالمي.
بناء تحالف إقليمي جديد
تأتي مساعي أردوغان لطي صفحة الخلاف مع السعودية، ضمن إطار جهود إقليمية واسعة دشنها في الفترة الأخيرة لتحسين علاقة بلاده مع عدد من الدول في المنطقة، على رأسها مصر والإمارات العربية المتحدة وإسرائيل، في مواجهة عزلة دبلوماسية متزايدة أدت إلى تراجع كبير في الاستثمارات الأجنبية وأثرت سلبا على الاقتصاد المحلي. محمد علوش الباحث في الشأن السياسي التركي، يرى أن التحولات التي تشهدها المنطقة منذ مطلع العام الماضي مهدت الأرضية للمصالحة التركية السعودية، بدءاً من التحول في السياسة الخارجية التركية نحو الإقليم، إلى إنهاء الأزمة الخليجية مروراً بالمصالحة التركية الإماراتية والمفاوضات التركية المصرية.
وأكد المتحدث أن هذه الأطراف وصلت إلى قناعة بأن التنافس بينها على مدى عشر سنوات لم يؤد إلى تغيير جوهري في الوضع الإقليمي لصالح أي منها، بقدر ما شكّل استنزافاً لفرص التعاون بينها لمعالجة الأزمات الإقليمية التي أثرت بشكل سلبي على مصالحها. كما ساعد هذا الاستنزاف قوى أخرى منافسة لهما كإيران، في تعزيز دورها الإقليمي.
من جهة أخرى، فإن التحول الذي طرأ على السياسة الأمريكية في المنطقة عقب تولي الرئيس جو بايدن السلطة شكّل حسب علوش حافزاً إضافياً لدى القوى الإقليمية الفاعلة لإنهاء خلافاتها ومحاولة التفاهم على كيفية إدارة الوضع الإقليمي في مرحلة ما بعد تراجع الدور الأمريكي. إضافة إلى أن حاجة السعودية والإمارات إلى البحث عن بدائل أخرى لتلبية احتياجاتها الأمنية تدفعها إلى الاهتمام بصناعات الدفاع التركية الصاعدة التي أظهرت كفاءة كبيرة في تغيير مسار صراعات عديدة كسوريا وليبيا وجنوب القوقاز. بالإضافة إلى ذلك، فإن عضوية تركيا في حلف شمال الأطلسي والأهمية التي يوليها الغرب لها لموازنة الدور الروسي في مناطق عديدة يزيد من أهميتها الاستراتيجية بالنسبة لدول المنطقة.
من جانبه، رجح علي العنزي، أن تشكل زيارة الرئيس التركي عاملا مساعدا لاستقرار منطقة الشرق الأوسط وتجنيبها التدخلات الخارجية، من خلال التعاون والتجارة بين مختلف دولها، نظرا لكون المملكة دولة محورية في المنطقة، وهي راعية الحرمين الشريفين ولها ثقلها السياسي والاقتصادي في المشهد الدولي، إضافة إلى ثقلها في العالمين العربي والإسلامي، كما الشأن بالنسبة لتركيا أيضا، إذ ذكر أنها دولة لها وزنها في المنطقة.
وحسب العنزي، فالأمل يحدو الجميع بأن تكون هذه الزيارة مثمرة على كافة المستويات، وأن وتعزز العلاقات بين دول المنطقة مع مراعاة احترام السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، مشيرا إلى أن المملكة حريصة على حماية الأمن القومي العربي، وهذا سبب وقوفها في وجه كل من يريد زعزعة استقرار المنطقة، مضيفا في الوقت نفسه أن الزيارة ستركز على مناقشة كافة القضايا السياسية والاقتصادية والأمنية بين البلدين، على المستوى الإقليمي والعالمي، حيث يشهد العالم تطورات سياسية وعسكرية غير مسبوقة سواء في فلسطين أو في أوكرانيا أو تلك المرتبطة بالتدخلات الإيرانية في المنطقة.
تحسن اقتصادي مضطرد
تعتبر السعودية وتركيا قوتان اقتصاديتان في المنطقة، لكن الأزمة الأخيرة التي لحقت الاقتصاد التركي، دفعت أردوغان إلى البحث عن منافذ بديلة لتجاوزها وتجنب الأسوء، ومنها السعودية، وبعد تخطي نسبة التضخّم في تركيا نسبة 60 بالمائة خلال 12 شهرا الأخيرة. نقلت وكالة الأناضول التركية الرسمية للأنباء، أن مجلس الغرف التجارية السعودية توقع ارتفاع واردات المملكة من تركيا خلال الفترة القريبة المقبلة، في إشارة دالة على التحسن المضطرد للعلاقات بين البلدين، عقب فترة ركود تجاري بينهما، تخللها قرار الرياض وقف استيراد المنتجات التركية وحجبها عن الأسواق السعودية، وإقصاء شركات البناء التركية العملاقة من المشاركة في أي مشاريع سعودية، إضافة إلى تقليص أعداد رحلات الحج والعمرة، وهو الأمر الذي فاقمته جائحة فيروس كورونا. فضلا عن امتناع السياح السعوديين عن زيارة تركيا، الأمر الذي شكل ضربة قاسية لقطاع سياحتها.
يرى مراقبون أن زيارة أردوغان إلى السعودية قد تساهم في تهيئة الأرضية المناسبة لفتح صفحة جديدة في العلاقات، إلاّ أن إزالة الرواسب الناجمة عن أزمة خاشقجي تتطلب المزيد من الجهد لإعادة ترميم الثقة بين القيادتين السعودية والتركية. في هذا الإطار يرى الباحث محمود علوش أنه يُمكن التنبؤ بأن العصر الجديد في العلاقات السعودية التركية سيتقوى في المرحلة المقبلة، مدفوعاً بشكل رئيسي برغبة البلدين في التعاون الإقليمي لاحتواء النفوذ الإيراني الذي يُتوقع أن يكتسب زخماً أكبر مع اتجاه إدارة بايدن إلى إعادة إحياء الاتفاق النووي مع طهران ورغبتها في دفع حلفائها في المنطقة إلى تشكيل تكتل لتولي مسؤوليات أكبر في إدارة الوضع الإقليمي في المستقبل.
في المقابل، يقول علي العنزي إن المملكة العربية السعودية “ستتعامل بحذر مع سياسة الرئيس أردوغان نظرا لأن الجميع يغير مواقفه وسياساته حسب الظروف السائدة”، مضيفا أن “السعودية تقدم خيار الحوار مع أي دولة، شريطة أن يكون مبنيا على أساس الاحترام المتبادل بين الدول وعدم التدخل في الشئون الداخلية”.
حمزة حبحوب
مصدر الخبر
للمزيد Facebook