آخر الأخبارأخبار دولية

كيف ساهم انقسام وتشرذم أحزاب اليسار في تعبيد الطريق أمام صعود اليمين المتطرف؟


نشرت في: 13/04/2022 – 17:47

فشلت الأحزاب اليسارية الفرنسية في بلوغ الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية الجارية، إذ أسفرت نتائج الدورة الأولى عن تأهل كل من زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان والرئيس المنتهية ولايته إيمانويل ماكرون إلى الدور الثاني المزمع إجراؤه في 24 أبريل/نيسان. في حين حل جان لوك ميلنشون، مرشح أقصى اليسار، في المركز الثالث بنحو 22 في المئة من الأصوات، وبفارق ضئيل عن لوبان. ولم تجد دعوات توحيد جبهة اليسار خلال الدورة الأولى ودعم مرشح واحد سبيلا للتحقق، الأمر الذي يرى مراقبون أنه فوت على تلك الأحزاب فرصة المنافسة على الرئاسة وفسح المجال أمام صعود اليمين المتطرف.

بعدما كان يمكن التحدث عن جبهة يسارية منسجمة سنة 2017 وأخرى موحدة عام 2012، جمعت الحزب الشيوعي وحزب “فرنسا الأبية” بزعامة جان لوك ميلنشون وعددا من الأحزاب السياسية اليسارية الصغرى، أدت الخلافات الداخلية اليوم بين أحزاب اليسار إلى تفكك مكونات هذا التيار وإحداث شرخ كبير في صفوفه، مما أثر سلبا على نتائجه الانتخابية وحال دون تمثيله في الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية الفرنسية الجارية.

وأدت إشكالية انعدام الثقة بين مكونات اليسار إلى استقواء اليمين المتطرف وفسح المجال أمامه في شخص مارين لوبان مرشحة حزب “التجمع الوطني” لمنافسة إيمانويل ماكرون في الدور الثاني. إذ لم تجد دعوات زعماء اليسار لتشكيل جبهة موحدة ودخول المنافسة الانتخابية بمرشح رئاسي مشترك سبيلا للتحقق.

ولأول مرة في تاريخ فرنسا يحصل ممثلو أحزاب اليمين المتطرف مجتمعين على نسبة 30 بالمئة من أصوات الناخبين في الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية، ويرجع مراقبون أسباب هذه النتائج بالأساس، إلى تفرق أصوات ناخبي أحزاب اليسار نظرا لتعدد ممثلي هذا التيار، وغياب انسجام مكوناته، وعدم اتفاقها على تشكيل جبهة موحدة.

تراجع تاريخي

باستثناء مرشح حزب “فرنسا الأبية” جان لوك ميلنشون الذي حصل على 21,9 بالمئة من الأصوات، عكست النتائج التي حصل عليها باقي ممثلي الأحزاب اليسارية تراجعا تاريخيا، إذ نالت مرشحة الحزب الاشتراكي آن هيدالغو أقل من 1,8 بالمئة من الأصوات، خلافا لمرشح نفس الحزب في انتخابات سنة 2017 بونوا هامون، الذي حصل على نحو 6 بالمئة من الأصوات. وحصل الحزب الشيوعي بقيادة فابيان روسيل على نسبة 2,31 بالمئة من الأصوات، في حين نال حزب الخضر بقيادة يانيك جادو 4,5 بالمئة.

ووفق عدد من المتابعين للشأن السياسي الفرنسي، فقد كان من الممكن لهذه الكتلة من الأصوات مجتمعة، والتي تعدت 3,5 مليون صوت، أن تقلص فارق 420 ألف صوت الذي تقدمت به لوبان عن ميلنشون، بل وأن تضعه في صدارة المتأهلين بأكثر من 11 مليون صوت.

ويرى المحلل السياسي مجيد بودن أن السبب الأساسي المفسر لتشرذم اليسار الفرنسي يكمن في وجوده السياسي، بغض النظر عن السياق الانتخابي الظرفي، والذي لو تم تداركه لضاعف حظوظ ميلنشون في بلوغ الدور الثاني من الاستحقاقات الرئاسية وقطع الطريق أمام اليمين المتطرف.

ونبه بودن في حديثه لفرانس24 إلى الأسباب التاريخية التي أدت إلى إضعاف اليسار فكريا وسياسيا، فذكر أنه بعدما كان يشكل الخزان الفكري والثقافي للمجتمع الفرنسي، تقلص دوره التأطيري عقب بلوغه السلطة وممارسة الحكم، ليتحول من منتج للثقافة والمعرفة، إلى جسم متهالك غارق في صراعات داخلية عقيمة.

استقالة من أداء الأدوار الأصيلة

وفقا لنتائج عدد من الدراسات الإحصائية، فإن ما ذكره بودن من أسباب، ساهم جزئيا في تقلص كتلة اليسار الناخبة، فبات الناخبون العماليون، وهم الأكثر قربا تاريخيا وفكريا، إما ضمن خانة الممتنعين عن التصويت أو ممن يمنح صوته لليمين المتطرف.

من جهة أخرى، يعتقد مراقبون أن مكونات اليسار لم تستطع أن تقدم نفسها بديلا لليمين حين تسلمت مقاليد السلطة، إذ كانت غير قادرة على منح أفق فكري لممارسة الحكم، الأمر الذي جعل العديد من مثقفيها يولي أولوية للمناصب وانهمك في ممارسة السلطة، وبالتالي انتفى وجه التمايز الفكري والسياسي بينه وبين باقي الفرقاء السياسيين.

في هذا السياق، يعتبر الكاتب والمفكر الفرنسي آلان غريش أن أحزاب اليسار في فرنسا فقدت جزءا من كتلتها الناخبة، بسبب تماهي برامجها الانتخابية مع توجهات اليمين المتطرف حول قضايا محورية، مثل الهجرة والأمن والإسلاموفوبيا، الأمر الذي ينفي تميز برنامجها الانتخابي ويخالف تماما الأسس الفكرية التي قامت عليها.

يمضي غريش موضحا لفرانس 24؛ فيسوق مثالا لذلك عن مشاركة الحزب الاشتراكي وحزب الخضر وجزء من الحزب الشيوعي في مظاهرة نظمت يوم 20 أيار/مايو 2021 دعما للشرطة الفرنسية ودفاعا عن موقفها ضد اتهامها بالقسوة والعنف، في مقابل تنديد ميلنشون بالحدث واعتباره ذا طابع فئوي.

من جهة أخرى، استحضر الباحث ما وصفه “بالتأثير السلبي” للرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند على سمعة الحزب الاشتراكي من خلال القرارات التي اتخذها في فترة ولايته، والتي اتسمت بطابع يميني، مما ساهم في فقدان الناخبين ثقتهم في الحزب.

من جانبه، قال بودن إن اليسار بمختلف تشكيلاته، تراجع عن لعب دوره الأساسي المتمثل في النضال من أجل تحسين الوضعية الاقتصادية للطبقات المجتمعية الأكثر هشاشة، التي تمثل السبب التاريخي لوجوده وخزانه الانتخابي وقاعدته الأساسية الصلبة، وهو ما يفسر وفق المتحدث توجه كثير من ناخبي الطبقة العاملة صوب أحزاب اليمين أو اليمين المتطرف.

اختلاف الرؤى

عامل آخر أدى إلى إحداث انقسامات في صفوف أحزاب اليسار الفرنسية حسب المحلل السياسي، يتمثل في تباين موقف زعمائها من قضايا مهمة كمسألة الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي ومنهجية العمل في إطاره، فتولد عن ذلك تيارين اثنين: أحدهما منفتح على فكرة الانضمام إلى الاتحاد وآخر يرجح السيادة خارج التكتل.

وبالعودة إلى بعض برامج مرشحي التيار اليساري الانتخابية نجد بجلاء هذا التباين الحاصل بخصوص قضية الاتحاد الأوروبي، فإذا كان عضو البرلمان الأوروبي، ومرشح حزب الخضر يانيك جادو يقترح التحرك نحو المزيد من التكامل الأوروبي، فإن فيليب بوتو زعيم الحزب المناهض للرأسمالية، يعارض بقوة مسألة الدفاع الأوروبي المشترك.

من جهتها تعتبر مرشحة حزب النضال العمالي، ناتالي آرتو، في برنامجها، أن أوروبا “بناء هش”، في حين تذهب هيدالغو إلى أن المعاهدات التجارية يجب أن تكون مشروطة بالمعايير الاجتماعية والبيئية، وتدعو إلى إصلاح اتفاقية دبلن لصالح التضامن بين الدول الأعضاء أثناء مواجهة الهجرة غير النظامية.

أما جان لوك ميلنشون، زعيم حزب “فرنسا الأبية”، المحسوب على أقصى اليسار، فيرى أن العديد من المعاهدات والسياسات الأوروبية لا تتوافق مع برنامجه بما في ذلك اتفاقيات التجارة الحرة التي تعارض الحمائية البيئية.

طالما انشق اليسار عن بعضه لأسباب “أنانية شخصية”، وهذا راجع حسب محللين إلى تجربته الحكومية غير الكافية، وقلة خبرته في تسييره مؤسسات الدولة، وكذلك اعتبارا لكون أساس تكوينه جمعوي طلابي، الأمر الذي ما انفك يغرقه في التفاصيل ويحول دون استقرار أمر زعمائه على رأي مشترك.

يقول بودن مفسرا، إن “غياب رؤية براغماتية، تراعي المتغيرات والظروف الاجتماعية والمحيط الإقليمي، أدى إلى إضعافه وفسح المجال أمام استقواء اليمين المتطرف ومروره إلى الدور الثاني، وهذا خطأ استراتيجي”.

حمزة حبحوب


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى