آخر الأخبارأخبار دولية

مخيم عشوائي للقاصرين غير المصحوبين في باريس.. “اعتقدنا أننا سنجد الجنة هنا، لكننا نموت من البرد”

أكثر من 100 مهاجر، معظمهم قاصرون وعائلات، يعيشون في مخيم عشوائي في نفق، شمال باريس. وفي ظل البرد القارس وتجاهل السلطات لأوضاعهم، يعيش هؤلاء في خوف شديد من الشتاء، في ظل عدم تلقيهم أي وعود بتحسن حالهم.

لا يخطر ببال المارة بالقرب من منطقة “بورت دو بونتان” شمال باريس، ذات الطابع الفني، أن مخيماً عشوائياً للمهاجرين يقع في الحي. فعلى بعد مئات الأمتار من مبنى أوركسترا باريس، أحد أهم المسارح الموسيقية في العاصمة الفرنسية، أنشأت جمعية يوتوبيا 56 مخيماً عشوائياً للقاصرين غير المصحوبين بذويهم، وذلك في نفق أسفل الطريق الدائري المحيط بالمدينة.

منذ نحو ثلاثة أشهر، يأوي المخيم أكثر من 100 مهاجر، معظمهم قاصرون بالإضافة إلى بعض العائلات، وينحدرون بشكل أساسي من دول أفريقيا جنوب الصحراء وشمال أفريقيا. يعاني المهاجرون من البرد القارس من جهة، ومن تجاهل السلطات الفرنسية من الجهة الأخرى، في ظل خوفهم الشديد من فصل الشتاء وما سيحمله من أمطار وثلوج محتملة.

للمزيد >>>> باريس ولندن تعلنان التنسيق المشترك لمكافحة شبكات الإتجار بالبشر وتتبادلان الاتهامات حول فاجعة المانش

“ألتحف ستة أغطية خلال الليل.. لكنها غير كافية في هذا البرد القارس”

يجلس أمادو، وهو مهاجر من ساحل العاج يبلغ عمره 16 عاماً، على كرسي بجانب خيمته. يقول “الجهات الرسمية لم تعترف بأنني قاصر، طلبوا مني أن أحضر شهادة ميلادي من ساحل العاج. لكن والداي لا يملكان المال الكافي لإرسال الورقة المطلوبة. الآن أنا أنتظر جلسة الاستئناف، على أمل أن أستلم شهادة ميلادي قبل الجلسة. وإلى ذلك الحين، لا خيار أمامي سوى البقاء في هذا المخيم”.

خيام المهاجرين في النفق. شمال باريس. المصدر: موسى أبوزعنونة/مهاجر نيوز

ويصف الوضع في المخيم قائلاً “في الليل، الجو يكون بارداً جداً. ألتحف ستة أغطية لكن دون جدوى. الخيام التي ننام فيها غير معدة لمواجهة الشتاء. سمعنا أن الثلوج ستتساقط قريباً، سنموت من البرد لا محالة”.

“أعداد المهاجرين تتزايد في المخيم والنفق لا يستوعب أي خيام إضافية”

ووفقاً لكيريل، وهو منسق جمعية يوتوبيا 56 في باريس، فإن أعداد المهاجرين في المخيم تتزايد بشكل شبه يومي. ويشرح “أنشأنا هذا المخيم قبل نحو ثلاثة أشهر. وبعد شهر ونصف تقريباً، قامت السلطات بإجلاء المهاجرين، لكنها نقلتهم إلى منشآت خاصة بالبالغين، والتي رفضت بدورها استقبالهم. لذا عاد المهاجرون إلى هنا، وحتى اللحظة لم تتم أي عمليات تفكيك أو إجلاء”.

وتابع “كما ترون، النفق أصبح ممتلئاً بالخيام، وبعض المهاجرين وضعوا خيامهم خارج النفق. لا يمكن أن نتخيل وضعهم في حال تساقط أمطار أو ثلوج”.

مدخل النفق الذي لم يعد يستوعب أي خيام إضافية، مما اضطر المهاجرين للتخييم خارجه. المصدر: موسى أبوزعنونة/مهاجر نيوز
مدخل النفق الذي لم يعد يستوعب أي خيام إضافية، مما اضطر المهاجرين للتخييم خارجه. المصدر: موسى أبوزعنونة/مهاجر نيوز

وتتعاون عدة جمعات ومنظمات غير حكومية لتقديم بعض المساعدات للمهاجرين في المخيم. بالإضافة إلى يوتوبيا 56، هناك “سوليداريتي ويلسون ميغرانت”، و”ريستو دو كور”، بالإضافة إلى منظمة أطباء العالم.

يقول كيريل “نقوم بشكل يومي بإبلاغ السلطات بحقيقة الوضع هنا، ونطلب التدخل العاجل لإيجاد حلول لأطفال وعائلات يعيشون في البرد القارس، لكن لم نتلق أي ردود إيجابية”.

للمزيد >>>> تعزيزات فرنسية لمراقبة بحر المانش.. وزيادة كبيرة في محاولات العبور

“سكان الحي هم مصدر الدعم الأول للمهاجرين”

من وجهة نظر كيريل، المثير للاهتمام في هذا المخيم هو أن سكان الحي لا يمانعون وجوده، بل على العكس تماماً “هم يُعتبرون مصدر الدعم الأول للمهاجرين. كل يوم يقدمون الملابس والطعام لهم”، مشيراً إلى أنه في أغلب الأحيان، يكون سكان المنطقة المحيطة بالمخيمات العشوائية أول المعارضين لها.

وأثناء تواجد فريق مهاجر نيوز في المخيم، توقفت سيارة مدنية وترجل منها رجلان بدءا بالتحدث مع إحدى المهاجرات بلهجة تونسية. عندما تأكدا من وجود أطفال، قاما بتوزيع الحليب والخبز على العائلات. قال أحدهما لمهاجر نيوز “كلما توفر لدينا المال نقوم بإحضار بعض الحليب والخبز إلى هنا. نحن سعيدون لتمكننا من القيام بهذا الدور، على أمل أن يتحسن حال هؤلاء الأشخاص”.  

بعض عبوات الحليب التي قدمها سكان الحي للمهاجرين في المخيم. المصدر: موسى أبوزعنونة/مهاجر نيوز
بعض عبوات الحليب التي قدمها سكان الحي للمهاجرين في المخيم. المصدر: موسى أبوزعنونة/مهاجر نيوز



“قالوا لنا إن فرنسا هي الجنة”

يعيش معظم المهاجرين المتواجدين في المخيم في حالة من الصدمة بسبب الاختلاف الهائل بين الصورة التي كانت في خيالهم عن فرنسا وأوروبا، وبين الواقع الذي يعيشونه منذ قدومهم. تقول خديجة، وهي من ساحل العاج، إنها قدمت إلى فرنسا دون خطة واضحة، ودون دراية كاملة بالإجراءات الإدارية اللازمة لبقائها بشكل قانوني في الجمهورية. تشرح “قالوا لنا إن فرنسا هي الجنة، وأن الحياة هنا سهلة، لذلك لم أفكر كثيراً قبل القدوم، لكنني صدمت من الواقع. منذ ثلاثة أسابيع وأنا أنام في الشارع”.

أما الحسن، وهو مهاجر غيني رفضت السلطات الاعتراف بأنه قاصر، فكل ما يحلم به هو الالتحاق بالمدرسة. يقول “أحياناً أتساءل، هل يعقل أنني تمكنت من النجاة في ليبيا، وعبرت البحر كاملاً ووصلت إلى أوروبا، ومع ذلك لا أزال غير قادر على الالتحاق بالمدرسة؟”.

خيام المهاجرين في المخيم، وتظهر في الصورة بعض مقتنياتهم الشخصية. المصدر:موسى أبوزعنونة/مهاجر نيوز
خيام المهاجرين في المخيم، وتظهر في الصورة بعض مقتنياتهم الشخصية. المصدر:موسى أبوزعنونة/مهاجر نيوز

من جانبها، قالت زينب*، وهي جزائرية وأم لطفلين، “كل ما أحلم به هو الحصول على غرفة واحدة، فقط غرفة واحدة أعيش فيها أنا وزوجي وطفلاي، وأتمكن من تسجيلهما في المدرسة”. (تشترط المدارس في فرنسا وجود عنوان ثابت للطفل حتى يتم تسجيله ويتمكن من الالتحاق بها).

وتتابع “قضينا في البحر ليلتين على متن قارب مكتظ إلى أن وصلنا إلى ألميريا في إسبانيا. كان هدفنا واضحاً، نريد الوصول إلى فرنسا. لكن منذ أن وصلنا إلى هنا في حزيران/يونيو الماضي، ونحن نعاني ونعيش في الشارع”.

زينب وابنتها أمام خيمتهما. المصدر: مهاجر نيوز
زينب وابنتها أمام خيمتهما. المصدر: مهاجر نيوز

لا يختلف وضع أحمد*، وهو شاب جزائري يبلغ عمره 22 عاماً، عن أقرانه من المهاجرين في المخيم، لكن قلقه ومعاناته تكاد تكون مضاعفة، لأن زوجته حامل في الشهر الثامن، وبات موعد ولادتها قريباً. يقول “نكذب على أهلنا ولا نخبرهم أننا نعيش في خيام. يعتقدون أنني وجدت عملاً وأن حياتنا بدأت بالاستقرار. ماذا سأقول لأهل زوجتي؟ أني جلبت ابنتهم الحامل وأعيش معها في خيمة؟”.

وفي إجابة على سؤال يتعلق بما سيفعله في حال بدء مخاض الولادة، أجاب “لم أفكر ولا أفكر بأي خطة أو تصرف معين. سآخذ زوجتي إلى المستشفى وأصرخ طالباً المساعدة، على أمل أن يستجيبوا”.

وأضاف “الأيام هنا متشابهة. لا يتغير أي شيء، ولا يوجد لدينا أمل بأن يتغير الوضع”. ثم نفث دخان سيجارته، وأخذ نصيبه من الحليب والخبز، وعاد إلى خيمته حيث تنتظره زوجته.

*اسم مستعار

موسى أبو زعنونة، موفد مهاجر نيوز إلى “بورت دو بونتان”


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى