آخر الأخبارأخبار محلية

موقف موحّد ومفارقات.. أهمية توصية مجلس النواب حول النازحين

كما كان متوقّعًا، لم تخل جلسة مجلس النواب حول موضوع النازحين السوريين، من بوابة “هبة المليار يورو”، من “المزايدات الشعبوية” التي تنافس عليها مختلف الأطراف، الذين سعوا لاستثمار “المنبر” من أجل التنافس في ما بينهم على “استقطاب” الجمهور بصورة أو بأخرى، قبل أن تختتم على مشهد جامع، يكاد يكون نادرًا، تجلى في “التوصية” التي وجّهها النواب إلى الحكومة، ودعوها للالتزام بها.

Advertisement










 
وإذا كان رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي استهلّ الجلسة بكلمةٍ دعا خلالها النواب إلى اتخاذ موقف وطني جامع وموّحد بشأن كيفية مقاربة هذا الملف بعيدًا عن المزايدات والانفعالات والاتهامات، مشدّدًا على أنّ المساعدة الأوروبية الأخيرة لم تكن سوى “تأكيد للمساعدات الدورية” التي تقدَّم للبنان، وأنّها “غير مشروطة”، فإنّه كان واضحًا أيضًا بقول إنّ حلّ مسألة النزوح السوري “يكون بتوافق كامل بين اللبنانيين”.
 
ومع أنّ الجلسة لم تنجُ بالكامل من “فخّ” المزايدات، وربما الاستعراضات الكلامية، فإنّ النتيجة التي انتهت إليها عُدّت بالنسبة لكثيرين “إنجازًا”، باعتبار أنّ التوصية التي صدرت لم تعبّر عن موقف “موحّد” طال انتظاره فحسب، ولكنّها قبل ذلك شكّلت “خرقًا” يمكن البناء عليه في مقاربة الملف أمام المحافل الإقليمية والدولية، فأين تكمن أهمية هذه التوصية على المستوى العمليّ؟ وأيّ مفارقات يمكن أن تُسجَّل على خطّها؟!
 
ما يُسجَّل للحكومة
 
يقول العارفون إنّ أكثر ما يلفت الانتباه عند مراقبة الجلسة، والأجواء التي أحاطت بها، يكمن في أنّها عمليًا وضعت حدًا للحملة التي شُنّت على الحكومة، منذ الإعلان عن “هبة المليار يورو”، والتي يعتقد كثيرون أنّها لم تكن “بريئة”، علمًا أنّ طبيعة هذه الحملة “انقلبت” حتى قبل موعد الجلسة، مع تراجع الكثير ممّن اتهموا الحكومة بالتقاعس بل “التواطؤ”، لحدّ الإقرار بأنّ الهبة الأوروبية لم تكن مشروطة، وأنّها بحدّ ذاتها ليست جديدة.
 
وحتى لو أنّ بعض النواب وجدوا الفرصة مناسبة للتصويب على الحكومة رئيسًا ووزراء، باعتبار أنّهم يتحمّلون مسؤولية تفاقم أزمة النزوح السوري، فإنّ هناك من يسجّل في المقابل أنّ ما تحقّق في الجلسة حصل بفضل موقف الحكومة، التي كان رئيسها أول المبادرين، حين طلب من رئيس مجلس النواب نبيه بري الدعوة للجلسة، من أجل “وقف الاستغلال السياسي الرخيص الحاصل في البلد”، وهو ما تمّ فعليًا من خلال هذه الجلسة.
 
أكثر من ذلك، يرى العارفون أنّ ما يُسجَّل للحكومة أيضًا أنّ “التوصية النيابية” التي صدرت أخيرًا، من خارج أجواء الحملات التي سادت على مدى الأسبوع المنصرم، تبنّت في جزءٍ كبير منها المقاربة الحكوميّة لملف النزوح، والتي عبّر عنها رئيس مجلس الوزراء في مستهلّ الجلسة، حتى إنّ التوصية دعت الحكومة إلى الالتزام “بالموقف الذي أعلنه رئيسها” لجهة أنّ لبنان “لم يعد يحتمل عبء ملف النازحين، ولا يستطيع أن يكون شرطيًا حدوديًا لأيّ دولة”.
 
أهمية التوصية.. ومفارقاتها
 
ومن الشكل إلى المضمون، ينتقل العارفون ليتحدّثوا عن أهمية التوصية، من خلال بعض المفارقات على خطّ بعض بنودها، يمكن أن تشكّل “خرقًا جدّيًا” في مقاربة ملف النزوح السوري، وصولاً إلى معالجته، من بينها الإشارة الواضحة والصريحة إلى فكرة المتابعة المباشرة والحثيثة مع الجهات الدولية والإقليمية والهيئات المختلفة، “لا سيما مع الحكومة السورية”، ولهذه الإشارة دلالتها في ضوء الضجّة التي كانت تُثار سابقًا حول مبدأ التنسيق مع النظام السوري.
 
وفي السياق نفسه، تندرج دعوة المجتمع الدولي والهيئات المانحة، كما أجهزة الأمم المتحدة ولا سيما مفوضية اللاجئين والجهات الدولية والأوروبيين، لمساعدة الحكومة واعتماد دفع الحوافز والمساعدات للتشجيع على إعادة النازحين إلى بلدهم، “وعدم السماح باستغلال هذا الأمر للإيحاء بالموافقة على بقائهم في لبنان”، وفي ذلك قبول “ضمني” لما سُمّيت بـ”هبة المليار يورو”، مع تحصينها ضدّ أيّ “شروط” أو ما اعتبرها البعض “نوايا مضمرة”.
 
وبين كلّ هذه المفارقات، تنطوي أهمية التوصية، بحسب العارفين، في كونها تشكّل “مستندًا رسميًا” يعبّر عن موقف لبناني “موحّد”، وهو ما يمكن أن يعطي الحكومة “نقطة قوة” خلال حضورها أمام المحافل الدولية، علمًا أنّ التوصية النيابية نصّت بوضوح على نقل هذا الموقف إلى الدول والجهات المعنيّة، وهو ما يُنتظَر أن يترجَم في مؤتمر بروكسل المنتظَر في السابع والعشرين من الشهر الجاري، والذي يختصّ بالقضية السورية.
 
رغم أنّها وُصِفت من قبل البعض بـ”حفلة مزايدات” منذ أن طلب رئيس الحكومة من رئيس مجلس النواب الدعوة إليها، إلا أنّه يمكن القول إنّ جلسة مجلس النواب الأخيرة ضربت أكثر من عصفور بحجر، فهي من ناحية وضعت حدًا للشعبوية التي أصبح واضحًا أنّها لن تؤدي لأي مكان، ومن ناحية ثانية، حصّنت الموقف اللبناني بمستند رسميّ يعبّر عن توافق وطني نادر، يتمنّى الكثيرون لو يتمّ “تعميمه” على سائر الملفات والاستحقاقات!


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى