آخر الأخبارأخبار دولية

تسمية نجلاء بودن “رمز قوي” و”دهاء سياسي” لا يخمد التساؤلات حول خطة سعيّد


نشرت في: 02/10/2021 – 18:07

للمرة الأولى في تاريخ تونس والعالم العربي يتم تعيين امرأة على رأس الحكومة. لكن تسمية نجلاء بودن، دكتورة الجيولوجيا الدخيلة على عالم السياسة، يطرح العديد من التساؤلات في الوقت الذي باتت فيه جميع مقاليد السلطة بين يدي الرئيس قيس سعيّد بعد الإجراءات الاستثنائية التي أعلنها في 25 يوليو/تموز الماضي.

وضعت تسمية نجلاء بودن حدا لتكهنات المتابعين للسياسة التونسية. فلا خبير اقتصادي، ولا مقرب من الرئيس قيس سعيّد، بل امرأة بالكاد مجهولة من الجميع على رأس الحكومة، دون تجربة سياسية ولا نملك عنها معلومات غير سيرتها الذاتية.

ونجلاء بودن حرم رمضان، من مواليد 1958 وأصلها من ولاية القيروان. هي أستاذة التعليم العالي في المدرسة الوطنية للمهندسين ومختصّة في علوم الجيولوجيا، وكانت تشرف على خطة لتنفيذ برامج البنك الدولي بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي، قبل تكليفها بمهمتها الجديدة الذي اعتبره العديد “مفاجئا”.

إلى ذلك، عينت بودن رمضان مديرة عامة مكلفة بالجودة بوزارة التعليم العالي سنة 2011. وشغلت منصب رئيسة وحدة تصرف حسب الأهداف بالوزارة ذاتها، وكُلّفت بمهمة بديوان وزير التعليم العالي السابق شهاب بودن سنة 2015.

وهي معروفة بمثابرتها في العمل وكل الذين عملوا معها يثنون على جهودها وجودة عملها، ما جعلها تكتسب سمعة قوية لا سيما في المجال الأكاديمي. ووصف قيس سعيّد قرار تعيين نجلاء بودن بـ”التاريخي” و”مفخرة لتونس” و”تكريما للمرأة التونسية“.

لا تعتبر أرميل شاريي، المتخصصة في شؤون السياسة الخارجية بفرانس24، هذه التسمية مفاجئة إلى هذا الحد فتقول إن “تونس هو أحد أكثر البلدان انفتاحا في هذا المجال مقارنة بدول المنطقة. التونسيات متعودات على التعبير عن الرأي ومناقشة الدستور. هن وريثات عهد بورقيبة الذي منح النساء العديد من الحقوق، كمنع تعدد الزوجات وحق الطلاق”.

عملية اتصال محكمة

وإن كان قرار تعيين امرأة على رأس الحكومة لا يفاجئ البعض، توضح صحفية فرانس24 إلا أنه من الصعب ألا نرى في ذلك “الدهاء السياسي لقيس سعيّد” فتقول إن “هذه التسمية هي ترويج واضح. إنها طريقة لتسليط الضوء عليه وعلى تونس. فالرئيس التونسي، المعروف بأنه محافظ ومتحفظ فيما يخص مسألة المساواة في الميراث، يحمي نفسه من أي اتهامات مفترضة بعدم انفتاحه بشأن حقوق النساء”.

من جهتها تصرح لفرانس24، خديجة محسن فينان، الأستاذة في جامعة باريس 1، إنها “رسالة من قيس سعيّد للمدافعين عن الحداثة في بلاده وللمجتمع الدولي هدفها مسح سمعته كمحافظ بشأن الأعراف”.

وفي حال لم نقتنع بأن قيس سعيّد لا يعادي النسوية، فشريط الفيديو الذي يسرد استقبال رئيسة الحكومة الجديدة نجلاء بودن في مكتبه، يظهره برفقة مجموعة من النساء اللاتي يصنعن الفخار بحي هلال الشعبي بجنوب العاصمة. هذا الحي زاره الرئيس في 13 آب/أغسطس الماضي تزامنا مع ذكرى إصدار مجلة الأحوال الشخصية في 1956 والهادف إلى المزيد من المساواة بين الرجل والمرأة في تونس.

دور استشاري محض؟

ولم يكن أيضا اختيار شخصية من المجتمع المدني لتولي منصب رئيس الحكومة اختيارا مدهشا. فمن الأرجح حسب فينان أن عدم انتماء قيس سعيّد إلى أي حزب جعله يفضل شخصية بعيدة هي الأخرى عن عالم السياسة. فتؤكد أن “هذه التسمية تعكس حذر قيس سعيّد من كامل الطبقة السياسية. فيظل على الخط المستقيم لبرنامجه المتمحور حول مكافحة الفساد. فهي بذلك تسمية منطقية للغاية”.

لكن تتساءل هذه الأستاذة المتخصصة في الشؤون المغربية والمتوسطية  “ما هي جدوى تسمية امرأة، ومن المجتمع المدني، في حال لا يمكنها أن تفعل شيئا”. وتردف “السيرة الذاتية المتألقة لنجلاء بودن وسمعتها الطيبة لن يصلحا استغلال الرئيس للنفوذ. لهذا يمكننا التساؤل حول قدرتها التنفيذية في هذا السياق. فدور الحكومة لن يكون في كل الحالات سوى استشاريا على أقصى تقدير”. ويشار إلى أن الصلاحيات الممنوحة لرئيس الحكومة في تونس تقلصت بشكل كبير على ضوء “الإجراءات الاستثنائية” التي اتخذها الرئيس قيس سعيّد في 22 سبتمبر/أيلول الماضي والتي تعلق العمل بفصول هامة من الدستور. وترجح الصحافية في فرانس24 أرميل شاريي “هذه الامرأة التي تصل في وقت تقلص فيه النفوذ، لن تذهب أبعد من توقيع المراسيم الرئاسية”.

تطلعات كبيرة في بلاد تعاني من أزمة اقتصادية واجتماعية

حتى الآن تبدو إذا الاستراتيجية التي اتبعها الرئيس التونسي قد جنت ثمارها لدى الرأي العام. تقول هالة يوسفي، الأستاذة المحاضرة في جامعة باريس دوفين لفرانس24 “التونسيون حيوا هذا البادرة الرمزية تجاه النساء. لا يزال قيس سعيّد يحظى بدعم شعبي هام. لكن تطلعات التونسيين هي الأخرى كبيرة جدا. فهل تكون كل هذه الخطوات الرمزية الكبيرة كافية لحقيق تقدم في دفع الاقتصاد وتناول مسألة العدالة الاجتماعية. طبعا لا”.

فقد أزّم الانعدام الاستقرار السياسي الذي تعاني منه تونس الوضع الاقتصادي. إضافة إلى تدني النمو الاقتصادي منذ عشر سنوات (+0,6 بالمئة سنويا) وارتفاع نسبة التضخم (6 بالمئة سنويا)، فلقد تضرر هذا المجال أيضا من تسبب جائحة كوفيد-19 في تراجع عدة قطاعات، كقطاع السياحة الذي يمثل نحو 14 بالمئة من الناتج الإجمالي الخام للبلاد، ويوظف حوالي 400 ألف شخص). كما تسببت الجائحة في ارتفاع نسبة البطالة من 15 بالمئة إلى 18 بالمئة ويتضرر منها خصوصا الشباب والنساء. خمس سكان تونس يعيشون ب5,5 دولار أمريكي يوميا ويعانون من الفقر، ما أفرز احتجاجات شعبية للمطالبة بتحسين الأوضاع الاجتماعية.

ويأتي هذا في وقت قامت السلطات فيه بتعميق الديون (حوالي 80 بالمئة من الناتج المحلي الخام) لكي تسدد معاشات موظفي القطاع العام. وما يزيد الطين بلة، هي المواعيد النهائية الحاسمة التي تنتظر تونس. الموعد الأول يتمثل في تسديد 4,5 مليار يورو من الدين خلال هذه السنة، والموعد الثاني في إيجاد 5,7 مليار يورو لاستكمال الميزانية.

حتى الآن، أوساط رجال الأعمال هي الوحيدة المشككة في قدرات نجلاء بودن على مواجهة التحديات بسبب غياب التجربة والمعرفة في المجال الاقتصادي بشكل خاص، فضلا عن تقلص صلاحياتها.

وتقول هالة يوسفي “طبعا يمكن أن نتساءل عن قدرتها في تنفيذ المشاريع.” وتوضح “لكن يجب قبل ذلك أن تكون الخطة موجودة. لا نعرفها بعد” سيكون بإمكاننا الحكم على ذلك حين تضع الحكومة خارطة الطريق”…  في حال فعلت.

أود مازوي/طاهر هاني 


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى