أولى عثرات نواب التغيير
يدين 14 نائباً بوصولهم إلى المجلس النيابي إلى وزير الاتصالات السابق محمد شقير وإلى السنتات الستة التي أراد فرضها ضريبة على الواتس آب، وأدّت إلى الانفجار الشعبي في 17 تشرين الأول 2019.
بعد قرار وزير الاتصالات جوني القرم (والذي تبنته الحكومة) بزيادة الرسوم على الهاتف الخليوي والإنترنت، في شكل جنوني لا يتطابق مع الرواتب بالليرة، وبعد الارتفاع الصاروخي لسعر الدولار وصفيحة البنزين، لم نسمع بعد من أي من النواب الجدد رد فعل يوازي ما حصل في 17 تشرين.
قد يكون من الظلم أن يحاسب النواب الجدد من القوى التغييرية على أدائهم ولم يمرّ على انتخابهم سوى عشرة أيام. لكن، في المقاربة الأولى، فإن انتقاد بعض المشاهد الأولى لـ14 نائباً جاء بحجم الآمال المعلقة عليهم ممن اقترعوا لهم، وهم الذين لم يختبروا بعد العمل السياسي، بحقيقته وألاعيبه، في مقابل عتاة السياسة التقليدية من شخصيات حزبية وقوى سياسية تقليدية ومخضرمة. لكن الشرط الأول لأي من النواب هو المساءلة، فيما مشكلة هؤلاء – كما كثير من شخصيات ما يطلق عليه المجتمع المدني – أنهم ديكتاتوريو النزعة في مواجهة أي انتقادات.
ثمة مسلّمات أساسية يفترض بالنواب «التغييريين» التعامل معها بواقعية.
أولاً، أنهم ليسوا نواباً «درجة أولى» وغيرهم من درجة ثانية أو ثالثة، وأنهم سواسية مع الآخرين، حزبيين أم مستقلين ومن المعارضة أو الموالاة. كما أن هناك نواباً من خارج الحلقة الـ14 لا يمكن المزايدة عليهم في الرؤية السياسية أو الإصلاحية وفي المواقف الوطنية. كما أن ثمة حقيقة يفترض أن يتعاملوا معها بجدية، هي أن وصولهم إلى المجلس لم يكن بسبب التصويت لهم كأشخاص، أو بسبب أصواتهم التفضيلية ما عدا حالة أو حالتين معروفة الخلفيات السياسية، بل هم انتخبوا نتيجة رد فعل التصويت للتغيير كحالة، ورفضاً للأحزاب أو السلطة، وأن التصويت تم للائحة وليس لأشخاص، على عكس ما كانت عليه حال اللوائح الأخرى. وهذه حقيقة تؤكدها الأرقام ويفترض أن ترافقهم طوال ولاية المجلس.
ثانياً، لا يملك هؤلاء النواب ترف الوقت للخروج من حالة الفورة الشعبية إلى العمل البرلماني، والتعامل معه على أسس سليمة ومن قلب النظام وليس الانقلاب عليه. فما يصح في الشارع لا يصح داخل المجلس بطرح شعارات واقتراحات تمسّ النظام وأعرافه، كما الحديث عن تغيير رئيس المجلس النيابي وطائفته. وثمة مسؤولية يفترض بهؤلاء أن يتمتعوا بها، قبل الدخول في متاهات تكسر الأعراف والأسس التي تقوم عليها تركيبة النظام. فهذا يتخطى الإطار التغييري ليصبح أقرب إلى الخفّة السياسية.
ثالثاً، على «التغييريين» تحديد أولويات المرحلة المقبلة التي تبدأ بانتخاب رئيس للمجلس النيابي ونائبه وهيئة مكتب المجلس، وتسمية رئيس حكومة ومن ثم تشكيل الحكومة وانتخاب رئيس للجمهورية. كل هذه الاستحقاقات هي جوهر السياسة الداخلية ولبّها الحقيقي في مرحلة مصيرية يبنى عليها مستقبل النظام اللبناني وديمومته. ولا يمكن لهؤلاء، مهما تعددت الآراء في ما بينهم، أن يتعاملوا مع هذه العناوين وكأنها تأتي في مرتبة جانبية أو هامشية بعد أفكار اجتماعية وبيئية لا تتقدم كأولوية في النقاش حول مصير لبنان كبلد أولاً وآخراً. وطريقة مقاربة استحقاق انتخاب رئيس المجلس ونائبه لا تبشّر بكثير من الخير. والاصطفافات التي تحوم حول موقع نائب رئيس المجلس تعطي فكرة عن كيفية مقاربة رئاسة الحكومة لاحقاً، كاسم رئيس الحكومة، من دون الأخذ في الاعتبار التوازنات المحلية والإقليمية، لإسقاط بعض الأسماء ذات الوقع الرنّان، وحين يتحول البعض مستوزراً أو طامحاً للعب دور خارج الإطار الضيق، وحين تشتد العصبيات لتصير أكثر حدّة.
رابعاً، لم يقترع اللبنانيون اليوم على قاعدة عناوين اقتصادية وإنمائية. ومن السذاجة أن يعتقد «التغييريون» أنهم وصلوا من أجل تشريع شعارات اجتماعية وبيئية. المعركة بعنوانها الأساسي كانت بين حدّين سياسيين، المعارضة والموالاة، وعناوين تبدأ بمعارضة العهد وإسقاط حلفائه وصولاً إلى سلاح حزب الله و«الاحتلال الإيراني» وإسقاط «مشروع حلفاء الولايات المتحدة والسعودية» والتدخل الغربي. فوز النواب «التغييريين» يحتّم عليهم، عاجلاً أم آجلاً، مواجهة عناوين سياسية ونقاشات وتشريعات. فهم ليسوا تكنوقراط في حكومة، بل نواب منتخبون، لهم دورهم التشريعي في مواجهة محنّكين في المجلس. ومن المفيد، بعد كلام الأيام الأخيرة لهم، معرفة رأيهم في اتفاق الطائف والتعديلات التي تطرح بين حين وآخر، والعلاقة مع الدول العربية والغربية والاقتصاد شرقاً أو غرباً وخطة صندوق النقد، ووضع حاكم مصرف لبنان، قبل معرفة رأيهم في ما يتعلق بحقوق اجتماعية متعددة الوجوه وكثيرة الشعارات الرائجة في بعض البيئات والمجتمعات، أو خطة نقل عصرية والطاقة البديلة.
مجلس عام 2022 حساس وخطر بالمعنى السياسي، وخريطة تشكّله المتشابكة الحالية تزيد من خطورته. والنواب «التغييريون» هم، أولاً وآخراً، في مواجهة كتل سياسية تطحنهم في معركة المواجهة السياسية المقبلة. وسيكونون أمام امتحانات سياسية صعبة، بعدما انتهت احتفالية الانتصارات، وإلا سيكون مصيرهم كما مصير آخرين وصلوا عن طريق قوى سياسية من دون أن يتركوا بصمة في المجلس، ولم يحملوا لقب النائب سوى لمرة واحدة. والأمثلة كثيرة.
هيام القصيفي – الأخبار
مصدر الخبر
للمزيد Facebook