آخر الأخبارأخبار دولية

ماغوليف بودولسكي جسر “الفراق” المؤدي لمولدافيا والفاصل بين الحياة والموت

نشرت في: 07/03/2022 – 19:32

يعتبر جسر ماغوليف بودولسكي المعبر الوحيد الذي يفصل بين أوكرانيا ومولدافيا وأصبح يشكل فاصلا بين الحياة والموت بالنسبة للأوكرانيين بسبب الوضع المأساوي نتيجة الحرب الدائرة في بلادهم، حيث يستقبل يوميا مئات أو ربما آلاف العائلات التي تفر من القصف الروسي المتواصل. جسر “الفراق” كما أصبح يوصف من قبل المغادرين تحول إلى أحد الشهود على المعاناة التي يتعرض لها الأوكرانيون الذين اختاروا الرحيل إلى المجهول هربا من الموت.

التفتت الشابة أناستازيا للمرة الأخيرة إلى ورائها وهي تعبر جسر ماغوليف بودولسكي الفاصل بين أوكرانيا ومولدافيا والذي لا يتجاوز طوله 100 متر. فدمعت عيونها وقالت: “أشعر بحزن عميق وبألم لا يوصف لأن زوجي بقي في أوكرانيا وابنتي الصغيرة ربما لن ترى جدها بعد هذا اليوم. كتب علينا الفراق والرحيل، لكن لا أدري إلى أين سنرحل. حياتنا رعب. لا أستطيع أن أعبّر أكثر أمام الكاميرا بسبب المشاعر التي تغمرني”.

وأضافت وهي تحاول أن تطمئن ابنتها التي كانت هي الأخرى تجهش بالبكاء بعدما تركت أبيها في الجهة المقابلة للجسر: “على العالم أن يدرك أن ما يحدث في أوكرانيا هي حرب وليست عملية عسكرية كما يدعي البعض. لا هي حرب حقيقية”.

منذ بدء التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا، طغى حزن الفراق على مدينة ماغوليف بودولسكي الحدودية وتغيرت الحياة فيها فجأة بسبب التدفق الكثيف للعائلات الأوكرانية التي تحاول العبور إلى مولدافيا المجاورة عبر الجسر الفاصل بين البلدين والذي أصبح يوصف من قبل بعض المغادرين بـ”جسر الفراق والحزن”.

“بوتين هو الذي أراد أن نعيش هكذا”

هذه الحركة تسببت في ازدحام مروري خانق يمتد على حوالي 20 كيلومترا. مئات السيارات تصطف الواحدة تلوى الأخرى وبداخلها عائلات تنتظر دورها للعبور مشيا على الأقدام حاملة أمتعتها الشخصية.

نظرة عامة على الجسر الذي يفصل بين أوكرانيا ومولدافيا والذي يشهد على معاناة آلاف العائلات الأوكرانية التي تفر من الحرب الروسية. 4 مارس/ آذار 2022 © طاهر هاني/ فرانس24

فيما تقوم عناصر الجيش الأوكراني، الذي عزز تواجده على مستوى المعبر، بمراقبة حركة العبور من جهة إلى أخرى لمنع الرجال الذين تتراوح أعمارهم ما بين 16 و60 عاما من مغادرة البلاد كونهم قد يرسلون إلى جبهات القتال للدفاع عن بلادهم.

ولم تتوقف إلينا عن معانقة زوجها فيكتور الذي سيلتحق بالجيش الأوكراني قريبا، “لأنني لا أعلم هل سأراه مرة ثانية عندما أعود من المنفى أم لا. لا أدري هل سيبقى على قيد الحياة أم سيلتحق بالأوكرانيين الذين ضحوا بأنفسهم من أجل بلدنا وحريتنا”.

ورافق فيكتور زوجته إلى غاية البوابة التي يتواجد فيها حرس الحدود الذين يقومون بتدقيق الجوازات ثم عاد وهو يشاهدها وهي تعبر الجسر. وقال لفرانس24 وعلامات الحزن على وجهه: “بوتين هو الذي أراد أن نعيش هكذا. أن تعيش العائلات الفراق والحزن وأن يقطع المسنين مشيا عشرات الكيلومترات من أجل الهرب من القصف. ماذا فعل الشعب الأوكراني لكي يحصد هذه المعاناة وهذا الابتلاء؟ لا شيء. لهذا السبب سأقاوم إلى آخر قطرة من دمي كوننا لسنا المعتدين بل بوتين هو الذي اعتدى علينا”.

“مستقبل أوكرانيا سيكون ساطعا كالشمس وجميلا رغم الحرب”

من جهتها، تتابع سيلفيانا رحيل النساء والأطفال والمسنين بنوع من الغضب. فيما تحاول أن تخفف من معاناتهم سواء بالكلمة الطيبة أو عبر تقديم وجبات طعام أو فواكه لهم قبل أن يعبروا جسر ماغوليف بودولسكي. سيفتلنا هي عضو في الكنيسة السبتية، تطوعت لمساعدة اللاجئين، لأن “قلوبهم صافية ونقية مثل قلوب جميع الأوكرانيين الذين يشكلون أمة واحدة”.

سيلفيانا عضو في الكنيسة السبتية الأوكرانية تقدم وجبات غذائية ومشروبات ساخنة للعائلات التي في صدد العبور إلى الجهة المقابلة. تتابع المشهد بحزن وأسى كما قالت لفرانس24، 4 مارس/آذار 2022

سيلفيانا عضو في الكنيسة السبتية الأوكرانية تقدم وجبات غذائية ومشروبات ساخنة للعائلات التي في صدد العبور إلى الجهة المقابلة. تتابع المشهد بحزن وأسى كما قالت لفرانس24، 4 مارس/آذار 2022 © طاهر هاني/ فرانس24

وقالت لفرانس24: “أشعر بالغضب وأنا أشاهد النساء والأطفال الصغار يغادرون بلادنا ويتركون وراءهم آباءهم كونهم لا يستطيعون الذهاب معهم لأسباب تتعلق بالحرب. لا أدري ماذا أستطيع فعله لكي أساعدهم وأخفف عنهم. هناك إله واحد، وهو الوحيد الذي يستطيع أن يقدم لهم يد العون”.

وفي سؤال لماذا لا تغادرين أنت أيضا أوكرانيا، أجابت: “لأنني أنتمي إلى لجان المقاومة الشعبية من جهة وجميع أفراد عائلتي وأولادي وأمي بقيوا في أوكرانيا، من جهة أخرى. لا نملك مكانا آخر للذهاب إليه. لذا يجب أن أبقى معهم هنا رغم المخاطر التي تحدق بنا”.

أما الشابة تاتيانا، فلم “يترك لها بوتين الخيار أن تبقى في أوكرانيا وبالتحديد في مدينة خاركيف التي “تهاطلت علينا القنابل ونحن بداخلها” كما شرحت لفرانس24 وهي واقفة على رصيف المغادرة إلى مولدافيا رفقة ابنتها.

تاتيانا وابنتها هربتا من مدينة خاركيف التي تتعرض إلى قصف روسي شديد. تخطط للذهاب إلى رومانيا ثم إلى تركيا حيث يعيش هناك أخو زوجها الذي بقي في أوكرانيا. 4 مارس/آذار 2022

تاتيانا وابنتها هربتا من مدينة خاركيف التي تتعرض إلى قصف روسي شديد. تخطط للذهاب إلى رومانيا ثم إلى تركيا حيث يعيش هناك أخو زوجها الذي بقي في أوكرانيا. 4 مارس/آذار 2022 © طاهر هاني/ فرانس24

ولا تعلم تاتيانا أين سينتهي بها السفر في نهاية المطاف. وقالت: “سأعبر الجسر رفقة ابنتي إلى مولدافيا ثم بعد ذلك إلى رومانيا وإلى تركيا حيث يعيش أخو زوجي هناك”. لكن رغم المعاناة وخطر الحرب، تعتقد تاتيانا أن مستقبل أوكرانيا سيكون “ساطعا كالشمس وجميلا”، مشيرة أنها “لن تستقر كثيرا في المهجر بل ستعود في أقرب وقت ممكن إلى أوكرانيا لكي تشارك في إنقاذ بلدها من الدمار”.

تحول جسر ماغوليف بودولسكي إلى مكان للبكاء والنواح. وغالبا ما تتوقف العائلات التي تعبره في الوسط لتلقي نظرة أخيرة على الذين بقيوا في أوكرانيا. فيما يقوم الأطفال بالتلويح بأياديهم لآبائهم تعبيرا عن حزنهم بتركهم خلفهم.

جسر يفصل بين الموت والحياة وبين الحرب والسلم

ورفضت السيدة إلينا الالتفاف إلى ورائها عندما عبرت جسر “الفراق”، لأنه لم تكن تملك “الجرأة الكافية لإلقاء نظرة أخيرة على ابنها الذي سيلتحق بجبهة قتالية في مدينة أوديسا”. وقالت لفرانس24: “لا يوجد أصعب من الفراق في هذه الدنيا وخصوصا عندما تترك أفراد من عائلتك خلفك. أشعر بحزن عميق وأبكي بصمت لكن رغم ذلك فضلت إخفاء معاناتي لكي لا يراها ابني. ربما تصرفي بهذا الشكل سيمنح له القوة والشهامة الكافيتين لكي يحافظ على نفسه ويبقى على قيد الحياة. أريد رؤيته مجددا عندما تنتهي الحرب”.

عائلة أوكرانية وصلت إلى مولدافيا بعد أن عبرت الجسر. لكن لم يأت أحد لاستقبالها في الجهة المقابلة. فهي تبحث عن سيارة أجرة تأخذها إلى أقرب مدينة للاستقرار هناك. 4 مارس/آذار 2022

عائلة أوكرانية وصلت إلى مولدافيا بعد أن عبرت الجسر. لكن لم يأت أحد لاستقبالها في الجهة المقابلة. فهي تبحث عن سيارة أجرة تأخذها إلى أقرب مدينة للاستقرار هناك. 4 مارس/آذار 2022 © طاهر هاني/ فرانس24

منذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية، لم يتوقف زحف العائلات الأوكرانية إلى مولدافيا. جسر ماغوليف بودولسكي، الذي كان في السابق هادئا ولا يستقبل عددا كبيرا من الأوكرانيين، تحول بين عشية وضحاها إلى جسر يفصل بين الموت والحياة وبين الحرب والسلم.

مئات السيارات وآلاف العائلات تعبر هذا الجسر منذ 10 أيام يوميا باتجاه مولدافيا المجاورة حيث تستقبلهم جمعيات إنسانية وطبية وتقدم لهم وجبات الطعام والقهوة والكعك للأطفال الصغار. لكن رغم الاستقبال اللطيف والحار، فهذا لم يمنع الغصة التي تشعر بها هذه العائلات والحزن والألم. بعضها قررت الاستقرار بصحبة أسر مولدوفية إلى غاية نهاية الحرب، أما البعض الآخر قرر مواصلة الطريق حتى رومانيا ومن ثم إلى إحدى دول أوروبا الغربية. فيما أحصت الأمم المتحدة أكثر من مليون أوكراني غادر بلاده، غالبيتهم مروا عبر المعبر الحدودي مع بولندا.

 

طاهر هاني موفد فرانس24 إلى أوكرانيا


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى