أطوال شخص في لبنان تعب من التنمر: الناس لا ترحم (صور)
كتبت نوال نصر في نداء الوطن:
أن يهزأ امرؤ من «طويل»، ويضحك عليه من قلب قلبه، ويبدأ تذكّر الأمثال الشعبية عن طول وقصر، وعن قامات خارجة من المألوف، لهو قمّة الحماقة من «إنسان» في حقٍّ إنسانٍ لم يخترْ لا أن يكون طويلاً ولا أن يكون قصيراً. مصطفى عوض إبراهيم، ابن عكار، يجلس بين جدرانٍ أربعة، بعيداً عن العيون، يعاني وحيداً من طوله وصحته وعمره والتنمّر الذي يلاحقه مثل ظله مردداً: الناس لا ترحم. إنه بطول مترين و35 سنتمتراً وبعمر الثانية والأربعين
حلم أدّى إلى زواج
حاله حال. يبدو قاسياً وحنوناً، حاقداً ومستسلماً، مبتسماً وعابساً. مصطفى عوض إبراهيم يبدو كما المخلّع، مفكك المفاصل، مستلقياً على سريره، نسأله عن مصابه فيردّ: أنا موجوع جسدياً ونفسياً. نسأله عن طوله فيجيب: بدي مساعدة. بدي دوا. بدي آكل. بدي عيش مثل كل البشر. نتذكر هنا تلك المقولات التي تتباهى بالطول وتعيّر بالقصر وبينها: «الطول هيبة ولو كان من خشب والقُصر عار لو كان من ذهب». نذكّره به فيجيبنا بمثل آخر: «الطول طول الباب والعقل عقل ذباب». فنتأكد أن الناس يتنمرون على بعضهم البعض في كل الحالات، غير مبالين أن بفعلتهم تلك يدمّرون حياة إنسان.
أبو الطول، ابن عكار، الشاب مصطفى، بالكاد يستطيع، منذ شهر، الخروج من سريره. هو تعرض لحادثٍ على دراجته النارية، التي كان يجلس على آخر حديدها، وراء المقعد، ويمد قدميه الى الأمام، الى دعسة البنزين، فانقلبت به. هو حادث كان يمكن أن يكون بسيطاً لكن طوله الإستثنائي جعله يتعرض الى كسور في الورك ويحتاج الى عمليات جراحية.
هو لم يُرزق بأطفال. وتزوج متأخرا على ما قال «في عمر الرابعة والثلاثين» ويُخبر السبب «لم ترضَ بي أي فتاة. ومن رضيت عارض أهلها. لكن زوجتي، على الرغم من معارضة أهلها، أصرت. أحبتني. وأخبرتني بعد زواجنا بحلمٍ جاءها ذات ليلة، رأت نفسها فيه تتمشى في بستان مليء بقرون الفول. إختارت منها الأكثر طولاً وقطفته». يبدو مصطفى متشائماً من الناس، جميع الناس، يذكر بالأسماء من وعدوه وخانوه. حتى أقرب الأقربين صاروا يتجنبونه، على ما قال، في رحلته مع «الطول» ويشرح: «العالم لا يرحم. كلما خرجت من منزلي وعدت، أطلب من زوجتي أن تصبّ لي رصاصة (ضد صيبة العين)، لأنني في كل مرة خرجت فيها عدت بآلام مبرحة في القدمين والذراعين والظهر. أحاول الإبتعاد عن عيون الناس لكنهم يأتون إليّ «ليتفرجوا» عليّ ويقومون بحركات تزعجني. حتى أقاربي يقولون لي وهم يبتسمون: صرت طول عمود التوتر العالي. وهناك من قالوا لي: أفضل وظيفة لك بائع علكة الى المسافرين، تبيع ركاب الطائرات وهي تحلق في الأجواء علكة. قال لي آخر: هل تعمل معي في «تلييس» السقف بلا سلّم. أحدهم رآني في سيارة فقال مستهزئا: بدك قطار. أتضايق كثيراً من كلام الناس لذا أبقى في البيت».
لا أحب النظر في المرآة
يقول مصطفى «الإنسان في لبنان «حقو فرنكين حتى لو كان طوله قدّ الغيم» فلا أحد سأله عن مشاكله. لا أحد رأف بحالته. وطوله بات سخرة. يقول: «وضعني والدي في المدرسة لكني لم أرغب في الدراسة. إشتغلتُ معه على عربة لبيع العصير والسحلب لكن عظامي لم تساعدني. مشاكلي الصحية كانت كثيرة». يتمهل قليلاً، يسكت، يبلع ريقه ثم يقول «الله ما بيترك حدا ولن يتركني. خلق ربّ العالمين الدودة في صخرة مقفلة وأعطاها سبل الحياة فهل يعقل أن يقفل الدنيا في وجهي؟».
«الطول لم يناسبني أبدا»، يكرر أطول رجل في لبنان ذلك. سألناه: حين تقف أمام المرآة ماذا تقول لنفسك؟ أجاب: «أقول لنفسي: يا مصطفى متى أصبحت بهذا الطول؟»، يستطرد «افضّل عدم النظر. حين أرى نفسي أتذكر كل الناس الذين «يعيّرونني» بطولي فأشعر بالقهر، وأتذكر كل مرة بحثت فيها عن عمل ولم أجده، وأتذكر عدد المرات التي احتجت فيها الى دواء ولم أتمكن من سداد ثمنه. وأتذكر ذاك الرجل الذي طلبت أن أعمل لديه فنظر إليّ من تحت لفوق، ومن فوق لتحت، وقال لي: بدك ياني ادفعلك لتقعد على الكرسي أو لتوقف وتدق بالسما. قسا الناس عليّ كثيراً. وأقول لكل من ضحكوا (وما زالوا) على طولي، والى كل من يضحكون على القصير أيضا: إتقوا الله بأنفسكم، فليس من كامل في هذه الدنيا. نحن جميعاً خلق الله والحمدلله ربّ العالمين».
الإستهزاء لا يتوقف، بالطويل وبالقصير أيضاً في لبنان. هكذا هم الناس، يرتكبون معصية التنمر، ما يترك في الآخرين كثيراً من الرواسب التي تلازمهم طوال العمر. والأسوأ أن المتنمرين يظنون أنهم براء مما فعلوا. مصطفى، إلتقى رجالاً عمالقة طويلي القامة أيضاً، لكنه لم يجد واحداً أكثر طولاً منه في لبنان ويقول: ثمة رجل في عكار العتيقة كان طويلاً لكنه أصبح الآن، بعد استمراري في النمو، أقل طولاً مني». أشقاؤه أيضا أقرب الى قصار القامة. وهو الوحيد الفريد بطوله في بيئته.
مصدر الخبر
للمزيد Facebook