منظمة “إليز” الإنسانية تسعى لإيصال المساعدات إلى شرق أوكرانيا رغم الصعوبات
سارعت المنظمات الإنسانية، مثل جمعية “إليز” الفرنسية لمساعدة أوكرانيا منذ اليوم الأول من اندلاع الحرب الروسية على هذا البلد في شهر فبراير/شباط الماضي. وفيما استطاعت جلب مساعدات كبيرة طبية وإنسانية في وقت وجيز، إلا أنها تواجه اليوم تحديا لإيصال هذه المساعدات إلى المناطق القريبة من جبهات القتال في شرق البلاد.
مع دخول الحرب الروسية على أوكرانيا مرحلة جديدة وارتفاع المخاوف من وقوع خسائر بشرية ومادية جديدة خلال المعركة الحاسمة التي ستدور في الأيام المقبلة بشرق البلاد، وخصوصا في إقليم دونباس، تعزز منظمات الإغاثة الدولية والمحلية تواجدها في هذا البلد.
وتحاول هذه المنظمات أن تسابق الزمن لإيصال المساعدات الطبية والإنسانية إلى مستشفيات بعض المدن الواقعة في الشرق، كخاركيف وماريوبول وكراماتورسك ومنطقتي لوغانسك ودونيتسك قبل أن ينقطع الطريق إليها.
ومن بين هذه المنظمات الإنسانية، جميعة “إليز” الفرنسية التي استلمت صباح الأحد الماضي شاحنة كبيرة محملة بـ 35 طنا من الأدوية والمعدات الطبية، كمستلزمات للجراحة والإسعافات الأولية ومولدات للكهرباء ومواد للنظافة ومستلزمات أخرى للأطفال ولكبار السن.
وعمت فرحة عارمة عندما وصلت الشاحنة إلى مقر هذه المنظمة في ضاحية العاصمة الأوكرانية كييف وسط تصفيق الحاضرين قادمة من فرنسا عبر بولندا وبعد سفر دام ثلاثة أيام. فهرع المتطوعون لتفريغ حمولتها.
وهي الشاحنة الثالثة (حوالي 75 طنا من الأدوية) التي تستقدمها إليز بوغوسيان، رئيسة الجمعية التي تحمل اسمها إلى أوكرانيا منذ بداية الحرب في شهر فبراير/شباط الماضي.
وقالت لفرانس24: “لم أتوقع في البداية أن أقدم مساعدات إنسانية لأوكرانيا لأنني كنت بصدد السفر إلى العراق حين بدأت الحرب. لكن في نهاية المطاف، قررت عدم الذهاب إلى بغداد ووضعت تجربتنا اللوجستية والتنسيقية في خدمة الشعب الأوكراني الذي يقبع تحت القصف الروسي”.
توفير المعدات الطبية للمستشفيات التي تقع قرب جبهات القتال
وأضافت: “هناك العديد من المنظمات الإنسانية في أوكرانيا. لكن مهمتنا نحن هو إيصال المعدات الطبية التي تحتاجها المستشفيات التي تقع قرب الجبهات القتالية للتمكن من القيام بعمليات جراحية طارئة. هذه العمليات يجب أن تنفذ في وقت وجيز جدا لمنع وفاة المصابين بنزيف دموي. نحن نعلم بأن 85 بالمئة من المصابين خلال الحرب يموتون عند وصولهم إلى المستشفيات التي لا تمتلك مستلزمات الجراحة في حالة الطوارئ”.
تعمل جمعية “إليز” بالتعاون مع الهلال الأحمر الأوكراني. وهو الذي يتكفل بإيصال المساعدات الطبية إلى المستشفيات المتواجدة قرب جبهات القتال وإلى المدنيين الذين لا يستطيعون الهروب إلى مناطق آمنة.
