آخر الأخبارأخبار دولية

كيف يمكن تفسير عدم ترحيل نظام “فيشي” ثلاثة أرباع يهود فرنسا؟

نشرت في: 27/01/2022 – 18:54

بمناسبة اليوم العالمي لذكرى ضحايا المحرقة النازية، تسلط فرانس24 الضوء على اليهود الذين لم يرحلهم نظام “فيشي” من فرنسا خلال الحرب العالمية الثانية. ففي كتابه الأخير، يروي المؤرخ جاك سميلان حيثيات التحقيق الذي قام به حول 200 ألف يهودي فرنسي لم يتم ترحيلهم إلى معتقلات الموت، موضحا “أن ذلك لم يتم بسبب أية حماية قد يكون قدمها لهم نظام فيشي”.

هي قصة سؤال واحد طرحته سيمون فاي، التي رحلت من قبل النازيين إلى معسكرات الموت خلال الحرب العالمية الثانية، على لمؤرخ جاك سميلان.

الوزيرة الفرنسية السابقة، التي تخلد اليوم في مقبرة العظماء بباريس، طلبت من المؤرخ أن يشرح لها كيف “تمكن عدد كبير من اليهود الفرنسيين النجاة من المحرقة النازية، على الرغم من أنهم كانوا يعيشون في ظل حكومة “فيشي” والنازيين؟

فحسب مؤرخ أخر يدعى سيرج كارسفلد، “من بين الـ320 ألف يهودي الذين كانوا يقيمون بفرنسا قبل العام 1940 حوالي 74 ألفا منهم تم ترحيلهم إلى معسكرات الموت”.

وهذا يعني أن 75 بالمائة نجوا من المحرقة، وهي أكبر نسبة في أوروبا النازية. فعلى سبيل المثال، نجى فقط حوالي 25 بالمائة من يهود هولندا من المحرقة و45 بالمائة من يهود بلجيكا.

“إعادة صفتهم كضحايا اضطهاد نظام ’فيشي‘”

وفي كتاب عنوانه “اللغز الفرنسي، لماذا لم يتم ترحيل ثلاثة أرباع يهود فرنسا؟” صدر من دار النشر “ألبان ميشال”، حاول المؤرخ جاك سميلان شرح سبب هذا الاستثناء الفرنسي بخصوص سياسة “فيشي” تجاه يهود فرنسا.

وخلافا لما صرح به المرشح للانتخابات الرئاسية إريك زمور، فنجاة غالبية اليهود الفرنسيين من المحرقة النازية لم يكن بفضل الحماية المحتملة التي قد يكون قدمها لهم نظام “فيشي” الذي كان يتزعمه المشير بيتان.

فيؤكد سميلان “هذا هراء وكلام فارغ. لا نجد أي أثر لذلك في الأرشيف”، ويضيف “إريك زمور يستغل جهل الناس”. فيذكر ويشدد على أن “القوانين والتشريعات المناهضة للسامية التي كان يستعملها نظام ’فيشي‘، إضافة إلى دور الشرطة والاعتقالات التي قامت بها، هما العاملان اللذان أديا إلى ترحيل 24500 يهودي إلى معسكرات الموت“.

والتقى جاك سميلان العديد من اليهود الذين لم يتم ترحيلهم إلى مراكز الموت. وقال إنهم يشعرون بنوع من “الذنب”. موضحا أن العديد قالوا له في الأول “إنه ليس لديهم ما يقولونه لي. لكن عندما ذهبت إلى بيوتهم، أصبحوا يتحدثون معي دون انقطاع. حاولت أن أسجل كلامهم وتجاربهم لكي يستعيدوا صفتهم كضحايا اضطهاد نظام وقوانين ’فيشي‘ في فرنسا، عاشوا الخوف والفراق والانتقال وعرفوا المعاناة”.

“شبكات التعاون الاجتماعي”

ويكمن السبب الأول لبقائهم على قيد الحياة، في تمكن معظمهم من العبور إلى مناطق آمنة وخالية من النازيين فاختبؤوا في أماكن معزولة في الريف الفرنسي.

وقال جاك سيملان في هذا الشأن”: ثلثان من الفرنسيين سافروا إلى المناطق الحرة وتوزعوا فيها”. موضحا أن الأمر كان أسهل بالنسبة “لليهود الذين كانوا يتكلمون الفرنسية وأوضاعهم المادية حسنة”. وأضاف “في ربيع 1944 كان لا يزال ما يقارب 40 ألف يهودي يعيشون في باريس في حين تم القضاء تقريبا على جميع يهود وارسو (بولندا) وأمستردام (هولندا)”.

يهود في باريس يرتدون النجمة التعريفية الصفراء التي فرضتها السلطات النازية، يونيو/حزيران 1942. © ويكيميديا / بونديس أرشيف

ويوضح المؤرخ أن ذلك يعود لـ”شبكات التعايش الاجتماعي”، مؤكدا أن يهود فرنسا مندمجون بشكل جيد في المجتمع، فتلقوا المساعدة من أصدقائهم وجيرانهم وزملائهم في العمل. نافيا بذلك فكرة أن يكون الفرنسيين معادين بشدة للسامية.

وقال في هذا الخصوص: “خلال حملات الاعتقال التي قامت بها الشرطة في شهر يوليو/تموز 1942 والتي تدعى باعتقالات “فال ديف”، كان يتوقع النازيون مع نظام “فيشي” اعتقال حوالي 27 ألف يهودي، لا سيما الأجانب منهم. لكن في نهاية المطاف لم يتمكنوا من توقيف سوى 13 ألف شخص” وهو ما يمثل جريمة في حد ذاته.

وفسر جاك سميلان ذلك إلى “تدخل بعض سكان باريس، إذ أخبروا اليهود بوقوع وشيك لحملات الاعتقالات وساعدوهم على الهروب إلى أماكن أمنة. أما السبب الثاني، فيكمن في عدم تحمل سكان العاصمة صور اعتقال الأطفال والنساء”.

صور لرجال ونساء قدموا يد المساعدة ليهود فرنسا إبان نظام فيشي النازي ودخلوا إلى مقبرة العظماء في 2007 تكريما لما قاموا به.

صور لرجال ونساء قدموا يد المساعدة ليهود فرنسا إبان نظام فيشي النازي ودخلوا إلى مقبرة العظماء في 2007 تكريما لما قاموا به. @ أ ف ب / ريمي دولا موفنيير

“ليس كل شيء مسموحا ضدهم”

وفي نفس الوقت، بدأت تظهر في مناطق فرنسية عديدة شبكات للتضامن ومساعدة اليهود. ولعبت الكنيسة دورا هاما في تأسيس هذه الشبكات.

أكثر من ذلك، وجه سالياج، رئيس أساقفة كنيسة تولوز (جنوب غرب فرنسا) رسالة في أغسطس/آب 1942 لجميع الكهنة ودعاهم إلى قراءتها خلال صلاة الأحد.

وكتب فيها: “التعامل مع الأطفال والنساء والرجال والآباء والأمهات كأنهم قطيع من الحيوانات، إضافة إلى القيام بتشريد وتفريق أعضاء من عائلة واحدة وترحيلهم إلى مكان مجهول، هذا هو المشهد الحزين الذي أصبحنا نراه اليوم”.

وتابع “اليهود هم رجال. اليهود هم نساء. ليس كل شيء مسموحا ضدهم. ضد هؤلاء الرجال والنساء والآباء وربات العائلة. هم أيضا جزء من البشر”.

وقامت إذاعة “بي بي سي” البريطانية وجريدة نيويورك تاميز الأمريكية بنشر هدا النداء الذي “لقي استجابة كبيرة” حسب جاك سميلان الذي يرى أن “الأسقف سالياج لم يحظ بمكانة كبيرة في الذاكرة الوطنية الفرنسية”.

وبعد مرور 14 عاما عن السؤال الذي طرحته سيمون فاي، تمكن المؤرخ جاك سميلان من رفع التحدي. إذ استطاع أن يضع “الأمور في نصابها. وهو أحسن رد لكل الذين يريدون تزوير التاريخ” كما قال.

وأنهى: “يهود فرنسا هم أقل يهود عانوا في أوروبا إبان الاحتلال النازي الألماني بالمقارنة مع يهود دول أوروبية أخرى”.

 

ستيفاني ترويار


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى