آخر الأخبارأخبار محلية

الراعي: الوطن يُبنى على صخرة القيم لا على مصالح الأفراد والأحزاب

ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قداس الأحد في كنيسة السيدة في الصرح البطريركي في بكركي عاونه فيه المطرانان انطوان عوكر والياس نصار، أمين سر البطريركية الأب فادي تابت، أمين سر البطريرك الأب كميليو مخايل، في حضور حشد من الفاعليات والمؤمنين. 

قال: “يسعدني أن أرحب بكم جميعًا للاحتفال بهذه الليتورجيا الإلهية. وأوجّه تحية خاصة لعائلة المرحوم ميلاد مسعود الذي ودّعناه منذ حوالي الشهر مع أولاده وأشقائه وشقيقاته. وقد عرفناه مع المرحومة زوجته سهام عبدالله بو خليل أثناء خدمتنا الكهنوتية في رعية الضبية العزيزة. نذكره مع زوجته في هذه الذبيحة الإلهية ونعزي أسرته وأنسباءهم. لقد آلمنا، كما جميع اللبنانيين، اغتيال الشاب الطالع إليو أبو حنّا على مدخل مخيّم شاتيلا الفلسطيني منذ أسبوع. فإنّا نعزّي والدَيه، ونصلّي لراحة نفسه، وندين أشدّ الإدانة هذا الاغتيال الغاشم. “أنت المسيح ابن الله الحيّ” (متى 16: 16). جواب سمعان بطرس هذا لم يكن عبارة نظرية أو فكرة فلسفية، بل إعلان إيمان حيّ بالمسيح. فالإيمان الحقيقي لا يُكتسب بالذكاء، بل يوهب بالنعمة. إنّه نور في القلب، لا مجرّد معرفة من العقل. من هذا النور وُلدت الكنيسة وبدأ تاريخ الخلاص. فكما أسّس المسيح كنيسته على إيمان بطرس، كذلك تُبنى الأوطان على إيمان أبنائها بالحقّ والعدالة والكرامة الإنسانية. وكما قال الرب: «على هذه الصخرة أبني كنيستي»، كذلك الوطن يُبنى على صخرة القيم، لا على مصالح الأفراد أو الأحزاب”.

أضاف: “الإيمان الذي أعلنه بطرس هو إيمان صادق وثابت، لا يتقلّب مع الظروف، بل يصمد أمام العواصف. وهذا ما نحتاجه اليوم في لبنان: إيمان وطني ثابت، يضع مصلحة الوطن فوق كل مصلحة، ويعتبر الإنسان أغلى من كل حساب. لبنان يعيش مرحلة دقيقة: الاقتصاد منهك، المؤسسات مشلولة، الشعب يتألم، والمغتربون الذين يحملون صورة لبنان في العالم يطالبون بحقّهم المشروع في المشاركة بصنع القرار الوطني. فقانون انتخاب المغتربين، الذي أصبح حديث الساعة في الحياة السياسية اللبنانية. فبحسب القانون رقم ٤٤/٢٠١٧  وتحديدًا المادتين ١١٢ و١٢٢، خُصِّص للمغتربين اللبنانيين ستة مقاعد في مجلس النواب (واحد لكل قارة). لكنّ العديد من القوى الوطنية تطالب اليوم بحقّ المغتربين الكامل في انتخاب جميع النواب الـ١٢٨، لا أن يقتصر تمثيلهم على ستة فقط. فالمغترب اللبناني ليس مواطنًا من الدرجة الثانية. بل هو ابن هذا الوطن، غادره مكرهًا أو ساعيًا وراء لقمة العيش، لكنه بقي مرتبطًا به عاطفيًا واقتصاديًا وإنسانيًا”. لقد ساهم المغتربون، وما زالوا، في دعم لبنان في أصعب الأوقات، بالتحويلات المالية، وبالمشاريع، وبالصورة الإيجابية التي نقلوها عن بلدهم. فهل يُكافأون اليوم بتقليص حقّهم الدستوري؟

إن تعطيل إدراج تعديل هذا القانون على جدول أعمال مجلس النواب، وتأخير تطبيق حقّ الانتخاب الكامل، هو تراجع عن مبدأ المساواة والمواطنة بحسب الدستور. فالوطن لا يقوم بالتهميش، بل بالمشاركة الكاملة بين أبنائه المقيمين والمنتشرين”.

وختم: “ليست الكنيسة مبنيّة على صخرة من حجر، بل على صخرة الإيمان، والحق، والثقة بالله. هذه الصخرة هي التي جعلت الكنيسة ثابتة على مرّ العصور، تسير بين الأزمات والاضطهادات، وتعزيات الله، فتبقى حيّة لأنها مبنية على الحقيقة والمحبة.

وكما تُبنى الكنيسة على الإيمان، هكذا أيضًا تُبنى الأوطان على الحقيقة والعدالة والضمير. الإيمان الذي جعل بطرس قائدًا روحيًّا هو نفسه الإيمان الذي يُفترض أن يُلهم كل مسؤول وكل مواطن ليكون خادمًا للخير العام، لا لنفسه ولا لفئته. فالوطن الذي اهتزّت فيه القيم، وتزعزعت فيه الثقة، بحاجة إلى من يُعيد بناءه على صخرةٍ جديدة، صخرة الحقّ والمساواة والمواطنة الصادقة. وها الوطن ينتظر من المسؤولين القيام بالإصلاحات، وهي: الإصلاح السياسي والدستوري، الإصلاح المالي والنقدي والمصرفي، الإصلاح الإداري والبنى التحتيّة، الإصلاح القضائي، والإصلاح الإجتماعي والإنتاجي. فلنصلِّ، أيها الإخوة والأخوات: يا ربّ، في بداية هذه السنة الطقسية الجديدة، نرفع قلوبنا إليك. جدّد فينا الإيمان الذي أعلنَه بطرس، وثبّتنا على صخرة الإيمان والحقّ والرجاء. بارك كنيستك، وقدّس شعبك، وانظر إلى وطننا لبنان، فامنحه قادة صادقين، ومؤسسات أمينة، وشعبًا متماسكًا بالمحبة، بارك أبناء لبنان المنتشرين في أصقاع الأرض، أشرق بروحك القدوس على هذا الشعب، وأعد إليه فرحه وإيمانه، لك المجد إلى الأبد. آمين”.

بعد القداس استقبل البطريرك الراعي المؤمنين المشاركين في الذبيحة الإلهية . (الوكالة الوطنية)


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى