جنبلاط: التحجيم السياسي من بوابة الانتخابات
اليوم، يواجه الزعيم الدرزي وليد جنبلاط خطرا يمكن القول إنه «خطر وجودي» أيضا ولكن من نوع آخر، في السياسة وليس على الأرض، حيث يستشعر جنبلاط أن هناك خطة تعد بإحكام لتطويقه في الانتخابات والدفع باتجاه خفض كتلته النيابية كمقدمة إلى تحجيمه سياسيا وتهميش دوره الذي كان دور المرجح و«بيضة القبان» وفقده منذ زمن.
جنبلاط في فترة الـ 15 سنة الواقعة بين اتفاق الطائف وعام 2005، كان بلغ «الذروة» وأخذ حجما نيابيا وسياسيا فاق «حجمه الواقعي» مع وصول كتلته إلى 18 نائبا، لتبدأ بالانخفاض في الـ 15 سنة الواقعة بين 2005 و2020. وفي آخر انتخابات عام 2018 بلغت 9 نواب، وفي انتخابات 2022 يمكن أن ينزل هذا الرقم إلى النصف أو أكثر قليلا.
وأكثر ما يقلق جنبلاط ويستفزه هو نقل المعركة إلى داخل «البيت الدرزي» والدخول في مرحلة اقتطاع مقاعد درزية راسخة له، بعدما جرى في مراحل سابقة وبشكل متدرج اقتطاع الكثير من المقاعد المسيحية.. فكيف إذا لم يعد جنبلاط يحوز إلا على نصف المقاعد الدرزية، وربما على أقل من ذلك؟!
في مجلس الـ 128 مقعدا، يقتصر التمثيل الدرزي على 8 مقاعد موزعة بين: الشوف (2) وعاليه (2) ومقعد واحد في كل من بيروت وبعبدا وحاصبيا والبقاع الغربي. ويخوض جنبلاط في الانتخابات المقبلة معارك على كل الجبهات، ويواجه تحديات في كل الدوائر تقريبا:
٭ في الشوف، التحدي يكمن في الاحتفاظ بالمقعد الدرزي الثاني الذي يشغله النائب (المستقيل) مروان حمادة ويتطلع إليه وئام وهاب بعدما كاد يحصل عليه في العام 2018 لولا مسايرة الثنائي الشيعي لجنبلاط برغبة من بري.
٭ في بيروت، سيكون من الصعب على جنبلاط الاحتفاظ بالمقعد الذي يشغله النائب فيصل الصايغ، وبعدما بات في حكم المؤكد أن الوزير السابق صالح الغريب سيترشح في هذه الدائرة وعلى لائحة الثنائي الشيعي. وإذا قرر جنبلاط الرد على ذلك بإقفال لائحته في «عاليه» وعدم ترك المقعد الدرزي الثاني شاغرا لإرسلان، فإن فوزه بهذا المقعد ليس محسوما ومؤكدا.
٭ في حاصبيا، المقعد الذي «صادره» الرئيس بري على امتداد 30 عاما وشغله النائب أنور الخليل، سيئول إلى مروان خير الدين الذي سيكون في عداد كتلة بري، وإن طغت عليه صفة النائب المستقل وكان لإرسلان فيه «حصة وأسهم».
٭ في البقاع الغربي، يواجه وائل أبوفاعور تهديدا جديا، وهناك احتمال استعادة هذا المقعد من قبل عائلة الداوود التي هي على علاقة جيدة مع دمشق وحزب الله (المقعد شغله سابقا فيصل الداوود، وسيؤول إلى شقيقه طارق الداوود).
مما لا شك فيه أن قانون الانتخابات الجديد (التمثيل النسبي والصوت التفضيلي) كان له أثر سلبي بالغ على وضعية جنبلاط الانتخابية، ولكن الأسباب والعوامل السياسية تبقى هي الأهم: هناك أولا، اعتزال سعد الحريري لتصبح المختارة «وحيدة حزينة»، وثانيا، تراجع تأثير بري عند حزب الله الذي لم يعد «يجاريه» كما في السابق إلا في حالات ودوائر محددة (مثل: دائرة جزين)، وهناك ثالثا، رغبة حزب الله في «تحجيم» جنبلاط سياسيا وتدفيعه ثمن مواقفه الأخيرة، ورابعا، موقف دمشق من «المختارة».
وفي مواجهة “الحرب” التي يشنها “حزب الله” لترهيب المعارضين وإخماد الصوت السيادي في ساحة المعركة الانتخابية حسب “نداء الوطن، لوحظ أمس إصدار “الحزب التقدمي الاشتراكي” بياناً عالي السقف والنبرة تأكيداً على مضيه قدماً في التصدي لـ”أعداء السيادة والإصلاح” وإجهاض “الحملة المبرمجة التي تستهدف علاقاتنا بالعمق العربي وانتماءنا للخط السيادي وزرع التفرقة في بيتنا الداخلي”… وهي اتهامات صبّت في مجملها في خانة التصويب على سعي “حزب الله” الدؤوب لتطويق وليد جنبلاط انتخابياً وكسر زعامته درزياً، عبر محاولة انتزاع “نصف المقاعد الدرزية” في الانتخابات المقبلة من يد جنبلاط، الأمر الذي وضع زعيم المختارة أمام “معركة انتخابية مصيرية” للحؤول دون تمكين “حزب الله” من تحقيق مبتغاه في شقّ الصفّ الدرزي.
وفي هذا السياق، كشفت المعلومات أنّ “حزب الله” أبلغ قيادة “الاشتراكي” عبر قنوات التواصل الرسمية بين الجانبين أنه عازم على خوض المعركة الانتخابية إلى جانب طارق الداوود في راشيا ووئام وهاب في الشوف، مشيرةً إلى أنّ الهدف الأساس من الأجندة الانتخابية لـ”حزب الله” على الساحة الدرزية هو الوصول إلى نتيجة تجعل منه “شريكاً مضارباً” لجنبلاط عبر تقاسم المقاعد الدرزية معه، من خلال دعم ترشيح الداوود ووهاب، فضلاً عن اتكاله على الجانب الأخلاقي الذي يحتم على جنبلاط ترك مقعد شاغر لطلال أرسلان، واعتباره أنّ مقعد حاصبيا مضمون ومقعد بيروت الدرزي بات في متناول اليد بعد انكفاء “تيار المستقبل”.
وفي حين آثرت مصادر “الاشتراكي” عدم الخوض في حسابات “حزب الله” الانتخابية، اكتفت بالتأكيد على أنه “بات واضحاً من خلال أداء “الحزب” أنه قرر أن يفتح النار الانتخابية علينا في بيروت والجبل والمناطق، معتقداً أنّ اللحظة مؤاتية للانقضاض على وليد جنبلاط وما يمثله من أبعاد سياسية وسيادية”، وأردفت: “نحن بالفعل أمام معركة مصيرية يجب علينا التصدي لها بالصمود والتصميم على منع انهيار الخط السيادي في البلد، لكن أمامنا 3 تحديات لخوض هذه المعركة: التحدي الأول هو كيفية تجاوز حالة اليأس والإحباط التي تتملك اللبنانيين في ظل الواقع المعيشي المنهار وإعادة استنهاضهم انتخابياً، والتحدي الثاني يكمن في تحصين سبل الصمود والتصدي تحت وطأة الافتقار إلى وجود حلف سيادي وازن ومتراص في المواجهة الداخلية الراهنة كما كان الأمر إبان حقبة تحالف 14 آذار، بالتوازي مع الانكفاء العربي الكلي عن الساحة اللبنانية، مقابل التحدي الثالث المتمثل بوجود اندفاعة شرسة للمحور الآخر سعياً للإطباق على لبنان في ظل توفر ظروف داخلية وخارجية تساعده على تحقيق هدفه”.
مصدر الخبر
للمزيد Facebook