آخر الأخبارأخبار دولية

الحملة المستعرة ضد القاضي طارق بيطار تشل حركة الحكومة اللبنانية


نشرت في: 19/10/2021 – 17:07

من خلال ربط مصير قاضي التحقيق اللبناني طارق بيطار، الذي يطالب البعض بعزله من منصبه في التحقيق في انفجار مرفأ بيروت، بمصير حكومة رئيس الوزراء نجيب ميقاتي، فإن الوزراء المقربين من الثنائي الشيعي المكون من حزب الله الموالي لإيران وحركة أمل، يشلون السلطة التنفيذية في لبنان.

إن حكومة رئيس الوزراء نجيب ميقاتي، التي تشكلت في 10 أيلول/سبتمبر بعد ثلاثة عشر شهرا طويلة من الفراغ السياسي وفي خضم الانهيار الاقتصادي في لبنان، باتت معرضة بالفعل لخطر الانهيار. ففي الوقت الذي كان عليها فيه أن تركز على إطلاق الإصلاحات من أجل إخراج البلاد من الأزمة الاقتصادية المتفاقمة، يجد مجلس الوزراء نفسه في حالة شلل بسبب التوترات السياسية حول ملف التحقيق في الانفجار المدمر والمميت في مرفأ بيروت والذي وقع في 4 آب/أغسطس 2020. توترات تسببت في حدوث عنف قاتل جرى في 14 تشرين الأول/أكتوبر في العاصمة اللبنانية على هامش مظاهرة نظمها حزب الله وحليفه، حركة أمل، للمطالبة بإقالة القاضي طارق بيطار، المسؤول عن التحقيق.

بيد أنه، وبينما كان الوضع يتدهور في الشارع وتذكر الأحداث المواطنين اللبنانيين بصور بعض الوقائع الدموية للحرب الأهلية (1975-1990)، رفضت محكمة النقض في 14 تشرين الأول/أكتوبر الشكاوى التي قدمها بعض الوزراء السابقين ضد طارق بيطار، مما سمح له باستئناف تحقيقاته في قضية الانفجارات التي وقعت في مرفأ بيروت.

يوضح أنطوان صفير، المحامي في بيروت وباريس، وأستاذ القانون الدولي في جامعة القديس يوسف في بيروت، والذي حاورته فرانس24: “من وجهة نظر قانونية، فإن كل شيء واضح… لأنه وفقا للقرارات الصادرة عن المحاكم اللبنانية المختلفة، التي تم اللجوء إليها في الأسابيع الأخيرة، فإن القاضي طارق بيطار هو المسؤول عن التحقيق،  لكن من وجهة نظر سياسية، أصبحت هذه المسألة كقنبلة موقوتة بالنسبة للحكومة.

 

الحكومة منقسمة على نفسها

ولسبب ما، اتخذ الثنائي السياسي الشيعي موقفا ضد القاضي طارق بيطار داخل مجلس الوزراء. ففي 12 تشرين الأول/أكتوبر، طلب وزراء مقربون من هذا الثنائي اتخاذ موقف في مجلس الوزراء بشأن عزل القاضي من التحقيقات. فهم يتهمونه بتسييس القضية وإصدار أوامر اعتقال بحق وزراء سابقين مقربين من حزب الله، بمن فيهم علي حسن خليل، وهو نفسه شخصية قيادية في حركة أمل.

أثارت هذه المبادرة نقاشا ساخنا حول الفصل بين السلطات في مجلس الوزراء، ووصل الأمر إلى تأجيل الجلسة. بينما ذكرت وسائل إعلام لبنانية أن الاجتماع الذي كان مقررا عقده في اليوم التالي قد تم تأجيله لتجنب أزمة جديدة، وسط شائعات بأن الوزراء الشيعة سيلوحون بالاستقالة لابتزاز المجلس إذا لم تتخذ الحكومة قرارا بشأن القاضي.

وفي إشارة إلى هذا الانقسام داخل السلطة التنفيذية، قدم جبران باسيل، زعيم التيار الوطني الحر، القوة المسيحية الرئيسية في البرلمان وحليف حزب الله، دعما ضمنيا للقاضي. وقال: “إن التيار الوطني الحر مع استمرار التحقيق والكشف عن الحقيقة وتقديم المسؤولين إلى العدالة”. وكان وزير العدل اللبناني هنري خوري قد أعرب بدوره عن دعمه للقاضي يوم السبت الماضي، قائلا إنه يحق له استدعاء أي شخص، وذلك وفقا لتلفزيون الجديد.

وأشار إلى أنه ليس لديه السلطة لاستبدال طارق بيطار، والذي كان هدفا خلال شهر أيلول/سبتمبر للتهديدات التي وجهها مسؤول كبير في حزب الله الذي يبدو مهووسا بهذا التحقيق، لا سيما وأن الشائعات بأن الحزب متورط في تخزين أطنان من نترات الأمونيوم بالمرفأ، وهو ما تسبب في انفجارات 4 آب/أغسطس 2020، لا تزال منتشرة في البلاد.

يوم الاثنين 11 تشرين الأول/أكتوبر، في خطاب متلفز، هاجم حسن نصر الله، الأمين العام للحزب الموالي لإيران، مجددا القاضي بيطار متهما إياه بـممارسة “الاستهداف السياسي”، ومشككا في رغبته “الكشف عن الحقيقة”. “لقد فاض الكيل. سنستخدم كل الوسائل القانونية المتاحة، وإن لم ينجح ذلك، فسنمسك بك”. ووفقا للعديد من وسائل الإعلام اللبنانية، فإن هذا هو محتوى الرسالة التي كان من المفترض أن يبعث بها وفيق صفا، رئيس جهاز أمن حزب الله، إلى القاضي بيطار عبر صحفي ظلت هويته سرية.

وقد استبعد رئيس الوزراء نجيب ميقاتي، الواقع بين مطرقة الضغط السياسي الداخلي وسندان تصميم أسر الضحايا الذين ما زالوا مرتبطين بالقاضي بيطار، تماما فكرة تقديم استقالته. فقد صرح لموقع “المدن” الإخباري، في مقابلة نشرت يوم الأحد الماضي، إنه لن يعقد جلسة لمجلس الوزراء حتى يتم التوصل إلى حل لهذه المسألة. ورفض رئيس الوزراء اتخاذ موقف من النظام القضائي، المساند حتى الآن للقاضي بيطار الذي سيستقبله المجلس الأعلى للقضاء يوم الثلاثاء للاستماع إليه بشأن تقدم التحقيق. “لن أتدخل في عمل العدالة. لقد أبلغت الجميع أنني لن أتدخل في عمل قاضي التحقيق في محكمة العدل طارق بيطار”، هكذا قال نجيب ميقاتي للمدن.

“إن طالبتم بالعدالة، فلن تحصدوا سوى حرب أهلية أخرى”

تقول منى فواز، أستاذة في الجامعة الأمريكية في بيروت وعضو في منظمة “بيروت مدينتي”، إحدى منظمات المجتمع المدني الناشطة في انتفاضة 17 تشرين الأول/أكتوبر 2019: “إذا بدا أن رئيس الوزراء ومسؤولين آخرين يدعمون القاضي، فذلك لأنه يتعرض لضغوط شعبية هائلة من المواطنين المتعطشين للعدالة”.

وقالت فواز في حوارها مع فرانس 24: “لقد فقد اللبنانيون الثقة في معظم مؤسسات البلاد التي تواصل الطبقة السياسية الفاسدة نفسها التهامها منذ ثلاثين عاما تقريبا”. وما نشهده اليوم ما هو إلا محاولة لتقويض استقلال القضاء، وبالتحديد في قضية انفجارات 4 آب/أغسطس 2020، والتي يعتبرها الكثيرون منا نتيجة لإهمال النخبة السياسية”.

وتقول فواز إنها ترى في الصدام السياسي حول التحقيق والقاضي بيطار، وهو الصدام الذي تجلى في قتال الشوارع في 14 تشرين الأول/أكتوبر “كهجوم مدبر ومنظم من قبل الأحزاب السياسية” من أجل إرسال رسالة إلى المواطنين اللبنانيين مفادها: “إن طالبتم بالعدالة، فلن تحصدوا سوى حرب أهلية أخرى”.

لقد تحول الصراع السياسي حول القاضي بيطار إلى صراع أمني في الشارع وذلك في تمام اللحظة التي يجب فيها فعل كل شيء لتجنب استقالة الحكومة “وهو ما سيطلق رصاصة الرحمة على الآمال الأخيرة في حدوث طفرة اقتصادية” كما يؤكد أنطوان صفير.

هذا و”يثبت أن النظام السياسي اللبناني يمر بأزمة. فأدنى خلاف حول قضية اقتصادية أو أمنية أو قضائية سيكون له تداعيات وجودية على الحكومة”.

 

النص الفرنسي: مارك ضو | النص العربي: حسين عمارة


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى