فضل الله: نريد حوارا لإخراج البلد من معاناته
“عباد الله أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصى به أمير المؤمنين، “احذروا عباد الله الموت وقربه، وأعدوا له عدته، فإنه يأتي بأمر عظيم، وخطب جليل، بخير لا يكون معه شر أبدا، أو شر لا يكون معه خير أبدا، فمن أقرب إلى الجنة من عاملها، ومن أقرب إلى النار من عاملها وأنتم طرداء الموت، (الموت يلاحقكم يسعى إليكم كما يسعى الصياد إلى طريدته)، إن أقمتم له أخذكم، وإن فررتم منه أدرككم، وهو ألزم لكم من ظلكم، الموت معقود بنواصيكم (ملازم لكم)، والدنيا تطوى من خلفكم (تشبها بالبساط الذي يلفكم)”. هي دعوة لنا أن نستعد للموت لا أن نعيش هاجس الموت، بل أن نكون جاهزين حتى إذا دعينا له، فلا نقول عندما ندعى له: {رب ارجعون * لعلي أعمل صالحا فيما تركت}، بل نقول وكما قال علي: “فزت ورب الكعبة”.. وبذلك نكون أكثر وعيا وقدرة على مواجهة التحديات”.
وقال: “البداية من هذا التلاعب المخيف والسريع بسعر الدولار الأميركي، والذي يواكبه ارتفاعا في أسعار المواد الغذائية والخدمات والدواء والمحروقات، مما يزيد من معاناة اللبنانيين ويفاقم الفقر لديهم. يحصل ذلك من دون أن تبدو لدى اللبنانيين أي بارقة أمل تخرجهم من الواقع المزري والمأساوي الذي وصلوا إليه، بل هم يخشون أن تحمل لهم الأيام القادمة المزيد من الانهيار والمعاناة بفعل ازدياد منسوب التوتر الحاصل على الصعيد السياسي، والذي يأتي انعكاسا للصراع الجاري في ما بين القوى السياسية والذي يتفاقم يوما بعد يوم على مواقع ومصالح ونفوذ، والانتخابات المزمع القيام بها، والتي مع الأسف بات السلاح الأفعل والأمضى فيها لكسب ود الجمهور بنظر القوى السياسية استخدام الشارع لتصعيد الصراع مع الخصوم أو حتى مع الحلفاء إن احتاج الأمر ذلك فضلا عن الخارج”.
أضاف: “ومن الواضح مدى انعكاس هذا التوتر على تعطيل عمل المؤسسات أو عدم قدرتها على القيام بالدور المطلوب منها في معالجة أزمات البلد أو في ارتفاع سعر صرف الدولار والذي يتغذى من التصعيد السياسي، وقد يكون واحدا من أدوات الصراع الجاري، أو التداعيات التي قد تحصل على الصعيد الأمني”.
وتابع: “إننا أمام كل هذا التردي الذي يعيشه اللبنانيون والذي بات يهدد لقمة عيشهم ودوائهم ومتطلبات النقل والاستشفاء، نجدد دعوتنا للبنانيين إلى مزيد من التكافل والتعاون لمواجهة هذه الأعباء المتزايدة عليهم، بأن يسند بعضهم بعضا ويشد بعضهم أزر بعض، وأن يكون كل منهم يدا ممدودة للآخرين لا أن يكون سببا في زيادة الأعباء، نقولها لأصحاب الأموال وللشركات وللتجار والصناعيين وأصحاب المهن والحرفيين وكل من يحتاج إليه. وهنا نقدر كل المبادرات التي تتم على هذا الصعيد وكل الأيادي البيضاء التي تمتد للعون والمساعدة أو للتخفيف من عبء هذه المعاناة من الداخل أو من المغتربين”.
ورأى أن “المرحلة تدعو إلى الصمود والثبات في مواجهة من يتلاعب بمصير هذا البلد إن من الداخل أو الخارج، والكل معني بالتصدي له لا الهروب من ساحة التحدي هذه”.
وأضاف: “نحن في الوقت نفسه نجدد دعوتنا لمن هم في مواقع المسؤولية، ونقول لهم: إن أمامكم بقية من وقت حتى تعوضوا عن تقصيركم وتصححوا أخطاءكم وتستعيدوا ثقة اللبنانيين بكم، لتثبتوا لهم أنكم أهل لقيادهم وحمل مسؤوليتهم، لا تراهنوا على كسب ود الناس بالكلمات والوعود المعسولة أو الخدمات أو الأعطيات أو استثارة الغرائز الطائفية والمذهبية، فالناس الذين اكتووا بنار الفساد والهدر وسوء الإدارة والتخطيط، لن يكرروا التجارب الفاشلة وسيصبوا غضبهم في صناديق الاقتراع لا في الشارع الذي ليس هو الطريق الأسلم لتحقيق مصالحهم”.
واعتبر أن “اللبنانيين باتوا يتطلعون إلى مسؤولين يشاركونهم همومهم وآلامهم ومعاناتهم ويعملون بكل جد ومسؤولية على إخراجهم من واقعهم المزري والمأساوي، فلا تضيعوا أوقات اللبنانيين بصراعاتكم وتسجيل النقاط في الخطاب أو الشارع، التي ملوها وتعبوا منها وعرفوا أنها ليست لأجلهم ولا بحوار هو لإبراء الذمة والتقاط الصور أو بحوار لا ينتج، بل بحوار نريده لإخراج البلد من معاناته، وينبغي العمل له لإزالة كل العقبات التي لا تزال تقف عائقا أمامه”.
وتابع: “إن الشهور والأسابيع الباقية قبل الانتخابات هي فرصة لكم مصيرية، لتثبتوا من خلالها أن التغيير قد بدأتم به أفعالا لا أقوالا وحقيقة ساطعة لا وعودا”.
وختم: “نبقى في إطار الخطاب الذي مع الأسف يتصاعد يوما بعد يوم، لنؤكد أن الناس أحوج ما يكونون في هذه المرحلة إلى خطاب عقلاني موضوعي هادئ يبلسم جراحهم ويخفف من وقع معاناتهم ويبرد توتراتهم. فالبلد لا يبنى بهذا الخطاب الإقصائي والإلغائي والاستعلائي أو الاتهامات، والاتهامات المضادة. إننا نريد لهذا البلد أن يبقى واجهة للحرية وللتعبير، وهو ميزة لهذه الحرية، لكننا دائما نريد لهذه الحرية أن تكون واعية ومسؤولة وحكيمة، وتنطلق من مبدأ أوصى به رسول الله: “إذا هممت بأمر فتدبر عاقبته، فإن كان خيرا فأسرع إليه، وإن كان شرا فانته عنه”.
مصدر الخبر
للمزيد Facebook