قاضٍ “رحيم” في الشمال يُنصف أشخاصاً بقضية مازوت.. هذه قصّتهم!
حين تتماهى الإنسانية مع العدالة، قد نحظى بأحكام يمكن توصيفها بـ”الرحيمة”، والأمثلة كثيرة عن أحكام صادرة عن قضاة يرتكزون في قراراتهم على قاعدة أن” العدل أساس الملك، ومخافة الله هي أساس العدل”.
القاضي لدى دائرة التحقيق في الشمال داني الزعني هو واحد من هؤلاء القضاة القلائل الذين يتابعون ملفاتهم القضائية بمهنية عالية تتقاطع مع المنحى الإنساني الذي يفنّد الحدث وما وراءه.
مناسبة الحديث هو صدور قرار ظني عنه في حادثة الإستيلاء على صهاريج محملة بمادة المازوت في عكار وتغيير مسارها ومصادرة محتوياتها من دون إغفال دفع ثمنها، ما يدحض توصيف الحادثة بعبارة “مصادرة”.
ففي تفاصيل القرار أن القاضي الزعني أورد في متن قراره أن مجموعة من الأشخاص في محلة الحصنية- عكار أقدموا على الإستيلاء على صهاريج محملة بمادة المازوت كانت في طريقها الى قرى مجاورة لموقع الحادثة ومصادرة محتوياتها بعد تسديد ثمنها للسائقين على سعر الصرف الرسمي، وذلك في مطلع أيلول الماضي بهدف إستخدام المادة المصادرة في تشغيل المولدات المحلية المتصلة بالمحال التجارية والأفران والمستوصفات والمنازل في ثلاث قرى عكارية تعاني إنقطاعاً متواصلاً للتيار الكهربائي.
وخلافاً لمطالعة النيابة العامة الإستئنافية في الشمال، قرر القاضي الزعني منع المحاكمة عن المدعى عليهم وعددهم عشرة بجناية المادة 638 من قانون العقوبات والظنّ بهم بمقتضى جنحة المادة 636 معطوفة على المادة 257 من قانون العقوبات.
وكانت النيابة العامة الإستئنافية في الشمال قد طلبت إعتبار أفعال المدعى عليهم من نوع جنايات المادة 638/ عقوبات لأنهم أقدموا بالعنف على الإستيلاء على صهاريج محملة بمادة المازوت.
والمدعى عليهم هم: وائل.ج، مصطفى.س، هلال.ب، بلال.ب، سمير.ح، وليد.ح، رشيد.ح، عمار.ع، خالد.ج وجمال.ح، وقد جرى توقيفهم مدة شهر ونصف الشهر من تاريخ الحادثة على ذمة التحقيق، ثم تمت تخلية سبيلهم بناءً على طلبات تقدم بها وكيلهم القانوني المحامي محمد العيتاوي بوكالته عن المدعى عليهم العشرة. والحادثة تمثلت بالإستيلاء على عدة صهاريج محمّلة بمادة المازوت ومرافقتها لإفراغها داخل خزانات إشتراك المولدات، العائدة بعضاً منها لأربعة من المدعى عليهم، كما إن تلك العمليات إزدادت عندما إشتدت أزمة المحروقات، فأصبح هؤلاء يوقفون عدداً أكبر من الصهاريج المتوجهة نحوهم ليتم توزيعها على المولّدات العائدة اليهم، فيما قام عدد منهم بمؤازرة أصحاب المولدات في إعتراض سائقي الصهاريج، علماً أنهم كانوا يسدّدون ثمن المازوت على سعر الصرف الرسمي، كما كانوا يدفعون لكل سائق صهريج مبلغ مليون ليرة لبنانية عند إفراغ كل شحنة.
وخلال التحقيق الأولي، علّل المدعى عليهم ما قاموا به بعدم توزيع مادة المازوت مناصفةً على القرى، ما أبقاهم أياماً عدة من دون كهرباء بسبب عدم توافر المادة للمولدات المحلية، في الوقت الذي كانت توزع فيه على قرى مجاورة أخرى، ما دفعهم الى إعتراض بعض الصهاريج لسدّ حاجات المولدات في المنطقة.
القاضي الزعني إعتبر في قراره أن أفعال المدعى عليهم المتمثلة بإقدامهم على الإستيلاء عنوة على مادة المازوت من صهاريج تم إعتراضها بفعل التهديد، تؤلف عناصر الجنحة المنصوص والمعاقب عليها بموجب المادة 636/ عقوبات، والتي يقتضي تشديدها بموجب المادة 257 من القانون نفسه، ولو أنهم كانوا يسدّدون ثمنها على سعر الصرف الرسمي، إذ ان فعل تسديد الثمن بذاته يزيل الضرر المادي ولا يؤثر على توافر العناصر المادية والمعنوية للجرم المرتكب، لا سيما أن هؤلاء لم يستولوا على سيارة أو مركبة برية ذات محرك، كون أن الصهاريج كانت تعود الى مالكيها بعد تفريغها، كما أن فعل الإستيلاء المشكو منه لم يرتكبه أي شخص مقنع أو مسلح ظاهراً أو خفياً، والدليل أن الدعوى العامة تحركت بوجه كل من شارك في إعتراض الصهاريج، فضلاً عن أن السرقة حصلت بفعل إعتراض طريق هؤلاء من دون إستعمال العنف على سائقي الصهاريج، لا بل أن هؤلاء كانوا يتقاضون مبلغ مليون ليرة لبنانية بعد تفريغ كل شحنة للمادة المحررة.
وبناءً على ما تقدّم، قرر القاضي الزعني الظنّ بالمدعى عليهم، طالباً إيجاب محاكمتهم أمام القاضي المنفرد الجزائي في حلبا، وتدريكهم الرسوم والنفقات القانونية كافة.
مصدر الخبر
للمزيد Facebook