التنظيم الراقي لزيارة البابا جاء متناسبا مع تاريخيتها

ولعلّ ما ميّز هذه الزيارة أكثر هو ذاك الشعور العام بأن الدولة، بكل مؤسساتها، قررت أن ترتقي إلى مستوى الحدث. فالتنظيم لم يكن مجرّد ترتيبات لوجستية، بل كان فعل احترام لضيف يشكّل حضوره على أرض لبنان لحظة نادرة في تاريخ الشعوب. لذلك بدا كل تفصيل بدءًا من طريقة استقبال الوفد الفاتيكاني، إلى دقة المواعيد، إلى انسيابية الانتقال بين المحطات، وكأنه يقول إن لبنان، على رغم أزماته، لا يزال قادرًا على أن يقدّم صورة مشرقة عنه حين تتوحّد الإرادات.
وقد نجحت اللبنانية الأولى في إضفاء البعد الإنساني والوجداني على هذا التنظيم، فأمسكت بخيط التوازن الصعب بين البروتوكول والروحانية، بين الرسمي والوجداني، فبدا المشهد وكأن لبنان كله يقف لاستقبال ضيف استثنائي، لا مجاملةً، بل محبةً واحترامًا وتقديرًا للدور الروحي الذي يمثّله.
وهكذا، أثبتت هذه الزيارة أن لبنان، حين يريد، يستطيع أن يكون على قدر رسالته. وأن هذا البلد الصغير، المنهك اقتصاديًا، المرهق سياسيًا، لا يزال يمتلك القدرة على صناعة مشهد يليق بتاريخه الروحي، ويليق بضيف بحجم قداسة الحبر الأعظم.
وفي المحصّلة، بدت زيارة البابا لاوون الرابع عشر كأنها مرآة عاكسة للحقيقة اللبنانية: بلدٌ تتقاذفه الأزمات حين ينقسم، لكنه يبدع ويتألّق حين تتوحّد إرادته. وما جرى خلال هذه الأيام الثلاثة كان شهادة حيّة على أن لبنان، على رغم الضيق والوجع، لا يزال قادرًا على تقديم صورة حضارية مشرقة تُعيد التذكير برسالته العميقة في هذا الشرق المضطرب. فالتنظيم الدقيق لم يكن ترفًا، بل احترامًا لرمزية الحدث، وللرسالة التي حملها البابا معه إلى كل بيت لبناني.
لقد أعادت الزيارة التأكيد أن هذا الوطن، مهما انحنى تحت ثقل أزماته، ما زال يحتفظ بجذوة حياة لا تُطفئها العواصف، وبقدرة دائمة على النهوض حين يلتقي أبناؤه على كلمة واحدة: أن لبنان يستحق الأفضل.
وهكذا، غادر الحبر الأعظم لبنان، لكن صدى التنظيم الرفيع، والالتفاف الشعبي، وروح الاحترام التي غمرت كل محطات الزيارة، بقيت شاهدة على بلد يعرف كيف يصنع الجمال حتى في أشد لحظات العتمة. وفي زمن تزداد فيه الحاجة إلى بصيص رجاء، جاء هذا الحدث ليقول إن لبنان، كما الكنيسة نفسها، يولد من جديد في كل مرة يظن البعض أنه شارف على الانطفاء.
ألهم إحم هذا الوطن-الاعجوبة.
مصدر الخبر
للمزيد Facebook





