كتبت زيزي اسطفان في “نداء الوطن”: عَلَم لبنان شغل الصين، قلعة بعلبك مجهولة المصدر،أعلام الأحزاب اللبنانية التي تتباهى بوطنيتها تأتي من بلدان بعيدة… رموزنا الوطنية ليست صنع لبنان…واقع غريب لشعب يتقاتل في ما بينه حول الأحقية بالسيادة والاستقلال والوطنية. الحرف اليدوية التي يجب أن تكون في أساس صناعة الرموز الوطنية والتراثية مهمشة وتكاد تكون غائبة، مكتومة القيد وغير محددة الهوية، وهو ما دعا جمعية «نحن» بالتعاون مع نقابات الحرفيين الى رفع الصوت لإعادة الإعتبار للحرف اللبنانية وإعطائها وضعاً قانونياً يحمي العاملين فيها ويحفظها من الإندثار…
ثمة التباس في تحديد معنى الحرفة اليدوية ومن هم الحرفيون إذ لا معايير تحدد عملهم. هم ينظرون الى حرفتهم كعمل مرتبط بالسياحة عبر النوستالجيا والتراث، فيما الدولة تتعاطى معهم على أنهم فئات مهمشة مرتبطة بوزارة الشؤون الاجتماعية وأقصى طموحاتها أن تقدم لهم مساعدات فيما هم قوة اقتصادية بإمكانها أن تساهم مساهمة فعالة في الدخل القومي. ففي تونس مثلاً يساهم الحرفيون في 9% من الناتج القومي، وفي المغرب 11% من الاقتصاد الوطني العام قائم على الحرفيين. وقد تطور العمل الحرفي بشكل كبير في هاتين الدولتين حين لم يعد مرتبطاً فقط بالنوستالجيا بل اندمج بالحياة اليومية والسوق المحلي وصار حاجة محلية تستمد روحها من الماضي إنما تُقدّم بطريقة جديدة تناسب الحياة اليومية.
في لبنان لا يزال العمل الحرفي مقيداً بثلاثة معوقات أساسية حيث لا تعريف واضحاً لماهيته ولا معايير له إضافة الى نظرة الدولة التهميشية له وغياب القوانين التي تشكل الإطار الشرعي له. وقد أدى هذا التهميش مع الوقت الى اندثار حرف كثيرة من لبنان وانقراض المهارات التي كانت ترافقها بدل تمريرها الى الأجيال المقبلة.
«المشكلة الأساسية يقول أيوب هي فقدان سلسلة الإنتاج اليوم بمعنى ان أجدادنا لم يكونوا يرمون أي شيء، فالقمح مثلا يحول طحيناً فيما القش يستعمل لصنع الأثاث. وكذلك الصوف ينسج ويحول الى خيطان اي كان الانتاج 100% ولا شيء فيه يتلف.لا شك أن التطور قد جعل بعض الحرف تختفي لكن للأسف ليس لدينا اي متحف لحماية هذا الإرث الحرفي الثقافي وتمريره لأولادنا كما ان ثقافة العمل الحرفي غير موجودة في المناهج التربوية. ودور وزارتي الثقافة والتربية مفقود في هذا المجال».
معاناة الحرفيين تذهب أبعد من التسميات والمعايير فهم في الواقع لا يملكون أي ضمان صحي او اجتماعي كونهم أفراداً لا مصانع وليسوا قادرين على التصدير بشكل شرعي لأنهم لا يملكون شهادة منشأ وتفرض عليهم ضرائب عالية إذا ما قاموا بتسجيل مؤسساتهم لذا فإن العديدين منهم يعملون في السر ولا يصرّحون عن أشغالهم. اما الحماية الجمركية فغائبة كلياً في حين أنه في الدول الأخرى تفرض ضرائب باهظة على البضائع الحرفية التي يتم إدخالها الى البلد حين يكون هناك بضائع حرفية شبيهة لها في البلد. والمؤلم في الأمر أن لبنان الذي كان قد خصص معلماً هندسيا رائعاً في منطقة عين المريسة هو « بيت المحترف اللبناني» عاد في زمن الانحطاط وحوّل هذا المعلم الى مطاعم ولم يترك إلا جزءاً يسيراً منه للحرفيين، أما مطار بيروت الذي كان يحوي أكثر من 40 محلاً حرفياً فلم يعد فيه اليوم إلا بضعة محلات فيما سوق جبيل القديم باتت معظم بضائعه «التراثية»مستوردة من الخارج، حتى إكسبو دبي لم يدع إليه الحرفيون اللبنانيون علماً أن العمل الحرفي قبل الأزمة الاقتصادية كان يدخل ما يقارب 20 مليون دولار الى لبنان وفق دراسة أجريت سابقاً.
تجاه هذا الواقع تحركت جمعية « نحن» ساعية لإقرار قانون يحمي الحرفيين ويحفظ حقوقهم وجالت على المسؤولين وأطلقت حملة واسعة لتسليط الضوء على واقع الحرفيين في لبنان والحفاظ على الحرف اللبنانية من الإندثار لا سيما أنها قادرة على لعب دور اقتصادي مهم. وبداية تم وضع تعريف واضح للحرفي وهو الشخص الذي يعمل يدوياً لتحويل مادة خام الى منتج نهائي على ان يكون هذا المنتج مرتبطاً بالإرث الثقافي ويحمل لمسة إبداعية، وتم وضع معايير تحدد عمله. كما تمت المطالبة بتغيير نظرة الدولة إليه وربط العمل الحرفي بوزارة الصناعة لتكون وصية عليه مع دور أساسي لوزارات الثقافة والسياحة والشؤون الاجتماعية والعمل والاقتصاد والتربية وحتى البلديات. والأهم حماية الحرفيين وإدخالهم في الضمان الاجتماعي وحماية عملهم من خلال رفع الرسوم الجمركية على البضائع المماثلة بغية عدم إغراق السوق المحلي بها للحفاظ على قيمة العمل الحرفي وتخفيض الضرائب على المواد الأولية المستخدمة في الحرف.
مصدر الخبر للمزيد
Facebook
مرتبط