آخر الأخبارأخبار محلية

لبنان يوحدّ موقفه من طروحات هوكشتاين الجديدة حول الترسيم

أعادت زيارة الوسيط الأميركي في مفاوضات ترسيم الحدود البحرية غير المباشرة بين لبنان وإسرائيل أموس هوكشتاين  للبنان هذا الملف الحساس إلى الواجهة، خاصة بعد رسالة لبنان إلى الأمم المتحدة، التي تُعدّ الأولى من نوعها منذ العام 2011، وهي تمثّل إعلاناً رسمياً صريحاً بنقل التفاوض بشأن الحدود البحرية اللبنانية الجنوبية من الخطّ 23 إلى الخطّ 29، مع الاحتفاظ بحق تعديل المرسوم رقم 6433 في حال المماطلة وعدم التوصّل إلى حلّ عادل. 

هذه الخطوة تحفظ حق لبنان بمساحة 2290 كلم مربع، وبالتالي عدم التزام لبنان بمساحة 860 كلم، وكذلك لا تلتزم بمبدأ التفاوض “حقل مقابل حقل”، أي حقل “قانا” لصالح لبنان مقابل حقل “كاريش” لصالح إسرائيل، خصوصاً أن الرسالة تتضمن إشارة واضحة إلى أن حقل “كاريش” هو منطقة متنازع عليها، وبالتالي لا يمكن لإسرائيل الاستمرار بعمليات التنقيب فيه، ولا يمكن البدء بعمليات الإستخراج. هي خطوة لبنانية تمثل تطوراً في الموقف، وقد تقرأ في سياق تصعيدي يتخذه لبنان في سبيل الضغط لتسريع آلية التفاوض. 

وحتماً سيكون لهذه الرسالة مفاعيل، خاصة أن لبنان يسعى من ورائه إلى دفع إسرائيل لتقديم تنازلات والعودة إلى إحياء المفاوضات. الرسالة تأتي في سياق الرد على كتاب أرسله رئيس بعثة إسرائيل في الأمم المتحدة جلعاد أردان بتاريخ 23 كانون الأول 2021 إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، يبدي فيه اعتراض إسرائيل على فتح لبنان دورة التراخيص الثانية للتنقيب عن النفط والغاز في المياه البحرية، التي كان أعلن عنها وزير الطاقة وليد فياض بتاريخ 26 تشرين الثاني الماضي، وهي تمتد إلى المياه الإسرائيلية أي إلى مساحة 860 كلم مربع المتنازع عليها بين الجانبين. وحسب الرسالة، جددت إسرائيل تمسكها بمساحة الـ860 كلم مربعا ما بين الخط 1 و23، وحذرت الشركات من القيام بأي أعمال استكشاف أو تنقيب لصالح لبنان في هذه المنطقة”. 
وتمثل الرسالة أول وثيقة لبنانية رسمية سلمت إلى الأمم المتحدة، وتتضمن صراحة بأن النقاط الواقعة ما بين الخطين 1 و23 إلى المنطقة الواقعة ما بين الخطين 23 و29 بزيادة تُقدّر بـ1430 كلم2 بالإضافة إلى الـ860 كيلومتراً السابقة، المنطقة المتنازع عليها بما فيها حقل كاريش. واعتبر الجانب اللبناني أن العمل في تلك المنطقة يعرّض السلم والأمن الدوليين إلى الخطر. وهذا يعني أن لبنان يعيد طرح الخط 29 على طاولة التفاوض.  

المسار التفاوضي 
وفي ضوء هذه التطورات لا بد من إلقاء نظرة، ولو سريعة، عن هذا المسار الذي  بدأ في العام 2006، حين أرادت قبرص ترسيم حدودها البحرية مع لبنان تمهيداً لاستخراج ثروتها من النفط والغاز اللذين أظهرت الدراسات وجودهما بوفرة كبيرة في مياه المتوسط. لكن تشابك الحقول النفطية والغازية تحت البحر فرض عليها ترسيم حدودها المشتركة مع البلدان المتشاطئة معها، أي لبنان وإسرائيل.  
هكذا، بدأت مفاوضات الترسيم بين لبنان وقبرص في ذلك العام، حيث تم تكليف مكتب يو كاي اتش او (UKHO) البريطاني للدراسات، رسم الخرائط وفقاً لوثائق خط الهدنة مع إسرائيل (1949) وخط الانتداب المرسوم العام 1923، وكل ما هو معتمد من وثائق مودعة لدى الأمم المتحدة من قِبل لبنان وإسرائيل. 
بنتيجة هذه الدراسة، اعتمد المكتب البريطاني نقطة لانطلاق الترسيم، تبين لاحقاً حسب دراسات أعدّها الجيش اللبناني أنها خاطئة، كونها تنطلق من نقاط في البر أصبحت متنازعاً عليها بين لبنان وإسرائيل إثر الانسحاب الإسرائيلي العام 2000. لكن لبنان لم يتنبه لهذا الخطأ الذي يخسره من حدوده البحرية مساحة 1430 كلم مربع، إلا بعد التوقيع الأولي مع قبرص، التي تحتاج إلى توقيعين لتصبح مبرمة. 
أرسل الخبراء الخرائط بعد تصحيح الخطأ إلى لجنة الطاقة والمياه في مجلس النواب ليوافق عليها فترسل بعدها إلى الأمم المتحدة ثم تعتمد رسمياً في الترسيم. لكن لبنان في تلك الفترة (أي بين 2006 و2008 ثم بين 2014 و2018) كان يمر بفراغ في مؤسساته الدستورية، لذا نام الملف في الأدراج. 
في هذه الفترة، وقعت قبرص اتفاقية ترسيم حدودها مع اسرائيل في تموز 2011، متجاهلة ما ينص عليه قانون البحار من وجوب تشاورها مع لبنان قبل التوقيع، خاصة إن الاتفاقية معه لم تصبح مبرمة، وترسيم حدودها معه لا يزال عالقاً. 
في العام 2012، أراد الأميركيون فتح الملف، لأن إسرائيل كانت تريد بدء التنقيب على الحدود المشتركة مع لبنان، وهي لا تستطيع أن تفعل إلا بعد ترسيم الحدود معه من جهة، ومع قبرص من جهة أخر.  أرسل الأميركيون الوسيط فريدريك هوف اولًا لحل المشكل العالق والدفع الى مفاوضات. قال هوف للبنانيين إن الحدود المتنازع عليها هي 860 كلم فقط وليس 1430 كما تبين للبنانيين بعد التحديثات. ثم اقترح حلاً وسطاً سماه “خط هوف”، ومضمونه أن يكون للبنان في المنطقة المتنازع عليها (أي 860 كلم) نسبة 55٪، ولإسرائيل 45٪.  
رفض لبنان هذا الاقتراح المتحيز لإسرائيل، حيث لجأ المفاوض اللبناني إلى رفع السقف التفاوضي عبر المطالبة بمساحة 2293 كلم مربع، أي المساحة بين الخط رقم واحد، وهو خط الترسيم الخاطئ مع قبرص، إلى  الخط 29.  
وبعد كل هذا نسأل اليوم عن الطرح الأميركي الذي حمله معه هوكشتاين إلى المسؤولين اللبنانيين. ما تمّ تسريبه من معلومات بقي محصورًا في العموميات من دون أن يُكشف عما ستكون عليه المرحلة المقبلة، بإستثناء ما تمّ إبلاغه إلى الموفد الأميركي بإستكمال البحث بعد توحيد الموقف اللبناني من الطرح الأميركي. 


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى