مَن يستطيع تحمّل نتيجة “تطيير” الإنتخابات النيابية؟
من حيث المبدأ، وكما هو ظاهر، فإن هذه الإنتخابات النيابية حاصلة حتمًا. ولا يختلف إثنان على أن الجميع في الداخل والخارج يتصرّفون على هذا الأساس. وهذا ما يشدّد عليه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، وكذلك يفعل جميع المسؤولين من قمة الهرم حتى أسفله، مرورًا بجميع الإحزاب، حتى تلك التي لديها شعور بأن حيثيتها الإنتخابية إلى تراجع مضطرد، علمًا أن هذا الشعور يشمل الجميع، حتى “الثنائي الشيعي”. فـ”حزب الله”، وهو الطرف الأقوى شعبيًا، من حيث المبدأ، لا يتردّد في إطلاق أكثر من إشارة مفادها أنه مع إجراء هذه الإنتخابات وأن له مصلحة في إجرائها كوسيلة متقدّمة لتجديد شرعيته الشعبية والسياسية في وجه الضغوطات الخارجية والتصنيفات الإرهابية التي تُلصق به. وهو بذلك يحاول أن يوحي للجميع، حلفاء وأخصامًا، أن لا مشكلة لديه في انتخابات يُمسك فيها الوضع الشيعي بإحكام ولديه القدرة على دعم حلفائه، وحتى لا مشكلة لديه إذا لم تعد الأكثرية النيابية في حوزته، لأن البلد يُحكم بالديمقراطية التوافقية والميثاقية وليس بالأكثرية النيابية، كما يقول أكثر من مسؤول قيادي في الحزب. ويكفيه أنه مسيطر على الثلث المعطّل داخل مجلس النواب، في حال تكررت تجربة تعطيل نصاب الجلسات الرئاسية.
فجميع اللبنانيين، وبالأخصّ المغتربون منهم، ينتظرون هذه الفرصة بفارغ الصبر، إعتقادًا منهم بأنهم قادرون من خلال صناديق الإقتراع على إحداث التغيير الأولي المطلوب كخطوة إجرائية لا بدّ منها لكي يتمكنوا في مراحل لاحقة من الإنتقال إلى خطوات أكثر تقدّمًا لمحاسبة الطبقة السياسية التي أوصلت البلاد إلى ما وصلت إليه.
واللافت في الأمر ان الأحزاب والتيارات السياسية ماضية في التحضير لهذه الإنتخابات، التي تعتبرها أيضًا مفصلية، وتوحي من خلال إستعداداتها اللوجستية بأنها مرتاحة على أوضاعها.
ولكن على أرض الواقع، تتكاثر الإشاعات غير المطمئنة، والتي تفيد بأن الطريق الى هذه الإنتخابات غير سالكة، وهي مزروعة بكثير من الألغام، حتى أن البعض يذهب في توجساته إلى حدود الحديث عن إمكانية حصول تطورات أمنية غير محسوبة، ما يؤشرّ إلى إحتمال “تطيير” الإنتخابات.
هذا القلق قد يكون معّللًا أو مبررًا لو أن لبنان متروك دوليًا، على رغم المآخذ الكثيرة للمجتمع الدولي على الأداء السياسي لطاقم السلطة، خصوصًا مع تعاظم أثار تعطيل مجلس الوزراء والربط بين الملفين القضائي والحكومي، وارتفاع درجة التوتر والتسخين السياسي من جانب “حزب الله” مع المملكة العربية السعودية، وانفجار الصراع بين الرئيسين ميشال عون ونبيه بري في الوقت القاتل، بدءًا من واقعة المجلس الدستوري الذي لم يتوصل الى قرار، مرورًا بواقعة الحوار الوطني الذي سايره بري شكلًا ونسفه عمليًا من خلال حلفائه، وصولًا الى تحريك الشارع “الغاضب الصامت”.
هذا السيناريو المتداول ينفيه جميع المسؤولين، وبالأخصّ الذين تصل إليهم التقارير الأمنية، من الداخل والخارج، ويؤكدون أن الوضع الأمني ممسوك، على رغم الضائقة المادية التي تمرّ بها الأسلاك العسكرية، وأن لا مصلحة لأحد بأن “يلعب” بورقة فوضى الشارع، خصوصًا أن أحداث الطيونة الأخيرة لا تزال ماثلة للعيان، وهي كادت تعيد عقارب الساعة إلى الوراء لو لم يتم تدارك تداعياتها الخطيرة.
فكل حديث عن تحريك الشارع، أيًّا يكن حجم القادرين على التحكّم بهذا الشارع، لا اساس له من الصحّة، خصوصًا أن لا أحد من المجتمع الدولي يسمح بسقوط لبنان بهذه السهولة، وإن كانت المساهمات في إنقاذه تقتصر حتى هه اللحظات على الجانب الإنساني فقط.
مصدر الخبر
للمزيد Facebook