أخبار محلية

التداعيات السلبية للأزمة مُستمرّة.. لبنان من دون دولارات قريباً!

في الواقع تداعيات الأزمة الروسية – الأوكرانية ألقت بظلالها على الإقتصادات العالمية من خلال إرتفاع في أسعار النفط العالمية ومن خلال نقص كبير في المواد الغذائية الأولية وعلى رأسها الحبوب والزيوت. ولعل نسب التضخّم التي بدأت تُسجّلها الإقتصادات العالمية دليل على تأثير أسعار النفط في النموذج الإقتصادي العالمي حيث يدخل النفط في تصنيع، تعليب ونقل أكثر من 95% من السلع والبضائع التي نستهلكها، حتى أن وسائل النقل البشرية تعتمد بشكل شبه حصري على النفط ومشتقاته.
إرتفاع أسعار النفط العالمية التي قاربت الـ 125 دولارا أميركي للبرميل الواحد قبل أن تُعاود الهبوط إلى 110 دولارات أميركي للبرميل، دفعت بأسعار السلع والمواد الغذائية والصناعية إلى الإرتفاع إلى مستويات عالية جدًا أدّت إلى زيادة التضخّم إلى مستويات خطرة على الإقتصادات غير القادرة على إستيعابها! كل السلع والبضائع إرتفعت أسعارها بالدولار الأميركي وهنا الصعوبة الأكبر على البلدان الفقيرة حيث أن حكوماتها غير قادرة على دعم شعبها المتروك لنفسه على مثال ما يحصل في لبنان حيث أن لا كهرباء والمازوت متوافر في السوق السوداء بأسعار خيالية، والحطب أصبح يُنافس المازوت، والأكل أسعاره تلتهب.. كل هذا في ظل إحتكار «ضارب طنابو» تحت أعين الدولة اللبنانية!
التجار عمومًا والسوبرماركات خصوصًا، فرضوا على المستهلك دفع نصف قيمة الفاتورة كاش وهو ما يجعل الأمر شبه مُستحيل على المواطن الذي يتوجّب عليه دفع الفواتير بالكاش مع العلم أنه لا يستطيع الحصول على المبلغ من المصارف عملًا بمبدأ أن التجار لا يُعيدون الكاش إلى المصارف وبالتالي فإن ضخ الليرة في السوق سيؤدّي حكمًا إلى تهاوي الليرة اللبنانية أمام الدولار.
في هذا الوقت، يكتفي المسؤولون بإعلانات رنّانة على وسائل الإعلام من دون أي ترجمة فعلية (على كل الأصعدة من دون إستثناء). فالقمح سيصبح قريبًا مادّة مفقودة في ظل غياب عرض السوق الأوكراني وإستحالة إستيراد القمح الروسي بسبب العقوبات، وفي ظل عمليات الإحتكار والتهريب التي تمارسها العصابات. والمحروقات سُتصبح من نصيب المُقتدرين فقط وهي التي ستُسقط الموازنة وأرقامها نظرًا إلى أن الموازنة تمّ تحضيرها على أساس فرضية سعر برميل النفط بين 72 و81 دولار أميركي للبرميل الواحد، وها هو البرميل اليوم بحدود الـ 110 دولار أميركي، فأين العجز من هذا السعر؟
إنها الفوضى بكل أبعادها، والآتي أعظم! فالمشهد لا يقف عند هذا الحد، إذ أن العقوبات التي طالت القطاع النفطي الروسي ليست إلا جزئية، وبالتالي وبفرضية فرض عقوبات شاملة على القطاع النفطي الروسي من المتوقّع أن يكون هناك نقص في سوق العرض بقيمة 4.5 مليون برميل نفط يوميًا وهو ما سيرفع سعر البرميل إلى أكثر من 200 دولار أميركي! بمعنى أخر كل الإقتصادات ومن دون أيّ إستثناء ستتأثر بشكّلٍ كبير قد يؤدّي إلى أزمة إقتصادية عالمية ستدّفع ثمنها الشعوب الأكثر فقرًا، ومنها لبنان الذي سيشهد نقلة سلبية مُلفتة من ناحية مستوى معيشة مواطنيه مع تردّ كبير في كل الخدمات وحتى عدم القدرة على الحصول على المواد الغذائية!!
وبالتوازي، يُطالعنا أصحاب السلطة بمشاريعهم الإنتخابية التي لن تحّل المشاكل الإقتصادية ولا المعيشية. وبالنظر إلى التصاريح التي تصدر عن الأحزاب والمرشحين، نرى أن نتائج الإنتخابات لن تُغيّر شيئًا في الواقع المعيشي للمواطن لا بل على العكس، فتوزيع موازين القوى سيؤدّي حكمًا إلى إستمرار الصراعات السياسية وبالتالي غياب الحلول الإقتصادية والمعيشية.

لبنان من دون دولارات!
الواقع المرّ الذي يعيشه لبنان وغياب الحلول السياسية والإقتصادية، يجعل لبنان يستهلك كل موجوداته من العملة الخضراء. هذا الأمر يعني أن لبنان يتّجه نحو أكبر كارثة معيشية في تاريخه وقد تكون الأسوأ منذ مجاعة الحرب العالمية الأولى، مع غياب القدرة على الإستيراد نظرًا إلى شحّ الدولار من الأسواق. وهو ما يعني أن اللبناني الذي يأخذ أجره بالليرة اللبنانية ويُحوّله إلى دولار أميركي، سيصل إلى مرحلة لن يكون معها قادرا على الحصول على الدولار نظرًا إلى أن الدولار يذهب إلى الإستيراد بكميّات هائلة!
أيضًا تقوم الدولة اللبنانية بدفع أجور موظفيها والمساعدات الإجتماعية من خلال الحسابات المصرفية وتطلب من المصرف المركزي دفعها إلى المواطن نقدًا وهو ما يعني – في ظل عدم قبول التجار إعادة الكاش إلى المصارف – إستنزاف الدولارات الباقية في الأسواق لصالح بعض التجار الذين يُهرّبون أموالهم إلى الخارج من دون أي رقابة من قبل السلطة، أو ضخ ليرة لبنانية في السوق وهو ما سيؤدّي حكمًا إلى تدهور سعر الصرف إلى مستويات جنونية.
المُعالجة الحكومية غائبة بكل ما للكلمة من معنى والأيام والأسابيع المُقبلة ستكون حكمًا أكثر قساوة على المواطن الذي سيُعاني الأمرّين إذا لم تقم الحكومة بتوقيع إتفاق مع صندوق النقد الدولي كفيل بإدخال الدولارات إلى الإقتصاد اللبناني. فهل تتأثر قرارات الناخبين في الإستحقاق النيابي المُقبل، أم أنها ستُرسّخ واقعًا نعيشه منذ فترة طويلة؟ الأسابيع القادمة كفيلة بالردّ على هذا السؤال.

جاسم عجاقة – الديار


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى