استنفار دبلوماسي على وقع التسخين الإسرائيلي.. أي تأثير للحراك الدولي؟

وإذا كانت هذه التهديدات الإسرائيلية القديمة الجديدة تنسجم مع اعتبار تل أبيب أنّ وقف إطلاق النار، الذي لم تلتزم به أساسًا، لم يكن نهاية للحرب، بل استراحة مؤقتة، فإنّ المفارقة أنّها تأتي اليوم وسط استنفار إقليمي ودولي يكاد يكون غير مسبوق، وهو ما يترجم خلال هذا الأسبوع بزيارات متتالي لموفدين أميركيين وأوروبيين، فضلاً عن وفد من مجلس الأمن في طريقه إلى بيروت ودمشق، وكلّ هؤلاء يشدّدون على أهمية تطبيق القرارات الدولية وحماية الاستقرار.
لكنّ هذا الحراك، على أهميته، يصطدم بحقيقة يعرفها اللبنانيون جيدًا، وهي أنّ القرار الفعلي بالحرب أو الهدنة لا يصدر عن نيويورك أو جنيف، بل من مراكز القرار في تل أبيب وواشنطن، فيما تبقى المؤسسات الدولية في كثير من الأحيان مجرّد إطار لتسجيل المواقف.فأيّ حدود لتأثير الحراك الدولي في ضوء ما يصفه البعض بـ”الفجوة” بين مستوى التصعيد في الخطاب الإسرائيلي، وبين محدودية قدرة المجتمع الدولي على التأثير الفعلي في مسار الأحداث؟
تهديدات متكررة وضغط سياسي
بالعودة إلى مضمون الرسائل الإسرائيلية، فعلى الرغم من أنّ وتيرتها ارتفعت في اليومين الماضيين، بما أوحى للبعض بأنّ تل أبيب تقرع طبول الحرب مع لبنان، فإنّ الواقع يقول غير ذلك، باعتبار أنّ “لا جديد في المبدأ”. فالتهديدات الإسرائيلية ليست بجديدة، لا منذ اتفاق وقف إطلاق النار الأخير فحسب، بل منذ سنوات، إلا أنّ وتيرتها المكثّفة هذه المرة، وتزامنها مع تسريبات تتعمّد تضخميها حول مستوى “التأهّب” على الحدود الشمالية هو ما يدعو إلى القلق.
لكن أبعد من الحرب، سواء النفسية أو العسكرية، يقول العارفون إن هذا الخطاب يخدم أكثر من هدف في الداخل الإسرائيلي نفسه. فهو يقدّم للشارع صورة جيش “يقظ” لا يترك جبهة الشمال من دون متابعة، ويمنح الحكومة ورقة ضغط إضافية في أي نقاش حول أولويات المرحلة المقبلة، علمًا أنّ كل تهديد مرفق بإشارة إلى “خطر من الشمال” يعني تذكيرًا مستمرًا بأن ملف لبنان حاضر على الطاولة، حتى لو لم تكن هناك نية فورية للذهاب إلى حرب واسعة.
يبقى بطبيعة الحلل، ما يرتبط بالجانب اللبناني، حيث لا بدّ أن يُترجم هذا الخطاب كعامل ضغط إضافي على ساحة سياسية هشّة أصلًا، وهي لم تتجاوز بعد “صدمة” الحرب الإسرائيلية الأخيرة، ما يجعل أي تهديد خارجي عنصر توتر مضاعف. لكن في الوقت نفسه، يرى العارفون أنه لا توجد مؤشرات حقيقية إلى أن إسرائيل تستعد لعمل عسكري كبير في المدى القصير، طالما أنّها أساسًا تفعل ما تشاء بلا حرب واسعة، ولو أنّ التلويح بها يخدم رفع سقفها التفاوضي.
حراك دولي محدود الفعالية؟
في موازاة التصعيد الإسرائيلي سواء على مستوى “التأهّب” على الحدود، أو على مستوى الحرب النفسية المتصاعدة، من خلال التصريحات السياسية والتسريبات الإعلامية المتلاحقة، تبدو لافتة الحركة الدبلوماسية التي تشهدها بيروت، والتي تأتي في سياقها زيارة وفد من مجلس الأمن إلى لبنان وسوريا، وعي زيارة تندرج وفي المعلومات، في جانب واسع منها، ضمن المتابعة الدورية للوضع الميداني في الجنوب وعمل قوات “اليونيفيل”.
ومع أنّ هذا النوع من الزيارات يعطي إشارة بأن الملف اللبناني حاضر على “أجندة” المنظمة الدولية، لكنه لا يعني تلقائيًا أن المجلس ذاهب إلى قرارات جديدة أو إلى إعادة صياغة شاملة للقرارات القائمة، علمًا أنّ التجربة اللبنانية مع الأمم المتحدة ليست مشجّعة على المبالغة في التعويل عليها. فالقرارات الدولية المتعلقة بلبنان، من 425 إلى 1701، بقيت في معظمها رهينة ميزان القوى على الأرض، إذ خرقتها إسرائيل مرارًا وتكرارًا، من دون أن يحاسبها أحد.
من هنا، فإنّ الأنظار تبقى مركّزة في المقام الأول، على زيارات الموفدين الأميركيين، الذين يحملون في الغالب “كلمة السرّ”، وإن أخفوها بين عباراتهم، فواشنطن تمسك عمليًا بمفاتيح أساسيّة في ما يتعلق بإسرائيل، ولذلك تصبح أيّ رسائل أو مطالب أميركية، سواء تعلّقت بضبط الحدود، أو بمصير سلاح “حزب الله”، أو بترتيبات اقتصادية وأمنية، أكثر تأثيرًا من بيانات تصدر عن مجلس الأمن أو جولات استكشافية لوفوده.
في الخلاصة، قد لا تغيّر زيارة وفد من مجلس الأمن شيئًا جوهريًا في معادلة القوة على الحدود، وقد لا توقف التهديدات الإسرائيلية. لكنها تذكير إضافي بأن لبنان ما يزال تحت المجهر، وأن الخيارات الكبرى تُناقَش من حوله أكثر مما تُناقَش فيه. وفي غياب قدرة حقيقية على التأثير في تلك الخيارات، تبقى مسؤولية القوى اللبنانية أن تمنع، على الأقل، تحوّل التهديدات الدائمة إلى واقع جديد يُفرض على البلاد من دون أي نقاش أو استعداد.
مصدر الخبر
للمزيد Facebook





