مرشحون صغار أمام معضلة جمع التوقيعات اللازمة للمشاركة بالسباق
نشرت في: 10/02/2022 – 12:14
دخل المرشحون للانتخابات الرئاسية الفرنسية منذ أيام في سباق مع الزمن لجمع عدد التوقيعات الضروري لخوض غمار هذه المنافسة رسميا. وستنتهي المدة المخصصة لذلك في الرابع من مارس/ آذار المقبل. وإذا كان مرشحو الأحزاب التقليدية قد جمعوا العدد المطلوب بسهولة، فنظراؤهم من مرشحي الأحزاب الصغيرة والراديكالية، وعلى رأسهم المثير للجدل إيريك زمور (حزب استرداد فرنسا)، يواجهون صعوبة في إنجاز هذه المهمة. والسؤال الذي يطرح اليوم، هل سيوفق هؤلاء المرشحون في جمع هذه التوقيعات أم لا؟ وهل فشلهم في ذلك وبقاؤهم خارج السباق الرئاسي يسيء للعملية الديمقراطية في فرنسا؟
لا تمكن المشاركة في السباق الرئاسي الفرنسي إلا بعد حصول المرشح على توقيع 500 من المسؤولين المنتخبين. فوفقا لبنود القانون المنظم للانتخابات لعام 1976، يجب على كل مرشح للانتخابات الرئاسية جمع العدد المذكور من التوقيعات لنيل الموافقة على دخول غمار المنافسة. وكان المرشحون مطالبون في الماضي بجمع 100 توقيع فقط، لكن نظرا للعدد الهائل من الترشيحات التي قدمت في انتخابات 1974، رفعت السلطات المختصة عدد تلك التوقيعات إلى 500 في 1976. والهدف من القانون، الذي نظم ذلك، هو تقليص عدد المتنافسين بشكل يقتصر على أسماء لها حظوظ فعلية في الفوز بالسباق، وكتدبير يساعد الناخب أيضا على الرؤية بوضوح لما يقدمه المرشحون من مقترحات للإصلاح، بدلا من تشتيت تركيزهم على عدد كبير من الترشيحات.
سباق مع الزمن
لا تتجاوز المدة المحددة لجمع هذه التوقيعات أربعة أسابيع. فوفقا لقانون 29 مارس/آذار 2021، يجب أن يبدأ جمع التوقيعات في يوم الجمعة العاشر قبل إجراء الدور الأول من الانتخابات، وينتهي في يوم الجمعة السادس. وبالنسبة لاستحقاق هذا العام، انطلق المرشحون في جمع التوقيعات اعتبارا من يوم الجمعة 27 كانون الثاني/يناير 2022، وستستمر العملية حتى يوم الجمعة 4 آذار/مارس بحلول الساعة السادسة مساء.
ويسابق عدد من المرشحين، الممثلين لأحزاب صغيرة أو راديكالية، الزمن للحصول على التوقيعات، ويأتي على رأس هؤلاء المرشح المثير للجدل إيريك زمور. فحتى حدود يوم الثلاثاء، حصل هذا المرشح على 149 توقيعا، وفق ما أعلنه المجلس الدستوري، كما حصلت مارين لوبان من حزب “التجمع الوطني” اليميني المتطرف على 139، وهذا يظهر أنهما لا يزالان بعيدين عن جمع الخمسمئة توقيع المطلوبة، فيما نجحت كل من مرشحة الاشتراكيين آن هيدالغو و”الجمهوريون”، اليمين التقليدي، فاليري بيكريس في جمع التوقيعات المطلوبة.
أما بالنسبة للمرشحين الآخرين، فالنائب جان لاسال – حزب “لنقاوم” – (316) اقترب من 500 توقيع، متقدما على رئيسي حزب “انهضي يا فرنسا” نيكولا دوبون-إنيان (232) وحزب “الاتحاد الشعبي الجمهوري” فرانسوا أسيلينو (171). أما المرشحة المدافعة عن الحيوانات هيلين توي فهي لا تزال بعيدة عن عدد التوقيعات المطلوبة (48). ويمكن لنحو 42 ألف مسؤول منتخب، ومن ضمنهم 34 ألف رئيس بلدية، منح توقيعاتهم.
مرشحا اليمين المتطرف إيريك زمور من جهة ومارين لوبان من جهة ثانية دخلا منافسة الظفر بتوقيعات المنتخبين الذين يعرفون بقربهم من هذا الصف السياسي. وإذا كانت لوبان لا تترشح للمرة الأولى في الانتخابات الرئاسية وبإمكانها جمع التوقيعات الضرورية لخوض السباق، حسب المراقبين، فإن المرشح إيريك زمور يواجه صعوبات في إقناع ممثلي الفرنسيين في المؤسسات المنتخبة بالتوقيع له.
قلق كبير
“هناك علامات استفهام حقيقية ما زالت تطرح حول قدرة إيريك زمور الحصول على التوقيعات الضرورية ليقدم ترشيحه للانتخابات الرئاسية للمجلس الدستوري”، يقول الإعلامي والمحلل السياسي مصطفى الطوسة في حديث لفرانس24. وسائل إعلام فرنسية تحدثت عن “قلق” كبير لدى المرشحين الذين لم يتمكنوا من الظفر بالخمسمئة توقيع، وفي مقدمتهم المرشح إيريك زمور، الذي انطلق نحو السباق الرئاسي، في أول تجربة له، دون حزب سياسي، مدفوعا بحماس جزء من أنصار اليمين المتطرف الأكثر راديكالية، الذين تخلوا عن مرشحة “التجمع الوطني” مارين لوبان، ووجدوا في أفكاره انبعاثا جديدا لإيديولوجية هذا المعسكر السياسي التي عرفها مع مؤسس حزب “الجبهة الوطنية” جان ماري لوبان.
للمزيد: ما هي أبرز المحطات في السباق الرئاسي الفرنسي؟
هذه الوضعية، إضافة إلى مواقفه المتشددة من مجموع من القضايا خاصة المرتبطة بالهجرة، لا تمنحه ثقة كل المنتخبين. فعكس ما قد يعتقد البعض أن أفكاره تحظى بشعبية كاسحة وسط الفرنسيين، أظهر استطلاع للرأي أن أكثر من نصفهم لا يتبنون مقترحاته، بينها مثلا التجمع العائلي (لم الشمل) لعائلات المهاجرين، الذي تعهد بوقفه إضافة إلى منح الجنسية الفرنسية بناء على قانون “الحق في الأرض”.
لكن في مقابلة مع وسائل إعلام فرنسية، لم يبد متحدث باسم حزب “استرداد فرنسا” الذي يمثله زمور قلقه تجاه هذا الوضع. وأعلن الأحد أنه تم جمع 460 توقيعا، إلا أن غالبيتها تعهدات بالتوقيع لم يخطها أصحابها فعليا بعد على الورق، وهو رقم كبير بالنظر لعدد التوقيعات المعلن عنها الثلاثاء من طرف المجلس الدستوري.
وفي محاولة لكسب المزيد من التوقيعات، طرق زمور باب “الجمهوريين” لمساعدته على جمعها، بحسب الطوسة، إذ “طلب رسميا من مرشحة حزب ’الجمهوريون‘ فاليري بيكريس أن يعمل حزب اليمين التقليدي على تأمين عدد كبير من التوقيعات كي يشارك في السباق. وهناك بالفعل من يشجع على ذلك من داخل هذا الحزب، لأنه من مصلحته إضعاف اليمين المتطرف عبر تقسيمه. “ولا نعرف إن كان الجمهوريون قد قبلوا هذه الصفقة أم لا”.
“ليس مسا بالديمقراطية”
وإذا كانت معركة جمع التوقيعات لا تقتصر على إيريك زمور فقط، وإنما تمس أكبر مرشحي أقصى اليسار واليمين عموما، فمارين لوبان عن حزب “التجمع الوطني” اليميني المتطرف، وجان لوك ميلنشون مرشح “فرنسا الأبية” اليساري المتشدد، يواجهان بدورهما صعوبات أيضا في إقناع المنتخبين للظفر بالتوقيعات المفروضة.
لكن استطلاعا للرأي نشرته مجلة “شالونج” أظهر أن 58 بالمئة من الفرنسيين يؤيدون منح التوقيعات لكل من مارين لوبان التي راجعت بعضا من مواقفها من ملف الهجرة مثلا، كالتخلي عن فكرة إلغاء الجنسية المزدوجة، وجان لوك ميلنشون، أحد المرشحين الذي تحدث بخطاب “إنساني” حولها في مواجهة تلفزيونية أمام زمور، فيما كان 45 بالمئة فقط مع مسألة التوقيع للأخير للمشاركة في الانتخابات.
بالنسبة للإعلامي والمحلل السياسي الطوسة، عدم حصول زمور أو غيره من المترشحين على 500 توقيع معناه “أن الفرنسيين غير مقتنعين بأن هذه الشخصية بإمكانها تمثيلهم في قصر الإليزيه”. وهذا “لن يمثل أي مس بالعملية الديمقراطية أو تقويض لها”، وإنما هذا الأمر يمكن تفسيره، حسب الطوسة، بأن هذا الشخص الطامح لاعتلاء كرسي الإليزيه “غير قادر على ملء الشروط الديمقراطية المؤسساتية الضرورية للقيام بهذه المهمة”.
بوعلام غبشي
مصدر الخبر
للمزيد Facebook