وتعول هذه الجمعية على استقدام شاحنات أخرى محملة بالأدوية والمعدات الطبية، مثل الضمادات التي تساعد على وقف نزيف الدم والتي أصبحت غير متوفرة في المناطق التي تدور فيها الحرب، كالمدن الشرقية وبالأخص في إقليم دونباس. “فالقوات الروسية والانفصاليون الموالون لموسكو يمنعون وصول المعدات الطبية إلى المستشفيات أو يسرقونها” حسب كتارينا سفستلاكوفا، إحدى المتطوعات الأوكرانيات في جمعية “إليز” الفرنسية.
كتارينا تعمل كمسؤولة الموارد البشرية في شركة تبيع أجهزة كمبيوتر بكييف. لكن بعد سيطرة الانفصاليين الموالين لروسيا على أجزاء كبيرة من إقليم دونباس في 2014، قامت بتدريب طبي في مجال علم النفس بهدف تقديم الدعم السيكولوجي لبعض سكان هذا الإقليم الذين فروا من منازلهم إلى كييف بسبب عنف الانفصاليين.
وشرحت لفرانس24 قائلة: “أساعد الناس الذين تأثروا بالحرب على الصبر رغم الظروف الصعبة والخطيرة التي يعيشونها وأشرح لهم ماذا يمكن فعله للمضي قدما إلى الأمام وكيف يمكن أن يعتنوا بأنفسهم وبأولادهم”.
تنحدر هذه الشابة الأوكرانية من مدينة تشيرنيغيف (شمال البلاد) لكن الحرب أرغمتها على مغادرتها والاستقرار في العاصمة كييف ثم الانخراط في جمعية “إليز” الخيرية.
“أوكرانيا ستكون أجمل وأقوى بلد في العالم بعد نهاية الحرب”
وروت لفرانس24: “المدينة التي ولدت فيها دمرتها القوات الروسية بالكامل. اليوم أريد أن أساعد أكبر قدر من الناس لكي يعيشون حياة عادية، خاصة وأنهم يفتقرون إلى أدنى مقومات الحياة، كالكهرباء والمياه والمواد الغذائية والأدوية”.
وتابعت: “حاليا نقدم المساعدات للسكان الذين بقوا في بلدتي بوتشا وإربين اللتين كانتا مسرحا لمجزرة فظيعة هزت العالم، ولعدد من النازحين الذين فروا من المناطق التي استولت عليها القوات الروسية بعد تعرضهم إلى أعمال عنف من قبل هذه القوات”.
وفي سؤال كيف تنظرين إلى مستقبل أوكرانيا؟ أجابت كتارينا: “أعتقد بأننا سنكون أجمل وأقوى بلد في العالم بعد نهاية الحرب. نحن فخورون بانتمائنا لأوكرانيا وبرئيسنا. أتمنى أن تساعدنا جميع الدول الأوروبية على إعادة بناء بلدنا ودولتنا”.
كما شكرت أيضا فرنسا ومنظمة “إليز” على الدعم الإنساني الذي قدمته للشعب الأوكراني، مشيرة بأنها “لا تجد الكلمات لكي تعبر عن امتنانها لهذه الجمعية ومن خلالها لجميع الفرنسيين الذين قدموا أموالا لكي تتمكن من شراء الأدوية والمعدات الطبية”.
وتابعت: “لا أعرف منظمة إنسانية أخرى وعدتنا بتقديم مساعدات طبية والتزمت بتعهدها كمنظمة “إليز”. نعم هناك منظمات عديدة أرسلت مساعدات إنسانية إلى بولندا. لكن هذا البلد لا يحتاج إليها. طبعا هناك لاجئون أوكرانيون في بولندا، لكن المستشفيات الأوكرانية هي التي تحتاج إلى المساعدات الطبية قبل أي طرف آخر”.
“الكيل بمكيالين” في مجال العمل الإنساني
وأنهت كتارينا: “المهم بالنسبة لنا هو أن نبقى في أوكرانيا في زمن الحرب وألا نغادر هذا البلد. العديد من الأوكرانيين يريدون العودة إليه وإلى حياتهم العادية ولا ينوون البقاء في بلد أجنبي كلاجئين. شعبنا يدرك بأنه ليس وحيدا وأن العالم بأسره يسانده”.
منظمة “إليز” هي منظمة انسانية فرنسية تقدم المساعدات الطبية لأوكرانيا وتوفر مستلزمات الجراحة الاستعجالية والحربية. هنا في مقرها في كييف #أوكرانيا pic.twitter.com/3mZnjhJXCd
— Tahar Hani (@taharhani) April 12, 2022
العالم يساند أوكرانيا حقا. لكن هل ساعد السوريين والعراقيين في محنتهم؟ طرحنا هذا السؤال “المفاجئ” على إليز بوغوسيان مؤسسة جمعية “إليز” وردت بأنها لا “تفهم لماذا العالم قام بهذه التفرقة بين الشعوب علما أن المحن والمآسي متساوية ومتشابهة”.
وأردفت: “لم أواجه صعوبات لجمع الأموال وشراء الأدوية والمعدات الطبية للشعب الأوكراني، لكن لم تكن نفس العملية سهلة عندما حاولت مساعدة السوريين والعراقيين والإثيوبيين. هذا أمر محزن حقا”.
وواصلت: “ربما تواجد أوكرانيا في الفضاء الجغرافي الأوروبي والخوف من عودة الحرب الباردة إلى أوروبا حفز الفرنسيين على تقديم الدعم المالي لمنظمتنا، بينما ترددوا كثيرا عندما اقتضى الأمر مساعدة اللاجئين الإثيوبيين. لا أستطيع أن أشرح هذا الاختلاف”.
فيما اعترفت إليز بصعوبة تقديم المساعدات الإنسانية للشعوب المتضررة في الدول العربية بسبب “انقسام هذه الشعوب فيما بينها دينيا وسياسيا وحتى قبليا. عكس أوكرانيا حيث الشعب أظهر تضامنا غير مسبوق وقدرة كبيرة على تذليل العقبات وتجاوز الآلام”.
العمل الإنساني في جبهات القتال
أما الشاب أندري (30 عاما) الذي كان يعمل قبل الحرب في شركة تبيع الألعاب الإلكترونية. فعبر لفرانس24 عن فخره “بالانتماء إلى الأمة الأوكرانية والأوروبية”.
وقال بأنه “لا يستطيع البقاء في المنزل في وقت تمر فيه بلادي بأوقات عصيبة. فكوني لم أتمكن من الالتحاق بالجيش الأوكراني للدفاع عن كرامتنا وعن أرضنا، قررت على الأقل أن أساعد بلدي عبر انخراطي في جميعة إنسانية لمساعدة المحتاجين والمصابين جراء الحرب”.
فيما بات أندري متأكدا بأن “النصر سيكون حليف أوكرانيا” وأن بلده “سيعيد بناء نفسه بنفسه وسينضم إلى الاتحاد الأوروبي ويكون مثلا للبلدان التي تعاني من الحرب ومن التهديدات الخارجية”.
وبرفقة جمعية “إليز” الإنسانية، زرنا بعض المستشفيات والعيادات في مدينة كييف وضواحيها وتحدثنا مع أطباء ومسؤولين قالوا كلهم بأن المساعدات الطبية والإنسانية متوفرة بكثرة في المناطق الغربية والوسطى من أوكرانيا، لكن المدن الشرقية للبلاد تفتقدها بسبب سيطرة القوات الروسية على معظم هذه المناطق، لا سيما في إقليم دونباس. فالحياة هناك صعبة بالنسبة للمدنيين الذين لا يستطيعون الفرار إلى المناطق الآمنة.
كما يصعب على المنظمات الإنسانية إيصال المساعدات إلى هذه المناطق. فهي تحاول الوصول إليها قدر الإمكان لكن المعركة الشاملة التي تلوح في الأفق بالشرق الأوكراني قد تعيق من عملها…
طاهر هاني موفد فرانس24 إلى أوكرانيا
//platform.twitter.com/widgets.js
مصدر الخبر
للمزيد Facebook