آخر الأخبارأخبار دولية

لاجئو أوكرانيا في رومانيا.. حقائب سفر ومخاوف وآمال معلقة

قرية سيريت الرومانية الحدودية مع أوكرانيا تحولت إلى شاهد على مآسي الحرب الدائرة في البلد الجار. عشرات الآلاف عبروا المعبر الحدودي البسيط، الذي قبل أيام معدودة لم يكن ليذكره أحد، حتى من سكان المنطقة. اللاجئون الأوكرانيون عبروا الحدود يجرون وراءهم حقائب سفر، ويحملون فوق رؤوسهم أسئلة العودة والبدء من جديد.

لم يخيل لسكان بلدة سيريت الحدودية أنهم سيشهدون على تدفق هذا العدد من الأشخاص عبر المعبر الحدودي مع أوكرانيا. البلدة التي تعد ثمانية آلاف نسمة، ويعتمد اقتصادها بمعظمه على أنشطة زراعية، استفاقت في الـ24 من شباط \ فبراير الماضي على واقع جديد كليا.

عند النقطة الحدودية، اصطف رجال شرطة وأفراد من حرس الحدود يحاولون توجيه السيارات القادمة، “يمكنكم أن تركنوا في تلك الباحة الخلفية” مشيرا بيده إلى بقعة بجانب مبنى لحرس الحدود، “الصحفيون يركنون سياراتهم هناك”.

للمزيد>>> أكثر من 500 ألف أوكراني هرب إلى خارج البلاد.. كيف تستجيب الدول المجاورة؟

لم يمض وقت طويل قبل أن نشعر بأننا في وسط الأزمة، المئات يصلون سيرا على الأقدام من الجهة الأوكرانية، معظمهم نساء وأطفال، يجرون وراءهم حقائب السفر الملونة. أطفال يرتجفون من البرد وأمهات يحاولن احتضان صغارهن بشكل معاكس للرياح لينعموا ببعض الدفء.

يقف بعض اللاجئين الواصلين حديثا في وسط الطريق يحاولون اقتفاء أثر قريب في مكان ما في أوروبا، 03 آذار \ مارس 2022. مهاجر نيوز \ شريف بيبي

على جانبي الطريق، نصب صف من الخيام التابعة للمنظمات الإنسانية، جلها يحتوي على مواد غذائية مخصصة لإسعاف اللاجئين القادمين عبر الحدود. متطوعون بالعشرات، منهم من يساعد العائلات ويهتمون بالمرضى، وآخرون يحملون أكواب الشاي الساخن ليوزعوها على اللاجئين. الجو العام بدا وكأن قفير نحل يعمل بلا هوادة، على الرغم من الحرارة المتدنية لدرجات ما دون الصفر، والثلج الذي لم يتوقف عن التساقط.

ساحة معاناة

خلال الوقوف هناك، لن تسلم من سيل البشر المتحرك بكل الاتجاهات، أكياس وعلب كرتون وحقائب سفر، وكأنك في مطار مفتوح على الهواء الطلق، سوى أن الحقائب تلك ليست معدة للسفر أو للعمل أو للاستجمام، تلك الحقائب تحمل حياة عائلات بأكملها جمعت كل ما يعنيها فيها وانطلقت هاربة من آلة القتل التي تفتك ببلادها. 

سورين، هو مهندس مدني متطوع مع إحدى المنظمات الإنسانية المحلية في سيريت، قال لمهاجر نيوز إن “مشهد اللاجئين دفعني لأترك كل شيء وآتي إلى هنا، أحسست بضرورة القيام بواجب معين، لم أكن أعرف ما هو، لكني أدركته مع أول كلمة شكرا نلتها من عجوز أوكرانية”.

يمسح دمعة صغيرة اختلطت ببضع رقاقات ثلج استقرت على خده، “هذا ليس عدلا، نحن في القرن الـ21 والحروب بين الشعوب لم تعد مقبولة”.

“أي منا لم يصدق أن تندلع الحرب هكذا”

في مكان غير بعيد، وقف بهاء حاملا كوبا من الحساء الساخن. بهاء مصري مقيم في أوكرانيا منذ 12 عاما، قال لمهاجر نيوز “تمكنت من الهرب من كييف بصعوبة، الرحلة كانت طويلة إلى أن وصلت إلى رومانيا، ولم تخل من المنغصات والإساءات التي تحملتها من بعض رجال الشرطة الأوكرانيين”.

بهاء، مهاجر مصري في كييف منذ 12 عاما، فر مؤخرا باتجاه رومانيا بحثا عن السلام، 03 آذار \ مارس 2022. مهاجر نيوز \ شريف بيبي
بهاء، مهاجر مصري في كييف منذ 12 عاما، فر مؤخرا باتجاه رومانيا بحثا عن السلام، 03 آذار \ مارس 2022. مهاجر نيوز \ شريف بيبي

تحدث بهاء عن كرم الرومانيين وحسهم الإنساني العالي، “بمجرد عبورك الحدود تجد هذا الكم من المتطوعين والمنظمات الإنسانية، الجميع يريد المساعدة، وهذا شيء رائع أن نجد هذا الكم من التضامن، ما قد يعوضنا قليلا عما خسرناه في أوكرانيا”. 

للمزيد>>> مهاجرون عرب يروون معاناتهم في أوكرانيا من المعارك العسكرية والممارسات العنصرية

الكثير من اللاجئين بعد عبورهم الحدود، كانوا يقفون في منتصف الطريق متسمرين، مشدوهين، تبدو عليهم علامات عدم التصديق. هذا كان حال إليزا وابنتها إيرينا. إليزا كانت موظفة مصرف في مدينة ماريوبول شرق أوكرانيا، وتركت مدينتها مع بدء المعارك، لتتنقل في عدة مدن أوكرانية. أما ابنتها المراهقة، فتذكر أنه مع بدء المعارك وانطلاق صافرات الإنذار، لم يعنها الأمر في البداية فقد كانت تحضر حصة بيانو مع معلمتها، “معلمتي لم تصدق، أي منا لم يصدق أن تندلع الحرب هكذا. عشنا لحظات سريالية قبل أن ندرك الواقع ونهرب”.

النساء ووزر الحرب

بالنسبة لجورجيا، ربة المنزل ووالدة ثلاثة أطفال، فإن مشقات الحروب تتخطى القتال والمعارك. المرأة الثلاثينية وصلت منهكة إلى سيريت مع أطفالها الثلاث، تحمل أصغرهم ويبلغ من العمر سبعة أشهر. جورجيا قالت لمهاجر نيوز إن زوجها أوصلها إلى الحدود وعاد إلى أوكرانيا، فهو ضمن الفئة العمرية التي تمنعها السلطات من المغادرة حاليا (قررت السلطات الأوكرانية منع الرجال بين 18 و60 عاما من مغادرة البلاد للبقاء والقتال، إلا من لديهم ظروف خاصة).

وأوردت “طبعا من يتحمل وزر الحرب والتشرد هن النساء، دائما، نحن علينا أن نهتم بالأولاد وأن نفكر بطرق الهرب، هم يختلقون الحروب” (في إشارة إلى الرجال). بعد أن هدأت أضافت “طبعا أتمنى السلامة لزوجي وللجميع، لكن يجب أن يتوقف هذا الجنون، يجب أن نعود إلى منازلنا”.

 أربعة ملايين لاجئ!

يمكن النظر إلى ضخامة حجم الأزمة الإنسانية في أوكرانيا ذات الـ44.3 مليون نسمة، بمدى سرعة تغير أرقام اللاجئين. فمع بداية الحرب، كان هناك حديث عن عشرات الآلاف من اللاجئين المحتملين، بعد أيام قليلة فقط وصل العدد إلى مئات الآلاف، لتعود المفوضية العليا لشؤون اللاجئين لتقول يوم الأربعاء الثاني من آذار \ مارس، إن مليون شخص فروا بالفعل، أكثر من 51 ألفا منهم وصلوا إلى رومانيا، وأن ما يصل إلى أربعة ملايين شخص يمكن أن يتبعونهم خلال الأسابيع والأشهر المقبلة.

حقائب اللاجئين، تاريخهم ومستقبلهم، 03 آذار مارس 2022. مهاجر نيوز \ شريف بيبي
حقائب اللاجئين، تاريخهم ومستقبلهم، 03 آذار مارس 2022. مهاجر نيوز \ شريف بيبي

هذا الأمر يمكن متابعته ميدانيا من خلال المعابر الحدودية التي تشترك بها رومانيا مع جيرانها. ففي سيريت على سبيل المثال، نصبت السلطات الرومانية 16 خيمة طوارئ جديدة لاستيعاب المزيد من اللاجئين، ما يوحي بتوقعات بارتفاع كبير في أعدادهم خلال الساعات والأيام القادمة.

وتعليقا على ذلك قال سورين “لا أعتقد أن الأعداد المسجلة حتى الآن وصلت إلى نفس مستوى أعداد اللاجئين اثر حرب البلقان، لكن إذا استمرت الأمور على هذا النحو، أعتقد أن الأرقام ستكون أكبر”.

وكانت أقرب سابقة مشابهة شهدتها القارة الأوروبية تعود الى عام 1999، عندما عبر ما يقرب ال 800 ألف لاجئ الحدود إلى ألبانيا ومقدونيا الشمالية عندما بدأ الناتو بقصف يوغوسلافيا.


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى