مارين لوبان… اليمينية المتطرفة التي تدق أبواب الإليزيه تحقيقا لحلم والدها
نشرت في: 21/04/2022 – 18:40
للمرة الثانية على التوالي، تنجح مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان، في الوصول إلى الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية الفرنسية. وتتمتع لوبان، هذه المرة، بحظوظ وفيرة للفوز في هذا الاستحقاق الرئاسي. مرشحة اليمين المتطرف قطعت مسارا طويلا في العمل السياسي لتحقق ما أنجزته اليوم. وكان أكبر عمل قامت به هو أنها قدمت معسكرها السياسي في صورة جديدة، بعيدة عن اللهجة الشرسة في الخطاب التي عرف بها اليمين المتطرف عادة. فمن هي مارين لوبان؟ وما هي أبرز المحطات في حياتها الخاصة والسياسية؟ وهل تنجح في تحقيق حلم والدها جان ماري لوبان، “أيقونة” اليمين المتطرف لعقود، والذي لم يتخط عتبة الإليزيه رغم مشاركته في خمسة استحقاقات رئاسية؟
بعد خمس سنوات من مرورها إلى الدورة الثانية في الانتخابات الرئاسية 2017، تعاود مرشحة “التجمع الوطني” مارين لوبان، 53 عاما، الكرة مرة أخرى في 2022، حيث تتنافس من جديد في نهائي السباق الرئاسي الذي يجمعها مع الرئيس المنتهية ولايته إيمانويل ماكرون.
وكان ظهور مرشح حزب “الاسترداد” إيريك زمور في هذه الانتخابات بثوب منافس للوبان، لا سيما بخطابه الناري ضد الهجرة والإسلام، أول عقبة لها في هذه الانتخابات، خاصة وأن مجموعة من كوادر حزبها، وعلى رأسهم ابنة شقيقتها ماريون ماريشال، غادروا الحزب على حين غرة ليعززوا صفوف زمور. إلا أنها عرفت كيف تتجاوزها في أسرع وقت، وظلت تحتل المرتبة الثانية في استطلاعات الرأي خلال حملة الدورة الأولى، وهو ما زكته نتائج المرحلة الأولى من الاستحقاق.
مارين لوبان بـ”نيو لوك” سياسي جديد
اكتشف الناخب الفرنسي في هذه الانتخابات مارين لوبان أخرى بخطاب مشذب، يخالف تماما ما عرفت به هي وحزبها اليميني المتطرف في مثل هذه المحطات السياسية، حيث كان يشحذ كل أدواته لمهاجمة المهاجرين والإسلام إضافة لمواقفه العدائية نحو أوروبا. وتركت هذا الدور هذه المرة لغريمها إيريك زمور.
“لقد تغيرت” مارين لوبان كما يحلو القول للعديد من المراقبين، على الأقل على مستوى الخطاب. لأنه لا يمكن التأكد من ذلك إلا في حال في وصولها إلى السلطة. لاسيما وأن كل تحركاتها لإحداث هذا التحول لم تكن عفوية بل جاءت وفق إستراتيجية على مستوى التواصل مع الرأي العام، أطلقتها منذ سنوات برفقة حزبها “التجمع الوطني”.
لم تعد لوبان تظهر بتلك الشراسة في الخطاب حتى إن وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمان، انتقد في برنامج تلفزيوني جمعهما، “رخاوتها” في بعض مواقفها السياسية. كما أنها تظهر في صور على حسابها على تويتر، الذي يتابعه 2,6 مليون شخص كـ”أم للقطط” كما تختار أن تصف نفسها.
للمزيد: لوبان-ماكرون…رؤيتان للعالم
وبالنسبة لخطابها تجاه أوروبا، توقفت لوبان عن المطالبة بالخروج من الاتحاد وإنهاء التعامل باليورو، وتحدثت عن الإسلام على أنه “يتماشى مع الجمهورية”، وغيرها من “المواقف” التي تفيد أننا أمام يمين متطرف بوجه جديد، لكن على مستوى الجوهر، لا شيء تغير والبرنامج السياسي للحزب بقي عموما هو نفسه.
“ضد التيار”
ولدت مارين لوبان، واسمها الحقيقي ماريون آن بيرين لوبان، في 5 أغسطس/ آب 1968 في نويي سور سين بضواحي باريس. بالنسبة لهذه الابنة الثالثة والأخيرة (بعد ماري كارولين ويان) لمؤسس حزب “الجبهة الوطنية”، جان ماري لوبان، كانت السياسة تسري في عروقها منذ صغرها. في سيرتها الذاتية بعنوان “ضد التيار”، التي نُشرت في عام 2006، تروي أنها دخلت “السياسة بشكل كامل” في سن الثامنة تحديدا عندما نجت من هجوم استهدف شقة العائلة، وهو أحد “أهم الأحداث التي بصمت طفولتها”.
واجهت لوبان زخما من الامتحانات الشخصية في حياتها: طلاق والديها، الصور المثيرة لوالدتها التي نشرت في مجلة “بلاي بوي”، الشتائم عندما كانت ترافق والدها في سن الخامسة عشرة في أسفاره خلال حملة الانتخابات البلدية لعام 1983. لكن لم يثنها كل ما ذكر عن دخول غمار السياسة. بمجرد بلوغها سن الرشد انخرطت بشكل رسمي في حزب والدها “الجبهة الوطنية”.
في مرحلة الثانوية، لم تكن مارين لوبان قدوة يمكن أن ينصح بالسير على منوالها، حسب أساتذتها. فهذه التلميذة التي حصلت على نقطة 4 على عشرين في الفلسفة، لم تحصل على شهادة البكالوريا إلا في محاولتها الثانية عبر الدورة الاستدراكية. حصلت على درجة الماجستير في القانون ثم على دبلوم الدراسات المعمقة في القانون الجنائي في 1991، قبل أن تشتغل في المحاماة. والمفارقة أنها دافعت عن مهاجرين غير شرعيين.
“بدون كراهية”
كممارسة للسياسة، كان عليها أن تحتك مع صناديق الاقتراع يوما لعلها تضمن مقعدا في إحدى المؤسسات المنتخبة، لأنه سيشكل خطوة أولى في التعاطي عن قرب مع الشأن العام. وتسنى لها هذا الأمر في 1998 حين انتخبت مستشارة جهوية لمنطقة نورد با دو كاليه. في العام نفسه أنجبت لوبان طفلة ثم توأمين عام 1999 دون أن يؤثر وضعها الأسري الجديد على طموحها في التسلق نحو المراتب العليا بحزب والدها. بعض خرجاتها الإعلامية حول الإجهاض أو الدين أثارت انتقادات كوادر داخل “الجبهة الوطنية”، إلا إنه كان مصير هؤلاء الإبعاد. فالوالد لوبان كان يثق في مستقبل نجلته بل كان يحضرها لتسلم الشعلة يوما منه، ولم يكن يقبل بالتشويش على مشروعه في نقل الرئاسة إلى ابنته.
اكتشف الرأي العام الفرنسي هذه الناشطة في اليمين المتطرف على بلاتوهات التلفزيونات في 2002 عند مرور والدها جان ماري إلى الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية إلى جانب الرئيس الراحل جاك شيراك. بعد أن اعتذر قيادي في “الجبهة الوطنية” عن الحضور في نقاش تلفزيوني، حلت محله لوبان. كانت محاورة غير سهلة بالنسبة لخصومها السياسيين. بعد أن تضايق من تدخلاتها، لم يجد وقتها ميلنشون الذي كان حاضرا على البلاتو إلا عبارة “من هي هذه؟” بينما أطلق الجمهور صرخات استهجان ضدها، فيما ردت هي عليه: “بدون كراهية بدون عدم التسامح سيدي”.
طموحات سياسية قد تنتهي بها في الإليزيه
كانت لوبان مصممة في طموحاتها السياسية أن تذهب إلى أبعد حد وبإصرار لا يتوقف. واستحقت بذلك لقب “الحيوان السياسي” (تعبير بالفرنسية يعني ذو العزم والتصميم – أسرة التحرير) من قبل مراقبين. ووجدت في منطقة شمال فرنسا، التي تضررت اجتماعيا كثيرا بسبب إغلاق عدة معامل أبوابها، أرضية خصبة لزرع أفكارها. وتم انتخابها نائبة بالبرلمان الأوروبي في عامي 2004 و2009.
في 2011، دقت ساعة نقل مسؤولية الحزب اليميني المتطرف “الجبهة الوطنية” من الوالد لوبان إلى الابنة مارين. وتمت العملية فعلا في مدينة تور غرب فرنسا بموجب المؤتمر 14 للحزب، حيث فازت على أحد الأسماء اليمينية المتطرفة المعروفة برونو غولنيش.
جربت لوبان حظها لأول مرة في الانتخابات الرئاسيات في 2012، وحصلت على 17,90 من الأصوات في الجولة الأولى. وفي الوقت نفسه أدخلت “الجبهة الوطنية” في مرحلة جديدة من التغيير، بدءا بالخطاب ثم الاسم، الذي تحول إلى “التجمع الوطني” في 2018 بعد أن تخلصت من والدها في 2015، الذي كان يحتل موقع الرئيس الشرفي للحزب، بسبب تصريحاته العنصرية أو المعادية للسامية التي كانت تقوض محاولاتها في إعطاء صورة معاكسة للحزب وتبييضه في عيون الفرنسيين.
لا يجادل اثنان في أن مارين لوبان اليوم قريبة أكثر من أي وقت مضى من دخول الإليزيه. وفي حال فوزها بهذه الانتخابات في مشاركتها الثالثة بالاستحقاق على غرار الرئيسين السابقين جاك شيراك وفرانسوا ميتران، ستكون أول امرأة ترأس فرنسا، كما أن وصول اليمين المتطرف إلى قصر الإليزيه سيكون سابقة في تاريخ الجمهورية الفرنسية الخامسة. فهل سيحدث ذلك؟ الكلمة الأخيرة للناخب الفرنسي الأحد المقبل…
النص بالفرنسية: أود مازوي | اقتباس: بوعلام غبشي
مصدر الخبر
للمزيد Facebook