مؤتمر عن “البابا يوحنا بولس الثاني ولبنان الرسالة” في جامعة الكسليك.. غالاغير: يمكن تخطي الانقسامات عبر الحوار
وحضر الافتتاح بطريرك انطاكيا وسائر المشرق للسريان الكاثوليك البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان، المطران مارون ناصر الجميل، ممثلا البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، المطران ادوار جاورجيوس ضاهر، ممثلا بطريرك انطاكيا وسائر المشرق والاسكندرية وأورشليم للروم الملكيين الكاثوليك يوسف العبسي ، المطران جورج أسادوريان ممثلا بطريرك كيليكيا للأرمن الكاثوليك الكاثوليكوس رافائيل بادروس، السفير البابوي المونسنيور جوزف سبيتيري، النائب شوقي الدكاش وحشد من الأساقفة والرئيسات العامات والمدبرين العامين وعدد من الوزراء والنواب السابقين والنقباء والمديرين العامين، وقائمقام كسروان بيار كساب، ورئيس اتحاد بلديات كسروان- الفتوح جوان حبيش، وفعاليات ديبلوماسية وبلدية ومصرفية وعسكرية وروحية وجامعية واجتماعية وثقافية ومدنية وإعلامية.
الهاشم
ثم القى الأب العام الهاشم كلمة أشار فيها إلى أن “عقد هذا المؤتمر في رحاب جامعة الروح القدس – الكسليك، الذي ينطبع اسمها في الوجدان اللبناني عموما والوجدان المسيحي خصوصا، ما هو إلا تأكيد لهوية جامعة رهبانيتنا اللبنانية المارونية، التي تعتنق لبنان إسما وهوية ورسالة، وإصرار على الدور الذي لعبته رهبانيتنا عبر تاريخها وجامعتنا منذ التأسيس، تحت جناح البطريركية المارونية، في إظهار هوية لبنان الفريد والمتنوع، وفي الدفاع عن رسالته وطنا للإنسان، حيث الحرية قدس أقداس، وحيث تتجلىالقيم الروحية وقيم العيش المشترك والاحترام المتبادل والنمو في أبهى مظاهرها”.
واضاف: “نجتمع اليوم، في رحاب هذه الجامعة العريقة، في قاعة البابا يوحنا بولس الثاني، وقد سميت كذلك في مناسبة زيارته للبنان عام 1997. نجتمع لنحتفل بالذكرى الخامسة والعشرين لهذه الزيارة التاريخية، التي وقع البابا القديس خلالها الإرشاد الرسولي “رجاء جديد للبنان” (10 أيار 1997)، ولإطلاق فعاليات السنة الخامسة والعشرين لهذا الإرشاد الذي أراده قداسة البابا تفسيرا وتطبيقا لما أعلنه في 7 أيلول 1989 من أن “لبنان هو أكثر من بلد، إنه رسالة”.
وقال: “تواصل هذا الاهتمام خلال حبرية قداسة البابا بنيديكتوس السادس عشر، الذي خص لبنان بزيارة رسولية، شرح خلالها أهمية دور لبنان، مثالا عالميا لإمكان عيش اتباع الديانات بسلام وإخاء، نابذين جميع مظاهر العنف والتفرقة. ويستمر هذا الاهتمام بزخم وديناميكية، مع قداسة البابا فرنسيس الذي نجده حاضرا، عند كل منعطف، يذكر لبنان، يصلي من أجله، ويقوم بخطوات عملية تجاهه وتجاه تخفيف معاناة أبنائه. في ختام “يوم التأمل والصلاة من أجل لبنان”، 1 تموز 2021، زاد الأب الأقدس، إضافة قيمة إلى قول البابا القديس يوحنا بولس الثاني، معلنا أن لبنان “هو رسالة عالمية، رسالة سلام وأخوة ترتفع من الشرق الاوسط”.
واردف: “وبذلك حملنا قداسته مسؤولية الشهادة لإعلان وثيقة “الأخوة الانسانية من أجل السلام العالمي والعيش المشترك” التي وقعها وشيخ الازهر الدكتور احمد الطيب في أبو ظبي في 4 شباط 2019. واتبع البابا فرنسيس هذه الوثيقة برسالة أصدرها في 3 تشرين الاول 2020، بعنوان “في الأخوة والصداقة الاجتماعية” (Fratelli tutti)، أعاد فيها التشديد على أن طريق السلام ممكن بين الأديان”.
وتابع: “صحيح أن واقع لبنان الحالي مأسوي على المستويات كافة: السياسي، والمؤسساتي، والاقتصادي، والمالي، والاجتماعي، والتربوي، والاستشفائي، والحياتي اليومي. ولكنه صحيح أيضا أن مبدأنا الأول، هو عنوان إرشاد البابا القديس، أي الرجاء. لا شك أن الخارج والداخل يتقاسمان مسؤولية الانهيار الحالي ونتائجَه: فتفاقم الأزمات العالمية والإقليمية وانعكاساتها على الداخل اللبناني وقضية النازحين واللاجئين، معطوفة على الارتهان للخارج واستشراء الفساد والشلل المؤسساتي وتغليب المصلحة الذاتية والفئوية على المصلحة العامة، وغياب إرادة الحوار لدى بعض المكونات الداخلية، كلها عوامل تضاعف من مأسوية الوضع الحالي. لكننا أبناء الرجاء وسنصمد حتى تتحول الأزمة الحالية إلى فرصة بناء للبنان جديد أكثر أمانة لهويته ورسالته”.
وأكد أن “لبنان سيبقى بلد الحرية والتلاقي، باتكالنا على العناية الإلهية وعلى ذواتنا وعلى أصدقائنا المخلصين الذين يؤمنون برسالة لبنان. وفي عناصر الصمود الثلاثة هذه، دور الكرسي الرسولي محوري: فقداسة الأحبار الأعظمون يرفعون الصلوات دائما ويدعون الجميع إلى الصلاة من أجل لبنان عند كل أزمة وخطر، سائلين العناية الإلهية حماية لبنان وأبنائه، كما يفعل قداسة البابا فرنسيس في عظاته وصلواته المتكررة من أجل لبنان، وأهمها الدعوة إلى يوم الصلاة من أجل لبنان في الاول من تموز السنة الماضية”.
وقال : “كذلك لا ينفك الكرسي الرسولي يدعونا إلى الاتكال على ذواتنا لإيجاد الحلول المناسبة، مشجعا الكنائس المحلية على الشهادة الإنجيلية الصادقة وكذلك المؤسسات الكنسية على مزيد من التجظد والشفافية، ومبادرا الى تقديم المساعدة حيث يجب ويمكن، مع الحرص الدائم على التواصل الدائم مع المكونات اللبنانية الأخرى وتأكيده فرادة الرسالة المناطة بها. أما بالنسبة إلى الاتكال على أصدقاء لبنان المخلصين، فيبقى الكرسي الرسولي في طليعتهم، وقد يكون الدولة الوحيدة التي تحرص على الحفاظ على لبنان من أجل دوره ورسالته العالمية، وليس لأهداف ومطامع خاصة. وليس خافيا على أحد ما يقوم به الكرسي الرسولي، وأمانة سر دولة الفاتيكان، مع مراكز القرار العالمي في سبيل لبنان والحفاظ عليه وعلى هويته. فالملف اللبناني حاضر دائما لقاءات نيافة الكردينال بياترو بارولين ولقاءاتكم مع رؤساء الدول والمنظمات العالمية وممثليها”.
واكد اننا “سنحافظ على لبنان – الرسالة، كي لا تضيع ثقة البابا القديس يوحنا بولس الثاني بلبنان وبنا، ولكي يعود لبنان إلى اداء دور المثال الأول في مشروع الإخوة الإنسانية الذي يتوق قداسة البابا فرنسيس إلى تحقيقه. برجاء، نريد أن يتجلى هذا الوطن الصغير، في جغرافيته المحدودة، مجددا نموذجا ومثالا لنسيج انساني متناغم، ولعيش كريم معا”.
السفير الخازن
وتحدث السفير الخازن الذي أشار إلى “أن فكرة المؤتمر انطلقت في العام 2019، على أن يبدأ في روما، بحضور لبناني فاتيكاني، ويستكمل في لبنان إلى أن تم اعتماد الصيغة الحالية. وكان من المقرر انعقاد المؤتمر في العام 2020، وتأجل على اليوم بسبب الجائحة”.
وأضاف: “جاء تعييني سفيرا لدى الكرسي الرسولي حافزا للاطلاع عن كثب على عمق الروابط بين لبنان والكرسي الرسولي، التي انطلقت من الناحية الديبلوماسية في أواخر أربعينات القرن الماضي، إلا أن جذورها التاريخية تعود إلى قرون مضت. ولهذه العلاقات خصوصية في نواح عدة، لعل أبرزها أنها غير قائمة على المقايضات المعهودة في العلاقات بين الدول، ويميزها الحرص الدائم لدى كلا الطرفين علىتطويرها وتمتينها. وما مشاركة رئيس الديبلوماسية الفاتيكانية المونسنيور غالاغير في هذا المؤتمر والزيارة الرسمية التي يقوم بها للبنان سوى دلالة إضافية على هذا الواقع”.
وتابع: “في الكرسي الرسولي ديبلوماسية فاعلة برصانة واحتراف، وهي سابقة لنشوء حاضرة الفاتيكان المعاصرة. أما لبنان فهو من المسائل الثابتة على جدول أعمال الديبلوماسية الفاتيكانية، التزامًا بتوجيهات الحبر الأعظم”.
وأكد “تعددية وحرية، واحة أخوة ورسالة سلام، عبارات مفاتيح للبنان المراد في كلام الحبر الأعظم، ماضيا وحاضرا، وبمضامين مترابطة، فتثبت الرسالة ولبنان مؤتمن عليها، فلا يكون جسر عبور ظرفيا بل نواة صلبة تجسد المعاني والغايات. فالتعددية والحرية متلازمتان، والأخوة والاختلاف صنوان، وكل ذلك من أجل الخير العام. ومن لبنان، كلام معبر للإمام موسى الصدر في العام 1977 يحاكي جوهر الرسالة: “التعايش الإسلامي المسيحي من أغلى ما في لبنان، وهذه التجربة غنية للإنسانية كلها”.
وشدد على “أن الانهيار الراهن أصاب كل مفاصل البنيان في لبنان، الدولة والمجتمع والاقتصاد، وسرعان ما دخلت تداعياته كل بيت وعائلة. معاناة الناس اليومية لا مثيل لها في زمني الحرب والسلم، منذ مئة عام على اليوم. تفككت ركائز الاقتصاد، وأهدر المال العام واحتجز المال الخاص. وفي تقرير أخير للبنك الدولي عن لبنان، إشارة لافتة إلى حال غير مألوفة من انكماش متعمد. أما انفجار المرفأ، الذي دمر وشرد وقتل الناس في البيت والمدرسة والمستشفى وليس في الملاجئ وخلف المتاريس، فكارثة حلت، لم يشهد لبنان مثيلًا لها… وإلى هذا الواقع غير المسبوق في الإطار اللبناني، نزاعات وتحولات إقليمية ودولية في العقود الأخيرة، وهي أيضا غير مسبوقة”.
غالاغير
وفي ختام الافتتاح، كانت كلمة للمونسنيور غالاغير، وفي مستهل عرضه لعلاقة البابا يوحنا بولس الثاني بلبنان، قال: ” قال: “نلاحظ جميعا ن العلاقة التي كانت تربط البابا يوحنا بولس الثاني بلبنان كانت مميزة للغاية، ويجب فهمها عبر وضعها في الإطار التاريخي لانتخاب البابا يوحنا بولس الثاني على السدة البطرسية في العام 1978… وقد دعا قداسته الأسرة الدولية مرات عدة منذ بداية حبريته إلى مساعدة لبنان على التوصل إلى السلام ضمن أرض وطنٍ يحترمه ويعترف به الجميع، داعما إعادة بناء مجتمع عادل وأخوي، في حين عملت الديبلوماسية الفاتيكانية بلا كلل، إن على الصعيد الثنائي أو المتعدد الأطراف، على توفير الظروف المؤاتية لإحلال السلام الدائم”.
وأضاف: “”ويُلتمس التزام الحبر الأعظم الخاص تجاه لبنان عبر الاحتفال بالسينودس الخاص من أجل لبنان الذي عقد في العام 1995 والإرشاد الرسولي الذي انبثق منه تحت عنوان “رجاء جديد للبنان”. وتجدر الإشارة هنا إلى أن لبنان يتميز بكونه البلد الوحيد في العالم الذي خصته الكنيسة الكاثوليكية بسينودس كامل.”
وتابع: “يمكننا القول إذا إن البابا يوحنا بولس الثاني جمعته بلبنان أواصر صداقة متينة وجميلة تجلت بطرق عدة وساعدت هذا البلد على النمو وتوطيد هويته. ففي رسالة بابوية إلى الأساقفة الكاثوليك عن الوضع في لبنان في 7 أيلول 1989، دعا البابا يوحنا بولس الثاني إلى الصلاة على نية أن يتبين للعالم أن “لبنان هو أكثر من بلد: إنه رسالة حرية وعيش مشترك للشرق والغرب”.
واعتبر أن “هذه الصورة المحببة إلى قلبنا جميعا، نموذج لتحديد هوية لبنان، وهي هوية لطالما أولاها الكرسي الرسولي اهتماما خاصا، حيث إنع لا شك في أن زوال لبنان من شأنه أن يكون موضع أسف شديد للعالم بأسره، في حين أن المحافظة على هذا البلد هي من أكثر المهام نبلا وإلحاحا التي ينبغي للعالم المعاصر أن يتولاها، كما جاء في الرسالة البابوية التي وجهها البابا يوحنا بولس الثاني إلى الأساقفة الكاثوليك ?ن الوضع في لبنان”.
وقال: “ما زال الشعب اللبناني يعاني الأمرين، ومعاناته واضحة للجميع. ففي ظل تنامي الفقر، تجد عائلات عدة نفسها عاجزة عن النفاذ إلى حساباتها المصرفية، في حين أن المدارس والجامعات والمستشفيات تعاني النقص في التمويل. ما هو السبيل إلى الحل؟ لا شك في أن الأسرة الدولية يجب أن تساعد لبنان على مواجهة هذا الأفق الاقتصادي المسدود ووضع حد له. لكن هناك حاجة أيضا إلى تجدد وإصلاحات داخلية تترافق وتنبه حقيقي للخير العام والتزام مقاربة تتخطى المصالح الضيقة للأفراد والجماعات. ويمكن تخطي الانقسامات والجمود السياسي والاقتصادي عبر الديموراطية الحقة، وقوامها الحوار والوحدة والتفاهم ووضع الخير العام في مصاف الأولويات”.
وفي معرض الحديث عن العلاقة بين المسيحيين والمسلمين، أكد أن “المسيحية لطالما شكلت عنصرا أساسيا في ثقافة هذه المنطقة الجغرافية، وخصوصا في بلاد الأرز الغنية اليوم بتعدد التقاليد الدينية فيها”
وقال: “بالفعل، يعيش الكاثوليك التابعون لكنائس بطريركية متنوعة وللكنيسة اللاتينية في هذا البلد، وهو أيضًا موطن لمسيحيين من كنائس ومجموعات كنسية أخرى، إضافة إلى المسلمين والدروز. وتمثل هذه الطوائف المتنوعة مصدر غنى وفرادة وتحد للبنان في آنٍ. غير أن مساعدة لبنان على الازدهار مهمة تقع على عاتق أبنائه جميعا على مسيحيي لبنان والعالم العربي وكل الفخورين بهذا الإرث أن يساهموا بشكل فاعل في تحقيق الخير العام نن طريق الثقافة والتطور. وننوه هنا بأن الإسلام والمسيحية يتشاركان عدددا من القِيم الإنسانية والروحية التي لا تحتمل التأويل… يعيش المسيحيون والمسلمون في الشرق الأوسط ضمن منطقة واحدة، وقد شهد تاريخهم المشترك محطات مجيدة وأخرى أليمة، وهم اليوم مدعوون إلى العمل سويًا على بناء مستقبل قائم على الأخوة والتعاون”.
وذكر بأمل البابا يوحنا بولس الثاني في أن “يساهم الحوار والتعاون بين المسيحيين والمسلمين في لبنان في إطلاق المسار نفسه في دول أخرى في الشرق الأوسط ومناطق أخرى من العالم.”
ونوه ب”الاهتمام المستمر الذي يوليه الكرسي الرسولي للبنان منذ زيارة البابا الفخري بنديكتوس السادس عشر لبيروت في أيلول 2012، وصولا إلى البابا فرنسيس الذي ألقى مرارا الضوء على أهمية الوحدة والحرية والعيش المشترك والتعدظية والحوار، واصفا لبنان بـ”واحة الأخوة”، مطلقا مناشدة من القلب في ختام يوم الصلاة من أجل لبنان في الأول من تموز 2021، ومفادها: “كُل من فيِ يَدِهِ السلطة، فليضع نَفسه نِهائِيا وَبِشَكْل قاطِعٍ في خِدْمَةِ السلام، لا في خِدمة مَصالِحِهِ الخاصَة. كَفَى أنْ يبحث عدد قليل مِنَ الناسِ عن منفعة أنانِية علَى حِسابِ الكَثيرين! كَفَى أنْ تسيطر أَنْصافُ الحَقائِقِ علَى آمالِ الناس. كَفَى اسْتِخْدامُ لبنانَ والشَرْقِ الأوْسَط لِمَصالِحَ وَمَكاسِبَ خارجِيَة! يَجِبُ إعْطاءُ اللبنانِيِينَ الفُرْصَةَ لِيَكُونوا بُناةَ مُسْتَقْبَلٍ أفْضَل، علَى أرْضِهِم وَبِدونِ تَدَخُلاتٍ لا تَجُوز”.
وختم: “إن هذه المناشدة التي تضاف إلى مواقف البابوات يوحنا بولس الثاني وبنديكتوس السادس عشر وبولس السادس وبيوس الثاني عشر تمثل أفضل أمل للبنان واللبنانيين في قيام بلدٍ لديه الحرية بأن يبلغ ملء هويته، حيث التعددية هدية والعيش المشترك نعمة ومثال يحتذى”.
إشارة إلى أن المؤتمر يستمر يومين ويبحث في 5 محاور أساسية، وهي: “المسار التاريخي؛ العلاقات المسيحية- الإسلامية في الحالة اللبنانية؛ العيش المشترك والدولة والمجتمع؛ التربية والثقافات والحريات؛ وإعلان أبو ظبي ورسالة لبنان”.
مصدر الخبر
للمزيد Facebook