أمران مزعجان لـ”حزب الله” بقوّة.. ومنطقة واحدة قد “تقلب المعادلة” ضدّه
لم يكن خطاب الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله يوم أمس سياسياً بدرجة عاديّة، إذ تضمّن رسائل في أكثر من اتجاه ورسم ملامح التحرّك الذي ينوي “حزب الله” طبعه بقوّة خلال المرحلة المُقبلة.
بشكل واضح، كان نصرالله مصمماً على إطلاق “معركة الانتخابات” على كافة المستويات، واضعاً عوائق أمام بعض الحلفاء الذين يستخدمون عبارات “تطيير الانتخابات” بسببِ ذرائع عديدة. هنا، يكونُ “حزب الله” قد تركَ الأمورَ مفتوحة أمام مواجهاتٍ سياسيّة ضارية في مختلف الدوائر الانتخابية، وعلى ما يبدو أن القرار اتخذ لشنّ “حرب من أجل البقاء” في حين أنّ لغة التصعيد الانتخابية ستظهرُ جلياً خلال المرحلة المقبلة.
على ماذا سيُركّز “حزب الله” هذه المرّة؟
يوم أمس، ثّبت نصرالله شعار “حزب الله” الانتخابي “باقون نحمي ونبني”، على الرّغم من أن هناك الكثير من التساؤلات التي تطرح نفسها بشأن مضمون هذا الشعار الذي أطلق جزء أساسي منه خلال الانتخابات السابقة، إذ كان حينها “نحمي ونبني”.
بالنّسبة للحزب، فإنّ التوجّه خلال “التعبئة الانتخابية” سيتركز على عناوين عريضة أولها: التحذير مما يعتبرها “هجمة أميركية” عليه وعلى لبنان، التأكيد على أساس وجود “المقاومة” وسط المشاريع الاسرائيلية والأميركية لانتقاص حصّة لبنان من الموارد النفطية، تثبيت المعادلة الأساسية التي تضمن للمقاومة “بقاءها” رغم المحاولات التي يراها الحزب قائمة على استهدافها بأيّ شكل. وهنا، فإنّ الرهان على ذلك يرتبطُ بمحورٍ أكبر، إذ يرى “حزب الله” أن الأوضاع في المنطقة الإقليمية ذاهبةٌ باتجاه “تعزيز الدور الإيراني” خصوصاً مع محادثات فيينا.
في الواقع، فإنّ كل هذه الشعارات التي يستخدمها الحزب ليست وليدة الساعة، أي أنها ليست جديدة، وما يحصل هو أنه يتم توليفها باستمرار لتتماشى مع الواقع القائم. وبشكل وثيق، فإنّ معركة الحزب اليوم الداخليّة هي أقوى بكثيرٍ من أي معركة خارجيّة، علماً أن الأخيرة غير قائمة الآن.. ففي سوريا الأوضاعُ لصالح “محور المُمانعة” في حين أن الوضع على الحدود مع فلسطين المحتلة “مضبوطٌ” ولا قرارَ أبداً بشنّ أي حرب، وما التحركات التي تحصلُ بين الحين والآخر سوى تأكيدٍ على أن “المقاومة” تطوّر قدراتها باستمرار وذلك لضمان امساكها بأساسيات “قواعد الاشتباك”، بحسب وجهة نظر الحزب. ووسط كل ذلك، فإنّ الموقف “التصعيدي” الأخير للحزب بشأن ترسيم الحدود يعدّ “مناورة” و “شدّ عصب” انتخابي، وقد لا يُترجم عملياً وواقعياً على طاولة المفاوضات، وفق ما ترى مصادر سياسيّة متابعة.
على المستوى الداخلي، سيكون عملُ “حزب الله” كبيراً جداً، وسيركز هذه المرة على تسوية الأرضية في بيئته الحاضنة، إذ تبين أنها تعرّضت لبعض “التزعزع” خلال السنوات الأخيرة. ورغم هذا، فإنّ الأمر الثابت بالنسبة للحزب خلال هذه الانتخابات هو خوضُ معركةٍ واحدة مع حركة “أمل” وذلك لمنع أي خروقاتٍ لمرشحين من الطائفة الشيعية من الجبهات المعارضة، بمعنى أن الحركة والحزب سيسعيان للحفاظ على كتلة 27 نائباً لهما مهما كلّف الأمر. وبشكل فعلي، فإنه في حال تعرضت هذه الكتلة لأي خرق، فإن هناك مخاوف من قيام جهات سياسية أخرى مثل حزب “القوات اللبنانية” بتشكيل حيثية نيابية للمرشح الشيعي الذي استطاع الخرق، وقد يكون ذلك عبر ضم نواب آخرين إليه لتشكيل كتلة. وإنطلاقاً من هذا الأمر، فإن هذه الكتلة قد تقلب المعادلات في مجلس النواب في حين أنها قد تصل بها الأمور للمطالبة بوزير في أي حكومة.
وعملياً، فإن الحركات الاعتراضية التي برزت داخل الطائفة الشيعيّة على مدى العامين الماضيين والتي تتعاضد في ما بينها لإحادث خرقٍ نيابي عبر تكتلات انتخابية مختلفة، كانت كفيلة بتدارك الحزبِ لوجود خطر داهمٍ يضرب عقر داره. ولهذا، وسّع الأخير تحركه ليكون على نطاق كبير، إذ يسعى حالياً لتطويق مختلف الدوائر بمرشحين “يصعُب” خرقهم، وهذا الأمرُ متفق عليه مع حركة “أمل” بالدرجة الأولى.
مع كل هذا المشهد، بدا واضحاً أن نواباً مثلوا الحزب خلال السنوات الـ4 الماضية، باتوا الآن بعيدين عن المزاج الشعبي. وهذا الأمرُ لا يمكن لـ”حزب الله” التغاضي عنه أبداً، خصوصاً أن الإشكالية باتت تبرزُ لدى العشائر المحسوبة عليه، الأمر الذي يشكلُ خطراً كبيراً على التوجّه العام ضمن الطائفة الشيعية. فعلى سبيل المثال، تكشف المعطيات الحالية أنّ الأجواء الشعبية في دائرة بعلبك – الهرمل ليست على ما يُرام، خصوصاً أن هناك أجواء “عشائرية” ممتعضة من نوابٍ يتبعون الحزب.
في ما خصّ هذه الدائرة المهمة، فإنّ المعركة فيها “حامية” ويسعى “حزب الله” لضمان عدم حصول أيّ خروقاتٍ انتخابية فيها وسط سعي حزب “القوات اللبنانية” لذلك وضمان رافعة لمرشحه أنطوان حبشي ضمنها.
وتذكيراً، فإن دائرة بعلبك – الهرمل كادت تكسر “حزب الله” لو تم تقسيمها إلى دائرتين صغيرتين قبل 4 سنوات، أي أن الهرمل تصبح دائرة صغرى بمفردها وكذلك بعلبك. وأمام هذا الامر، كان “حزب الله” سيكون أمام خطر خسارةٍ كبيرة، إذ يمكن لعشائر صغيرة ضمن أي دائرة من هاتين الدائرتين الاجتماع والالتفاف والحصول على نائبٍ لا يمثل التوجه الخاص للحزب. ولهذا السبب، عارض الأخير تقسيم بعلبك – الهرمل إلى دائرتين في الانتخابات الماضية، وذلك لضمان السيطرة على المشهد الانتخابي وعدم حدوث أي تزعزع في بنيته الشعبية والنيابية والانتخابيّة هناك.
كذلك، فإنّ هناك حركة شعبيّة ضمن تلك الدائرة المفصلية تطالب بوجوه جديدة من جهة، وبتنفيذ الوعود المختلفة من جهة أخرى، وهنا بيت القصيد.. واليوم، فإنّ “حزب الله” سيكونُ أمام معركة أساسية سيخوضها وعليه الالتزام بها أمام ناسه بعدما وعدهم بها سابقاً، مثل “إقرار قانون العفو العام”. إلى جانب هذا، يبقى الحزبُ مطالباً باستمرار بتنفيذ مشاريع انمائيّة ثابتة وراسخة تقدّم مردوداً مستمراً للمناطق، لا أن تكون مرحلية وفي أوقات الأزمات فقط. مع هذا، فإنّ مسار الحزب داخل الدولة بات يحتاجُ إلى تعزيز بالنسبة لجمهوره، لاسيما عندما يتعلق الأمر بمكافحة الفساد في الإدارات العامّة. وعملياً، كل ذلك يحتاجُ إلى خطة واضحة، وستكون السنوات الـ4 القادمة حافلة بالملفات المتراكمة أمام الحزب، إذ سيكون السعيُ أولاً لتنفيذ وعوده وثانياً للحفاظ على وجوده، ما يعني معركة مصيرية على كافة الأصعدة.
مصدر الخبر
للمزيد Facebook