في لبنان.. حالات الحمل تراجعت ومستقبل أطفالنا الصحي بخطر!

كتبت كارين عبد النور في “نداء الوطن”: «الحق في الصحة»… أبسط وأهم الحقوق التي يجب أن يتمتع بها الأطفال. فهم الفئة الأكثر «هشاشة» وتأثراً داخل المجتمع. والحصول على هذا الحق هو ضمانة أساسية لتطور نموّهم البدني والعقلي والاجتماعي، عبر إيجاد سبل الرعاية والخدمات الصحية الضرورية من قِبَل الدولة في مختلف الظروف، كما توفير اللقاحات وكافة الاحتياجات الصحية الخاصة بهم. الاهتمام بصحة الأطفال يبلور إلى حد بعيد هوية الجيل القادم. فالتقاعس في هذا المضمار لا يزيد فقط من معدلات وفيات الرضّع والأطفال بفعل الأمراض المختلفة، إنما يؤثر كذلك على نموّهم الفكري والمعرفي وبالتالي على عملية اندماجهم المستقبلي في المجتمع.
رفعت منظمة الأمم المتحدة للطفولة «يونيسيف» الصوت عالياً في تشرين الثاني من العام الماضي محذّرة من أن مستقبل أطفال لبنان الصحي بات على المحك جراء تفاقم الأزمة الاقتصادية وما تلاها من نقص في التغذية والرعاية الصحية. وقد أشار تقرير المنظمة أن لدى 53% من الأسر اللبنانية طفلاً واحداً على الأقل فوّت وجبة طعام في تشرين الأول مقارنة مع 37% من الأسر في نيسان من العام نفسه.
الأرقام تدعو إلى الريبة والقلق على مستقبل حديثي الولادة والأطفال الصحي وتداعيات ذلك على أكثر من مستوى. فهل من يدقّ ناقوس الخطر لإيجاد حلول مستدامة تحدّ من التكلفة الباهظة التي سيسدّدها لبنان ثمناً لـ»استلشاء» غير مسبوق بصحة أطفاله؟
الحمل والولادة… رحلة خوف وقلق
صحة الرضيع ترتبط بشكل وثيق بالتغذية الجيدة خلال فترة الحمل، ما يساهم في بناء عظام وخلايا دم الجنين، كما تعزيز مناعته. للوقوف على المخاطر التي تتهدد المرأة اللبنانية الحامل في ظل الأزمتين الصحية والاقتصادية، وتأثيرها بالتالي على صحة الجنين، تواصلنا مع الأخصائي في الجراحة النسائية والتوليد والعقم، الدكتور ريشار خراط، الذي قال بداية: «أزمة المرأة الحامل في لبنان بدأت مع الانقطاع شبه التام للدواء، وما لبثت أن تلتها أزمة رفع الدعم، لا سيما عن الفيتامينات والمكملات الغذائية». ففقدان بعض الأدوية الأساسية يجعل متابعة وعلاج المرأة الحامل أكثر تعقيداً، لأن إيجاد الدواء البديل أو سبل المعالجة البديلة أمر ليس بالسهل، ما يؤدي إلى تفاقم الوضع الصحي للأم والجنين في الكثير من الأحيان على حد سواء. من ناحية أخرى، و»رغم أن الزيارات الشهرية أساسية لمتابعة وضع الحامل والجنين»، يضيف خراط، «ها نحن نرى الأم تغض النظر عن زيارة الطبيب، لا سيما أن التنقلات أيضاً أصبحت مكلفة. فهي تحاول تقليص عدد الزيارات قدر الإمكان لعدم قدرتها على تسديد بدل المعاينة». مشكلة أخرى يواجهها الأطباء مؤخراً ألا وهي عدم التزام الأم الحامل بتناول بعض الأدوية التي تُعدّ أساسية في فترة الحمل: «نحاول اليوم وصف الدواء الأساسي والأرخص فقط بعد أن كنا ننصح الأم بتناول ثلاثة إلى أربعة أنواع فيتامينات، كما نساعد قدر المستطاع من خلال توفير العينات المجانية الموجودة في عياداتنا، رغم أنها لم تعد متوفرة حالياً. أما البعض الآخر، فيتّكل على الحمية الغذائية بدلاً من الدواء».
كذلك، أشار خراط إلى أن حالات الحمل في لبنان تراجعت بنسبة 30% نظراً للأوضاع العامة في البلد. فسعر الدواء يساوي أحياناً نصف راتب المرأة الحامل إن لم يكن الراتب كاملاً. ثم أن الزيارات الدورية – التي يبلغ عددها 8 على فترة 9 أشهر – إضافة إلى الصورة الصوتية التي يجب أن تخضع لها الحامل، تتأرجح تكلفتها بين 3 و5 ملايين ليرة. أما بالنسبة إلى الاستشفاء، فأغلبية الجهات الضامنة ما زالت تعتمد سعر صرف 1500 أو 3900 ليرة، ما يكبّد المرأة الحامل فروقات هائلة يصعب عليها تغطيتها.
سلوكيات الطفل انعكاس لحالة الأم النفسية
ما أهمية الحالة النفسية للمرأة الحامل وكيفية انعكاسها على الجنين؟ في دردشة مع الأخصائية النفسية، الدكتورة كارول سعادة، لفتت إلى أن الحمل بذاته يشكّل عامل توتر وقلق للأم نتيجة التبدلات الهورمونية التي تمر بها في هذه المرحلة، إضافة إلى التعب والارهاق اللذين يتزايدان مع تقدّم مراحل الحمل. وأضافت: «اليوم يمكننا التطرّق إلى عوامل جديدة تساهم في زيادة التوتر مثل الضائقة المادية والاقتصادية، ما يجعل الأم تعيش فترة الحمل بمشاعر مختلفة: أولها الخوف من أن يؤثر توترها على صحة الجنين ما يزيد من الاضطرابات النفس-جسدية لديها ويفاقم من سلوكها المتوتر، كذلك الشعور بالذنب تجاه طفلها لمجرد التفكير بكيفية تأمين احتياجاته عند ولادته دون أي تقصير». وهي جميعاً عوامل تساهم في أن تدخل المرأة الحامل حالة من الاكتئاب المضاعف ما يترك أثراً واضحاً على سلوك الرضيع. فقد بيّنت الدراسات الأخيرة أهمية الترابط بين الحالة النفسية للأم والجنين، وكيفية تأثيرها على ظهور علامات العصبية والتوتر لدى المولود الجديد. الوضع يزداد سوءاً إذا تواصلت حالة القلق لدى الأم بعد الولادة، جراء عبء تأمين الاحتياجات اليومية للطفل. عندها يصبح الوضع كارثياً إذ إن الطفل يحتاج في هذه المرحلة إلى الانصهار التام مع أمه وتمتين الروابط المشتركة معها.
مصدر الخبر
للمزيد Facebook