عوده: أليس القضاء النزيه مقموعاً في بلدنا؟
ترأس متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الارثوذكس المطران الياس عوده، خدمة القداس الإلهي في كاتدرائية القديس جاورجيوس.
بعد الإنجيل، ألقى عوده عظة قال فيها: “إن ميل النفس إلى الحصول على المجد هدفه أن يشتهي الإنسان مجد الله الذي يشع من وجوه القديسين برا وتواضعا ومحبة. هذه الصفات معاكسة تماما لما يعرفه أصحاب المجد في هذا العالم. قال الرب في إنجيل اليوم: “الذين يحسبون رؤساء الأمم يسودونهم، وإن عظماءهم يتسلطون عليهم” (مر 10: 42). أي إن الذين يعتبرون رؤساء في هذا العالم يجورون على الشعب، وينصبون أنفسهم أسيادا، ويتسلطون على البشر. كان هذا الأمر شائعا في زمن المسيح، لكنه يحدث بشدة أيضا في زماننا هذا. فعلى الرغم من أن الديكتاتوريات اندحرت معظمها في العالم، إلا أن الأنظمة التي يقال عنها ديمقراطية، كحال بلدنا، تبتكر الأساليب البديعة للمحافظة على مصالح كبار القوم ومكتسباتهم، بغية محافظتهم على السلطة. أليس القضاء النزيه مقموعا في بلدنا؟ ألا تخفى الدلائل والحقائق في خدمة ذوي النفوذ؟ ألا يصبح المظلوم ظالما بفعل ملفات تظهر بين ليلة وضحاها؟ ألا يسلب الفقير قروشه كي يبقي الغني على ملايينه؟ لكن ما يجب أن يستقطب انتباهنا هو كلمة المسيح. ومهما تسنى لرؤساء هذا العالم أن يفرضوا على الشعب مناهج وطرائق للحياة معاكسة لطبيعة الإنسان الحقيقية، التي هي على صورة الله، تبقى سلطتهم طيفا وسرابا. لم يقل المسيح “رؤساء الأمم”، بل “الذين يعدون رؤساء”، لأن الرؤساء الحقيقيين هم تلاميذ المسيح ورسله وقديسوه وكل مؤمن به”.
وأضاف: “الإنسان حر، هكذا خلقه الرب. هذه الحرية، إن لم تكبلها الخطايا تقود الإنسان إلى أن يسعى جاهدا من أجل خلاصه، دون أن ينشغل بالمكافأة أو يسعى إلى التقدم على الآخرين، والله هو الذي يحدد رتبة كل إنسان. بالنسبة إلى المسيح، كل من جعل نفسه خادما للجميع هو عظيم، ومن أصبح عبدا باختياره هو الأول. يقول كاتب سفر الأمثال: “بمقدار ما تكون عظيما بمقدار ذلك ذلل نفسك فتجد لدى الرب إلهك نعمة… كل مترفع القلب نجس عند الله”. إن حب الرئاسة مرض روحي يصيب الإنسان الذي لم يتعلم التواضع بعد، لذلك نحن نتلو يوميا خلال الصوم المقدس صلاة القديس أفرام السرياني التي نقول في مطلعها: “أيها الرب وسيد حياتي، أعتقني من روح البطالة والفضول وحب الرئاسة والكلام البطال…” طالبين من الرب أن يخلصنا من الآفات الروحية المتمثلة بحب الرئاسة والتسلط والكبرياء والاستئثار بالرأي والأنانية. يؤكد لنا إنجيل اليوم أن المجد الحقيقي يكمن في خدمة الآخرين لا في التسلط عليهم لذلك قال الرب يسوع: “أما جلوسكما عن يميني وعن يساري فليس لي أن أعطيه إلا للذين أعد لهم… من أراد أن يكون فيكم كبيرا فليكن لكم خادما”.
وقال: “المسؤول الحقيقي هو إذا من يقتدي بالمسيح الذي لم يأت ليخدم بل ليخدم (مر 10: 45). في أقوال المسيح هذه تتضح أخلاقية السلطة الحقيقية التي تخدم الناس بروح التواضع والمحبة. لقد حطم المسيح صنم السلطة الدنيوية، وبقوله: “لا يكون هكذا فيكم” (مر 10: 43) يتوجه عبر تلاميذه ليقول لنا إن مسلكنا مرسوم في الصليب. ليس فيه ميزة دنيوية ولا نفوذ، بل فيه قوة القيامة. هو المحبة المصلوبة من أجل الآخرين”.
وختم عوده: “إن الاتضاع العظيم الذي أظهره الرب يسوع في حياته، وبذل ذاته من أجلنا، نحن غير المستحقين، يجعل كلا منا أمام امتحان الإقتداء به في المحبة غير المشروطة، والتضحية بلا حساب، وخدمة الآخرين دون انتظار المقابل، دائسين على كبريائنا وأنانيتنا، فيما نحن مقبلون على مشاركته في أسبوع آلامه، علنا نحظى بفرح القيامة المجيدة. دعوتنا اليوم، أن يصلب كل إنسان رغبته الأثيمة في التسلط على الآخرين، ويحولها إلى روح الخدمة والتواضع والمحبة، وهكذا يشترك في مجد القيامة بنعمة الله”.
مصدر الخبر
للمزيد Facebook