ما الرابط بين إنكفاء الحريري والمبادرة الكويتية؟
الرابط الوحيد هو التزامن غير المقصود، لأن قرار الحريري متخذ منذ وقت طويل، وإن جاء إعلانه غداة مغادرة الوزير الكويتي بيروت. ولكن من يقرأ بين سطور بيان إبتعاد الحريري عن الحياة السياسية وبين ما ورد في الورقة – المبادرة الكويتية – الخليجية يستنتج أوجه شبه كثيرة، من حيث الخلاصات المستندة إلى تجارب سياسية كثيرة، وقد إختصرها في بيانه عندما أعرب عن قناعته بأن “لا مجال لأي فرصة إيجابية للبنان في ظل النفوذ الإيراني والتخبطّ الدولي والإنقسام الوطني وإهتراء الدولة”، وهذا ما يمكن أن يُستشّف من خلال بعض ردود الفعل على البنود الأثنتي عشرة الواردة في المبادرة الكويتية، والتي تحظى بموافقة دول الخليج العربي، وفي مقدمها المملكة العربية السعودية، وبمباركة أميركية وفرنسية.
فالحديث في هذا التوقيت بالذات عن ضرورة إعتماد لبنان سياسة “النأي بالنفس” وتطبيق القرارات الدولية، وبالأخص القرار 1559، ووجوب إلتزام “حزب الله” بعدم التدّخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، تعتبره أوساط مقرّبة من حارة حريك سيفًا ذا حدّين، لأنه يستهدف إنجازات “المقاومة”، وهو محاولة من بين محاولات كثيرة الغاية منها تطويق “حزب الله”، سواء عبر العقوبات الأميركية التي تُفرض عليه أو عبر المبادرات العربية، وبالتالي تحجيم دوره الداخلي والإقليمي بعدما أصبح رقمًا صعبًا في معادلات المنطقة، وذلك نظرًا إلى ما حقّقه من إنتصارات في المعارك العسكرية، سواء في سوريا أو في غيرها.
إنطلاقًا من وحدوية الترابط بين عدم تفاؤل الحريري وما يتوقعه العرب من أجوبة لبنانية تبقى محكومة بخصائص التركيبة اللبنانية الداخلية، فإنه لا بدّ من تسجيل بعض الملاحظات على هذه المبادرة:
أولًا، أن الورقة الخليجية “المتشددة” التي حملها وزير خارجية الكويت، وهي الدولة التي تُعّد أكثر الدول الخليجية تعاطفًا مع لبنان وتفهمًا لأوضاعه، تعني أن الموقف الخليجي مو ّحد في اتجاه لبنان، إن لجهة العتب الشديد على تحّوله الى منصة للهجوم على دول عربية، أو لجهة التحذير من تخلّفه عن الإلتزام بتنفيذ ما هو مطلوب منه.
ثانيًا، المسألة ليست مسألة شروط خليجية وإنما تعكس هذه الورقة خارطة طريق عربية ودولية تحدد للبنان كيفية الخروج من نفق أزمته الراهنة. فهذه “الورقة الخليجية” هي في الحقيقة حصيلة إتصالات ومشاورات دولية، خصوصا مع الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا، وعربية خصوصا مع مصر والأردن، كما تشكل خلاصة وفحوى البيانات الأخيرة الخليجية المتعلقة بالملف اللبناني، سواء البيان الختامي الصادر عن قمة دول مجلس التعاون الخليجي، أو البيانات الثنائية التي صدرت في خلال جولة الأمير محمد بن سلمان على دول الخليج، وأيضا البيان السعودي ـ الفرنسي المشترك الذي صدر في ختام زيارة الرئيس الفرنسي إيمانول ماكرون للسعودية.
ثالثًا، تنطوي الورقة على تحذير خليجي مبطن للبنان، بأن الوضع لا يمكن أن يستمر على ما هو عليه، وأن علاقته مع دول الخليج تتطلب أفعالًا لا أقوالًا.
رابعًا، لا تطرح “الورقة” مؤتمرًا دوليًا خاصًا بلبنان، أو حوارًا وطنيًا برعاية دولية وإقليمية يفضي الى “طائف ـ 2” أو “دوحة ـ 2″، وإنما تؤكد على ثبات وصلاحية إتفاق الطائف وعلى ضرورة أن تكون الإنتخابات النيابية والرئاسية كمدخل الى التصحيح والإصلاح.
خامسًا، أهم ما في الموقف الخليجي المدعوم عربيا ودوليا أنه يطرح مسألة سلاح “حزب الله”، ويُفتح هذا الملف الدقيق والحساس لأول مرة مع الدولة اللبنانية، من خلال التشديد على القرارين 1559 و1701 وبسط سلطة الدولة على كل أراضيها.
فهل يتلقف جميع اللبنانيين المبادرة العربية ويتفاعلوا معها ويلاقوا مساعي رئيس الحكومة الانقاذية ، ام اننا سنشهد مزيدا من التأزيم يشكل انكفاء الحريري احد علاماته الظاهرة؟
مصدر الخبر
للمزيد Facebook