آخر الأخبارأخبار محلية

النشرة الثقافية لفانا عن عمان: حارات أثرية عمانية: حارة السيباني.. سرد أثري لوقائع تاريخية تتقاطع أفكارها

وطنية – عمم اتحاد وكالات الانباء العربية (فانا)، ضمن النشرة الثقافية الشهرية، تقريرا لـ”وكالة الأنباء العمانية، عن الحارات الأثرية العُمانية، جاء فيه:
تشكل الحارات العمانية القديمة خصوصية مثالية لارتباط إنسان عُمان بأرضه وثقافته الراسخة، حيث العمق التاريخي الفريد، تتعدد بتشكيلاتها ومواقعها ذات الخصوصية الاجتماعية المتفردة، مرورا بتفردها بالأحداث المتعددة التي رافقت نشأتها وتكوين جغرافيتها، من بينها حارة السيباني، وحارة السليف وحارة فنجاء، وحارة اليمن، وحارة العقر، وغيرها من الحارات العمانية التي لا تزال عالقة بحواضرها في مخيلة كل عماني.
حارة السيباني، بنيابة بركة الموز بمحافظة الداخلية، هي إحدى أهم الحارات العمانية القديمة في عُمان، عملت منذ أمد بعيد على إيجاد التكوين الجغرافي الاجتماعي والثقافي الذي طالما شكل البيئة العمانية الاستثنائية في ولاية نزوى، ذلك التكوين الذي جاء نتيجة تفاعل الأوائل من أبناء عُمان مع الظروف المحيطة بهم، وتطويعها بما يتناسب مع معطيات عصورهم وتعدد أحوالها وخصائصها.
المتتبع لبنية حارة السيباني وتشكلها يجد تلك الخصائص الدفاعية ونمط الشوارع وكافة الدلائل القائمة لفهم تطورها وتنظيمها، بما في ذلك برجها الدائري الذي يتيح هو الآخر إمكانية المراقبة والتواصل مع الأبراج الأخرى المنتشرة فيها. وما يميز الحارة أن جدارها الشرقي يحتوي على “بوابة للهروب” تفضي هي الأخرى إلى أسفل التلة باتجاه منطقة (الجنينة) التي يوجد بها مسجد صغير ومقبرة. وثمة تفاصيل دقيقة تضمها الحارة بما في ذلك تلك الأبنية الحجرية الجافة التي يروى بأنه كان يستخدمها الحراس (السياب)، وربما أخذها لاحقا رعاة الأغنام شبه الرحل واستخدموها لإيواء قطعانهم. وتشير المصادر إلى توسعة شملت الحارة باتجاه الجنوب منذ 100 عام تقريبا شملت الساحة الحالية الكبيرة للمدخل التي يوجد بها مسجد اسمه (مسجد الولجة) مع مدرسة لتعليم القرآن ومنزلا كبيرا يسمى بيت الصقور.
تحتوي الحارة على عدد من المرافق العامة تتركز غالبا على طول قناتي الفلج أو بالقرب منهما، يقسمهما فلج الخطمين داخل الحارة. ومن بين تلك المباني مسجد الولجة في انسجام مع الطبيعة الرسمية السائدة في محافظة الداخلية، فهو يتخذ شكل “شبه المكعب” في مظهره بمدخلين أمامي وخلفي على منصة مرتفعة، ويحتوي على محراب مقوس غير مزخرف، وتعلوه قبة صغيرة. بالإضافة إلى مدرسة لم يبق منها سوى واجهة المدخل الجنوبية، وقد كانت فيما مضى قاعة طويلة ذات ارتفاع بارز، بالإضافة إلى غرفة بئر ملحقة بها ويمكن دخولها من الجهة الشمالية وكانت هذه البئر المصدر الوحيد للماء إلى جانب الفلج. أما السبل فتختلف أنواعها فهناك العامة المفتوحة لجميع قاطني الحارة، والسبل الخاصة المعنية بقبائل بعينها، مثل سبلة الصباح والسبل شبه الخاصة الملحقة بالمساكن المهمة.
تتمتع مساكن الحارة – وكلها تقريبا ذات طابقين بمخطط مركب، ويعود ذلك جزئيا إلى التعقيد الطوبوغرافي الذي تعين عليها التعامل معه. وغالبا ما تتداخل المساكن مع بعضها فتمتد إلى ممتلكات مجاورة. وعلى نحو فريد غير شائع تحتوي بعض المساكن على مداخل من الطابق العلوي نتيجة للتحول الطوبوغرافي الذي حدث في الحارة.
والمتتبع لحارة السيباني يجد النمط السكني الشائع في محافظة الداخلية إلى حد كبير، حيث تحتوي على حظائر (للأغنام والأبقار) ومخازن التمور وغيرها من المرافق الحيوية. وتتميز بتجانسها مع طوبوغرافيتها، وتبدو عليها آثار تشكيلية، تشير إلى تأقلمها مع التحديات الطوبوغرافية في ظل توسع الحارة، تلك الطبيعة الفريدة فرضتها التلة المنحدرة التي نشأت الحارة على طولها، كما تشتمل على أوجه تشابه كبيرة مع الحارات الجبلية الشائعة داخل عُمان (مثل مسفاة العبريين)، إلا أن التلة المنحدرة بالتحديد أوجدت فروقا كبيرة بين أنواع المباني التي تجسر لدراسة واسعة شاملة تكشف خبايا تلك الفروقات وأنواع منازل الداخلية.
ثمة مؤشرات على أنه بعكس التاريخ المتداول بين الناس، يحتمل أن منطقة الحارة كانت مأهولة في أزمنة ماضية، ويدل على ذلك اتساع رقعة العمران خلف البرج الدائري على قمة التلة. وظل الموقع الاستراتيجي لواحة بركة الموز وللحارة بوابة إلى الجبل الأخضر محافظا على أهمية، إذ تقع الواحة بالقرب من النقطة التي ينبثق منها وادي المعيدن من بين التلال مما يتيح السيطرة على مدخل الجبال. أضف إلى ذلك أن المسجد “الشريعة القديمة”، والمسكن المحصن “بيت الرديده”، يقعان هناك. وتجمع الحارة قنوات الفلج وما يتصل به من نقاط تجميع الماء واستخداماته، وكلها مدرجة ضمن مواقع التراث العالمي لليونسكو.
وتعد حارة السيباني نموذجا لأعمال التطوير المتأخرة في الحارات في القرنين السابع والثامن عشر الميلاديين، تزامنا مع تطوير طرأ في الحمراء وإعادة بناء عدد من التجمعات السكنية في ذلك الوقت، مثل حارة اليمن في أزكى، إذ تتسم هذه التجمعات بسرعة إعادة تشييدها، كما يعكس تطور الحارة الصعود الاجتماعي التدريجي، لبعض العائلات، ما أدى إلى نشوء مساكن كبيرة جدا، في سفح التلة، وهذا التحرر الحديث نسبيا من العقبات الطوبوغرافية نتج عن زيادة الثروة أدى إلى نشوء منطقة مدينة جديدة احتوت على مساحة مفتوحة طالما شغلها المسجد.
يتضح من التاريخ الاجتماعي والسياسي للحارة مدى تعقيد الحياة وتحلي السكان بالصبر، ويدل التنوع الكبير في المجالس -من شبه الخاصة إلى العامة- على اختلاف آراء الناس وتصوراتهم حول الاجتماع البشري وأنشطة المجتمع، وهـذه بالذات ميزة متفردة عن التجمعات.
هناك مجموعة من المخاطر القائمة التي تهدد أهمية الموقع وتتمثل في أن الحارة بأكملها ليست مأهولة في الوقت الحاضر، نتيجة التحول الديموغرافي سواء من محافظة الداخلية التي يغلب عليها الطابع الريفي باتجاه مدينتها الرئيسة (نزوى)، أو باتجاه العاصمة مسقط. ويعود ذلك إلى العزوف العام عن العيش في بيئات تقليدية نتيجة للتغير الاجتماعي الكبير وعوامل “العصرنة” التي تمر بها السلطنة في الوقت الراهن. وبذلك فإن المشكلة التي تعاني منها الحارات العمانية التقليدية هي نزوح السكان أو هجرتهم، ونظرا لهجر المساكن في الحارة لا توجد صيانة مستمرة وحفظ فوري للمشكلات التي تظهر بسبب هذا الهجر. كما أن الأنقاض المتداعية ومخلفات السكان المحليين تشكل خطرا كبيرا على الصحة والسلامة، وتحديا ماثلا أمام عملية الحفظ.
وفي هذا الإطار عملت السلطنة ومن خلال مؤسساتها الرسمية المعنية على إيجاد منظومة متكاملة للحفاظ على تلك الخصوصية التاريخية الثقافية والاجتماعية للحارات العمانية من خلال تسخير كافة إمكاناتها لإعادة ترميمها وإعمار مكوناتها وتقدم نموذجا فعليا تقدميا في شأن الهندسة والعمارة العمانية التقليدية.
وقد سعت الحكومة للاشتغال عليها من خلال أسس علمية متخصصة في مجال حماية تجمعات المباني التاريخية. وتعود أهمية حارة السيباني إلى كونها بوابة تاريخية وثقافية اجتماعية نحو الجبل الأخضر الذي يعد وجهة سياحية معروفة في السلطنة، نظرا لما يتمتع به من طقس فريد، ولقد أصبحت الحارة مزارا سياحيا ما يجعل من الممكن تعزيز هذا الاهتمام السياحي عبر وضع خطة مناسبة لإدارة التراث. كما تتميز بتكونها الطوبوغرافي الفريد، فهي تمتد على واجهة تلة شديدة الانحدار، وبروزها للعيان بالإضافة إلى تاريخها القبلي والحديث، مرورا بتنوع مساكنها تبعا بما يتماشى مع التحديات الطوبوغرافية التي تشكل الرؤية العامة للحياة في تلك المناطق المحيطة بها.

الطفل بين القراءة وتدفق المنصات الرقمية.. نحو إعادة مثالية الكتابة وجماليات طرحها
لطالما كانت لأدب الطفل مساحة استثنائية في مخيلة الكاتب العربي وغير العربي على وجه العموم، مع الإدراك أن الكتابة من أجل الطفل ليست كتابة عابرة؛ فهي تستند إلى أُسس وأفكار تتوافق مع تطلعاته وأهدافه وطموحاته، مما أفرز ذلك الحرص على أن ما سيقع بين يدي الطفل من إنتاج أدبي كالقصة أو الشعر أو حتى النشيد، يكون بمفهوم المبتكر والمتوافق مع كل مرحلة، واليوم وفي ظل المغريات المادية والبصرية المحيطة به، والمتمثلة في تدفق الألعاب الإلكترونية وما تقدمه المنصات الرقمية من وسائل ترفيهية متعددة، نقول: كيف لنا أن نُعيد قيمة القراءة إليه، وإنعاش علاقته بالكتاب والمحتويات التي تناسب مخيلته، وهل نقول إن العصر الرقمي قد سيطر فعلا على العلاقة التي كانت تربط الكتاب بالطفل؟ هذه التساؤلات أجاب عليها مختصون عُمانيون وعرب فكانت الردود متوافقة مع الطرح..
يقول الدكتور عامر بن محمد العيسري، وهو مهتم بأدب الطفل في السلطنة وأستاذ مساعد بقسم التربية المبكرة بكلية التربية بجامعة السلطان قابوس، معلقا على نقاط إعادة قيمة القراءة، وإنعاش علاقته بالكتاب والمحتويات التي تناسب مخيلته “تعد القراءة إحدى نوافذ المعرفة؛ فهي من أعظم إنجازات الإنسان وأداة من أهم أدوات التعرف على نتاج الجنس البشري، وهي واحدة من أهم فنون اللغة ومهاراتها، وقناة لا غنى عنها للاتصال مع عالم يتسع باستمرار، فعن طريق القراءة يُشبع الفرد رغباته وينمي فكره وعواطفه ويُثري خبراته، وتعليم القراءة يعد ضروريا للأطفال ليساعدهم على التواصل مع الآخرين واتساع معارفهم ومداركهم، فينبغي إكسابهم مهارات الاستعداد القرائي منذ مرحلة الطفولة المبكرة، والألفة بالكتب ومهارات الاستماع تعدان جزءا أساسيا في نمو القراءة التي تنشأ لدى الأطفال منذ الولادة”.
وفيما يتعلق ما إذا كان العصر الرقمي قد سيطر فعلا على العلاقة التي كانت تربط الكتاب بالطفل يقول العيسري: أصبح العالم في عصر التكنولوجيا متشبعا بالعديد من الوسائل والوسائط والألعاب الإلكترونية التي ترجح كفة انجذاب الأطفال إليها عن تقليب صفحات الكتب والاستمتاع بالقراءة فيها، لهذا ينبغي أن تحرص الأسرة على تقوية علاقة أبنائها مع الكتاب وإكسابهم مهارات القراءة وتهيئة المناخ المناسب لهم، ويتسنى لهم ذلك من خلال التحدث إلى الطفل الرضيع والغناء له وتقديم صور أو كتب زاهية يقلبها والإشارة إلى الصور بصوت واضح ولغة مفهومة، وعندما يبلغ الطفل سنتين تُقدم له حكاية القصص المصورة وإعطاء فرصة له للنظر في الصور مصحوبة بتعبيرات الوجه والصوت تبعا لأحداث القصة.
ويضيف العيسري في نفس الحديث: ينبغي توفير مكتبة أو ركن للقراءة للطفل في البيت يتضمن ألعابا إدراكية تساعد في إكساب الأطفال مهارات القراءة وجذبهم لها، كما يتضمن قصصا وأناشيد متنوعة مناسبة لخصائصهم، وينبغي تخصيص وقت يومي للأطفال يقضونه فيها تارة بأنفسهم وتارة نكون معهم لحكاية القصص وقراءة الأناشيد الجميلة لهم، وممارسة القراءة الفردية والجماعية وتشجيع الأطفال الأكبر سنا على القراءة للأطفال الأصغر، ولا ننسى تقديم عبارات الثناء المناسبة لتعزيز الأطفال في كل خطوة يخطونها للأمام إلى عالم القراءة، ويمكن من خلال التدريب والممارسة أن نمكن الطفل في عمر مبكر من أن يقوم هو الآخر بقراءة القصة التي نرويها له، وحكاية القصص حتى لو كان ذلك من خياله؛ لأن ذلك يُكسبه مفردات وثقة بما يُصدره من كلمات، وينبغي عدم الضغط على الطفل بالقراءة المستمرة، فيجب جعل هذه المهمة ممتعة بالنسبة للطفل وليست عبئا عليه ومصحوبة باللعب، مع إكسابه الثقة بالنفس فيما يقدمه إزاء هذه المهمة. الكاتب ميزوني بناني، وهو خبير تربوي تونسي ومؤطر في ثقافة الطفل، فازت روايته الموجهة للناشئة “رحلة فنان” بجائزة الشيخ زايد للكتاب، فرع أدب الطفل والناشئة،2021، يُشير بحديثه إلى أهمية إعادة قيمة القراءة إلى الطفل، وإنعاش علاقته بالكتاب والمحتويات التي تناسب مخيلته، وهنا يوضح ميزوني بقوله: في ضوء كل هذا التقدم في تكنولوجيا المعلومات والاتصال وبيئات التلعيب الإلكتروني يمكنني أن أقول إن طفل هذا العصر لم يعُد منذ سنين طفل الزمن البعيد الذي ضبط فيها علم نفس النمو تطور مرحلة الطفولة والسلوكيات التي كان يتوقع أن تصدر عن الأطفال في كل فترة عمرية، حيث فرضت الشبكة العنكبوتية علينا صنفا جديدا من الأطفال هو الطفل الإلكتروني /الرقمي/ طفل الغرف الزرقاء: الفيسبوك؛ هذا الصنف الجديد أثبتت سلوكياته وخطاباته أنه يكبر – وربما بصفة غير طبيعية – قبل الأوان بعيدا عن تلك المراحل العمرية الفرعية التي
وضعها علم نفس النمو، إنه طفل فقد الدهشة من فرط اطلاعه على العجائب والغرائب التي يحفل بها العالم في كل ثانية من الزمن. هنا نقول لا بد من مسايرة الوضع وتجنيد عناصر الطفل الرقمية واستثمارها في /بيداغوجيا/ إدهاش الطفل وترغيبه في المطالعة عن طريق تجذير محبة القراءة في نفوسهم وسلوكهم اليومي عن طريق محامل رقمية أو ورقية تبعث فيه الدهشة؛ فكتاب لا يدهش الطفل بداية من الغلاف والعنوان كتابٌ لا يُقبل على قراءته الأطفال مهما كان جنسه الأدبي (شعر، رواية، قصص، قصص مصورة، مسرح..).
وفي ما يتعلق ما إذا كان العصر الرقمي قد سيطر فعلا على العلاقة التي كانت تربط الكتاب بالطفل يقول ميزوني بناني: من الطبيعي أن يواكب الكتاب عامة هذا التطور المشهود في عالم تكنولوجيات المعلومات والاتصال، حيث ظهرت بعض القصص المسموعة والمقروءة، ومجلات الأطفال الإلكترونية، والمواقع الأدبية الخاصة بالطفل، ولقاءات الأطفال بأدباء الأطفال عن بُعد عبر تقنية “السكايب”، كما عرفت كتب الطفل تطورا من حيث صناعة الكتاب، إذ يمكننا اليوم ملاحظة مدى تطور المضمون والرسوم والتصاميم في الكتب التي تنشرها بعض دُور النشر العربية والعالمية، وما زالت الجهود الفردية والمجموعية والجماعية وطنيا وإقليميا وعالميا في حاجة إلى تكامل مدروس لتجاوز المشكلة الأساسية التي ستبقى قائمة بقوة وهي كيف يُمكننا إدهاش طفل اليوم لمضاعفة إقبال أطفالنا على القراءة والمطالعة ورقيا وإلكترونيا. قد لا تبتعد أزهار بنت أحمد الحارثية – وهي كاتبة متخصص في أدب الطفل – عما جاء به بناني من تفاصيل، وهنا تشير حول أهمية إعادة قيمة القراءة إلى الطفل، وإنعاش علاقته بالكتاب والمحتويات التي تناسب مخيلته، قائلة: العصر الرقمي سيطر على الكثير من مجالات الحياة وأحدث تغييرات هائلة عليها، وطريقة تفكير الطفل وتعامل الآخرين معه ليست بمنأىعن هذا التغيير، وهي من الأشياء التي تؤثر على سلوكياته وتوجهاته؛ لأن طفل اليوم يتعرض لزخم معرفي هائل يتقاطر عليه من وسائل التواصل الاجتماعي والوسائل الأخرى التي تمكنه من استخدام التكنولوجيا، وهذا تغير طبيعي يتماشى مع التغييرات الحالية، لكن لا بد لنا أن نساهم في عدم تحول هذا التغيير لشيء سلبي وأن نكثف كافة الجهود لصنع مستقبل ناجح للأطفال بتوفير الأدوات المناسبة والحلول المُثلى التي تفتح له آفاقا أفضل، كما يجب أن نستثمر إمكانياته لنصنع معه مستقبلا يؤثر إيجابيا عليه وعلى وعيه. وفيما يتعلق ما إذا كان العصر الرقمي قد سيطر فعلا على العلاقة التي كانت تربط الكتاب بالطفل، تقول الحارثية: لا بد أن نشير بالنسبة للعلاقة بين الطفل والكتاب إلى أنه لا يمكن القول إنها انتهت ولكن مع التقدم والتطور الذي يشهده العالم تغيرت ولم يعُد الكتاب وسيلة تسلية أو معرفة محببة؛ لأن الوسائل الأخرى أكثر جذبا بصريا وحسيا؛ فالتكنولوجيا تنقله لعوالم لا يقدمها له الكتاب وفي هذه الحالة يجب علينا ابتكار طرق متجددة وفعالة لكي نتواصل بها مع الطفل فكريا ومعرفيا ولا تقطع علاقته فيُمكن أن نوفر له كتبا رقمية مكتوبة ومرسومة بطرق مطورة تجذبه لقيمة القراءة، أو ندفعه لمواقع إلكترونية تقدم كتبا نوعية تلامس اهتماماته وتدفعه للبحث وتُثير بداخله دوافع مختلفة ترفع من وعيه، حينها ربما سيتجه لمعنى القراءة ويتخذ لنفسه طريقا في هذا المجال.صفاء البيلي – كاتبة مصرية مختصة بأدب الطفل – توضح أهمية إعادة قيمة القراءة إلى الطفل، وإنعاش علاقته بالكتاب والمحتويات التي تناسب مخيلته من خلال تساؤل مشروع حول هذا الجانب، وتشير بقولها: كيف يمكننا ككُتاب وشعراء مهتمين بالكتابة للطفل إرضاء غرور وطموحات طفل اليوم؟ بل كيف يمكننا إرواء عطشه في أن نقدم له بين دفتي الكتاب ما يواجهه ويعيشه من خيال جامح عبر ذلك الجهاز الصغير الذي يلازمه ولا يتجاوز حجمه كف اليد الواحدة؟ هل نسعى لما يُرضيه.. أم نقدم له ما يُرضينا نحن ويُرضي ضمائرنا ككُتاب منوط بهم تربية جيل تربية معرفية ووجدانية ونفسية؟ وتؤكد البيلي: إنها إذن معادلة خطيرة ونتائجها إن لم تُحسب مقدماتها ستكون وخيمة؛ فالطفل صار متعلقا بشكل كبير بما يحقق له المتعة ويدمجه في عوالم الخيال.. بات يميل إلى الألعاب التكنولوجية التي يصير فيها شريكا أو منافسا.. حتى القصص والروايات إن لم يجد نفسه فيها عافها وتركها.. لم يعُد الطفل ساذجا حتى يتقبل قصص الحيوانات إلا في السن الصغير جدا، وعلى الكاتب أن يخترع له ما يُثير انتباهه ويُدهشه، كما أنه ليس مهادنا فلن يقبل تلقين الأفكار ولا المعارف، لقد صار يناقش ويقبل ويرفض وعلينا التعامل مع عقله باحترام كبير، لذا على الكاتب مراعاة السن الذي يتوجه إليه بالخطاب.. كما يراعي البيئة التي يعيش فيها الطفل.

وفيما يتعلق ما إذا كان العصر الرقمي قد سيطر فعلا على العلاقة التي كانت تربط الكتاب بالطفل، تقول البيلي: هنا يجب أن نتفق على أمر ما، وهو لكي نُعيد قيمة القراءة وجعلها عادة لدى الطفل علينا تجاوز المعتاد والمألوف ومحاولة صناعة أعمال إبداعية بمختلف أجناسها تتجاوز حدود الواقع الثابت ومجاراته بما يروي ظمأه ويُشبع شغفه ويُقوي وجدانه ويُنير بصيرته.. على الكاتب أن يُطلق لنفسه عنان خياله ليسبق به خيال ذلك الطفل التكنولوجي، الرقمي، الخيالي، الجامح، المتطلع.. أعتقد أننا لو درسنا الظرف الراهن بما يسيطر عليه من فتوحات تكنولوجية وخيال علمي لاستطعنا استعادة شغف الطفل بالقراءة، بشرط ألا نفقد نحن – ككتاب – شغفنا المتواصل بتقديم الجديد ليظل الطفل والفتى متحفزا متحمسا لمتابعة حياته وحياة أقرانه وحيوات أخرى يتمنى أن يحياها بين دفات الكتب التي بين يديه ويظل ينهل منها مهما تكاثرت حوله المغريات التكنولوجية بمختلف أنواعها.. ليظل الكتاب خير جليس وأصدق الأصحاب وأكثرهم محبة ووفاء.

الكاتبة الكويتية هبة مندني لا تذهب بعيدا عما طُرِح أعلاه من آراء، خاصة أنها خاضت تلك التجربة من خلال مجموعة قصصية للأطفال كتبتها سابقا بالإضافة إلى خبرتها الطويلة في هذا الشأن، ففي شأن أهمية إعادة قيمة القراءة إلى الطفل، وإنعاش علاقته بالكتاب والمحتويات التي تناسب مخيلته تقول مندني: لا بد أن نعي ونعترف أن الطفل اليوم أصبح مهووسا بالتحديق في الشاشات المتوهجة، فالهواتف الذكية والأجهزة اللوحية أصبحت ترافقه في كل مكان ولا تفارق يده، فلا تتعجب من نجاح التكنولوجيا في سحب البساط من الكتاب الورقي والقراءة بشكل عام، وأمام هذه المشكلة لا يجدر بنا الوقوف مكتوفي الأيدي، فكيف لنا أن نُعيد للقراءة قيمتها وبهجتها لدى الأطفال؟ في البداية يجب علينا أن نعي بأن إنعاش القراءة لدى الأطفال هو واجب مشترك بين أفراد ومؤسسات المجتمع كافة، إنها مسؤولية كبيرة تحتاج إلى مبادرات وجهود مجتمعية مُشتركة بدءا من الأُسرة والمدرسة وانتهاء بالمؤسسات الحكومية والأهلية، فإدراك الأُسرة لأهمية القراءة للطفل ومساعدته على اقتناء الكتب الورقية وتشجيعه على القراءة هي أولى مراحل علاج المشكلة، كما أن جزءا كبيرا من الحل يقع على عاتق المنظومة التعليمية التي تستطيع بدورها تخصيص زوايا للمطالعة الحرة في مدارسها وضمن مناهجها التعليمية.
وفي ما يتعلق ما إذا كان العصر الرقمي قد سيطر فعلا على العلاقة التي كانت تربط الكتاب بالطفل تقول الكاتبة مندني: في هذا الإطار يجب علينا تشجيع الطلاب على زيارة المكتبة المدرسية، أو توظيف التكنولوجيا لتحفيز المتعلمين على القراءة، كما أن للمؤسسات والهيئات الحكومية والأهلية دور فاعل تجاه هذه الأزمة أيضا، ويكمن ذلك من خلال: دعم الكُتاب والناشرين والمثقفين، دعم المبادرات الهادفة المختصة في مجال القراءة، تنظيم فعاليات مبهرة وإيجابية تتمحور حول الكتاب والقراءة، إقامة مسابقات محلية وعربية تختص بالقراءة والتأليف والنشر، وغيرها من الأفكار والمشاريع الداعمة للحراك الثقافي في المجتمع. أما بالنسبة للمستقبل فنظرتي ستكون تفاؤلية في ظل المعطيات الحالية؛ فازدياد عدد دُور النشر حاليا في الوطن العربي وازدياد ظاهرة الملتقيات الثقافية والمجاميع القرائية وافتتاح مكتبات جديدة في المجمعات التجارية ما هو إلا دليل على رواج تجارة الكتب ووجود فئة قارئة في المجتمع تحرص على غرس هذه العادة لدى أطفالها، ولكننا نطمح لأنْ يكون مجتمعنا قارئا بأكمله. هذه العادة لدى أطفالها، ولكننا نطمح لأنْ يكون مجتمعنا قارئا بأكمله.

في نهاية هذا التطواف حول الطفل والقراءة وتداخل التكنولوجيا بينهم تقول الكاتبة العُمانية إيمان فضل، وهي متخصصة في أدب الطفل، خاصة فيما يتعلق بأهمية إعادة قيمة القراءة إلى الطفل، وإنعاش علاقته بالكتاب والمحتويات التي تناسب مخيلته: الطفل بطبعه يُحب التقليد وهو يتبع القدوة الموجودة حوله، فإذا كان المُربي القدوة قارئا ممتازا والطفل يشاهد القدوة برفقة كتاب سيُحب الطفل الكتاب وسيحاول جاهدا تقليد قدوته، أما إذا كان القدوة مع هاتفه المحمول أو جهاز إلكتروني آخر ستزيد رغبة الطفل في تقليد القدوة وقضاء ساعات على الهاتف أو الأجهزة الإلكترونية، لنكن قدوة فيما نُحب أن يقتدي به أولادنا ثم نشاركهم الحوار حول الكتاب المناسب لهم ليشعروا بأهمية هذا النشاط في يومهم.وفي شأن ما إذا كان العصر الرقمي قد سيطر فعلا على العلاقة التي كان تربط الكتاب بالطفل، وكيف تقرأ المستقبل في هذا الشأن تقول فضل: حتى في ظل انتشار الكتاب الإلكتروني للطفل ما زالت مبيعات الكتاب الورقي أعلى وما تزال الكتب الورقية الخيار الأول للمربي، ولا أرى سيطرة لكن سهولة الوصول للكتاب الإلكتروني في ظل الأزمة الحالية عامل لا يمكن إنكاره.. المستقبل للكتاب الورقي لأنه الأنسب للطفل ويبقى الكتاب الإلكتروني الأسهل في التسويق والبيع مما يرفع سقف التحدي لإيصال الكتب الورقية بأنسب طريقة للأطفال.

اللعب على الوقع الهندسي التشكيلي وصور الورق المتحركة.. طريق حياة مع الفنان العماني علي المحضار

يقدم الفنان العماني علي فيصل المحضار، رؤيته الفنية بشكل مغاير ومختلف، فهو يرى – ومن خلال تلك الرؤية التي شكلت تجربة فنية بعد حين – أن الحياة معترك يتوجب الوقوف على تفاصيله، من خلال الترجمة الفنية لذلك، وتقديمها في قوالب فنية ممتعة للمتلقي، تلك الترجمة التي تأسست منذ أكثر من 20 سنة تحاول أن توجد لها خصوصية تختلف عن خصوصية تلك اللوحات التي قد نراها وتشابهت في قوالبها في معارض فنية شتى.. فالمحضار يتناول فنَه وكأنه في حالة تسابق في التقاط الفكرة والاشتغال عليها بمشاهد بصرية بها تفردٌ مشتعلٌ بالتكوينات الهندسية، فأنت تُشاهد التصاعد اللوني والصراع الذاتي لكل فكرة في كل لوحة، كما أن علاقته بصور الورق ومفاهيمها أسست طريق حياة مختلفة، ومن أجل ذلك يقترب المحضار ليقول كلمته في شأن ما يقدمه من فن دقيق مغاير.

هنا يقترب الفنان التشكيلي العماني علي المحضار ليقربنا من تجربته بصفتها أسلوب فن وحياة.نحن نتحدث عن الرسم وأساسياته التي يستند عليها، لكن للمحضار خصوصية تربطه باللون وحكايات الفرشاة؛ فهو يشير إلى ذلك بقوله: ” لا بد أن نعي أن الفكر والإبداع والفن مميزات مع كل إنسان، ولكن التعبير عن تلك المميزات تختلف بقدر العلم والمعرفة والقدرات، فهناك من لديه القدرة ليعبر بالقول وآخر ليعبر بالكلام والبعض بالأفعال، وهناك النقيض، فعلى سبيل المثال، حتى الأمور غير الجيدة تقدم بصور شتى مع ذات الإنسان، بما في ذلك الكراهية أيضا، ولها صنوف شتى، مرورا بالتفاصيل الأخرى المرتبطة بالحياة اليومية والتي تؤكد أن لكل إنسان فهمه في تقديم إبداعه، هنا أشير إلى تجربتي، فهي محصلة لسنوات ليست بالقصيرة، جاءت بعد تمحيص وتجارب عديدة واطلاع معرفي فني حاولتُ من خلاله الاقتراب من حياة الناس والتعرف على خصائصها وأبجدياتها، وهذا مقرون بالإدراك التام أن لكل إنسان حقه في إظهار إبداعه بالطريقة التي يريدها ويراها مناسبة لتكون بين يدي متلقيه، وما هذا الإدراك إلا ذلك العلم التام أن لكل إنسان مجاله ومساره الصحيح اللذان يشقهما بطريقته الخاصة مع الطموح للمزيد من التألق وصولا إلى بلوغ النهايات.

للفنان علي المحضار عمل فني تشكيلي جديد، يحمل عنوان “الجوكرـ الملك والملكة”، أنهى الاشتغال عليه منذ مدة قصيرة، وفي هذا المسار يقف المتأمل معه حيث تلك النهاية القريبة، وهنا يقدم المحضار ماهية عمله الفني الجديد الذي يأتي برؤية تشكيلية مكملة لما سبقها من أعماله، حيث اللعب على وقع الفكرة التي مثلت أسلوبا فنيا متكاملا، وهذا ما يؤكده بقوله: في هذا العمل الفني “الجوكرـ الملك والملكة”، ثمة تجربة تتحدث عن صراع أزلي بين عالمي الرجل والمرأة، حيث تلك المفاهيم المرتبطة بالظلم الإنساني، والتي دائما ما تفرز، “ظلم القوي على الضعيف”، لكن أقول ومن خلال هذا العمل إنه لا يوجد فرق بين الرجل والمرأة، جميعهم سواسية، في الشكل والروح، وأعتقد أن الاختلاف يكمن في فهم المعاني، فلكل طرف فهمه الخاص للظروف المحيطة به، بما في ذلك المحيط الديني أو السياسي أو الثقافي الفكري والذي دائما ما يؤثر في العقل بينهما، وهنا ينتج عدم التوافق التام، لذلك نرى صورا غير مستقرة بين الطرفين، حيث “يقوى القوي، ويضعف الضعيف”. وعن العمل الفني “الجوكرـ الملك والملكة”، يضيف المحضار بقوله: نجد في جميع أوراق اللعب بأن الرجل يحمل السيف والقوة والجاه مع سيطرته على الدنيا والعالم، ولا يضع أي اعتبار لعالم المرأة، على الرغم أنها هي من أنجبته وعلمته وتعبت في رعايته، مع دعائها الدائم المؤثث بالأمل له، وخير مثال على ذلك، تلك المقولات التي تجسد قوة الرجل وعلاقته بالمرأة ومن بينها “وراء كل رجل عظيم امرأة”، في المقابل يشير العمل إلى أن المرأة تحمل وردة، يفسرها البعض، بأنها “رمز الضعف”، لكن هنا تساؤل صريح يتمثل في، هل المرأة ضعيفة؟!! هل هي أقل شأنا من الرجل فعلا؟!! ولماذا يصور العالمُ المرأةَ بهذا الشكل؟ وثمة رؤية واضحة على ذلك تتمثل في سؤال استنكاري ومفاده، “هل تعلم بأن المرأة هي من تُضعف نفسها بإرادتها للعالم”! والإجابة هنا تؤكد أن المرأة قوية وتستطيع تحويل ذلك الضعف إلى قوة في جميع النواحي، ويكفينا فخرا بسيدات نساء العالمين، فللمرأة مكانة رفيعة، أقرها الدين الإسلامي عندما أوضح في “أمك ثم أمك ثم أمك.. ثم أبيك”.
ويضيف المحضار أيضا: في اللوحة أيضا الرجل يضع حصانَه في عالم المرأة فارضا أسلوبه وشخصيته على عالمها الضعيف، رغم احتياجه لها فهي – في الأساس – مصدر قُوته، ولكنه لا يريد أن يعترف بضعفه مقابل المرأة، واحتياجه لها، ففي نظره، المرأة ضعيفة دائما، وباختصار شديد هذه اللوحة تفسر ذلك الصراع الأزلي بين الطرفين المهمين في هذه الحياة، واللذين لا يمكن استمرارية حياتهما دون بعض، وإن وجد الجدال في خصائص حياتهما لظهرت النتائج غير المحمودة، فلكل مخلوق خصائصه التي قد تكون غير مكشوفة للآخر وهذا ما سيُوجِد نوعا من التواصل المبتور البعيد عن أسس التفاهم والتسامح.

للفنان علي المحضار رؤية خاصة في تقديم أعماله الفنية ومعالجة أفكارها، لتكون بين يدي المطلِع تتمثل في رسم ألواح الشطرنج، ولاعبي الورق، أضف إلى ذلك العناكب على سبيل القول، هنا يفيد لماذا هو مسكون بهذا التوجه، موضحا تلك القيمة الفنية السريالية في هذا الشأن الفني ويقرب رأيه بقول الله عز وجل في محكم كتابه: “وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب”؛ فالإنسان بطبيعته ذو فطرة على اللهو واللعب، فهو لا يحبذ التقيد، وراغب في الترفيه واللهو والاستمتاع، وأنا من وجهة نظري أحاكيه بهذه الطريقة، فهو في راحة دائمة لعدم وجود قيود وحواجز، ومن هذا المنطلق أستطيع إيصال رسالتي الفنية له، مع التفرد بأعمال وألعاب عالمية تحاكي واقعه وما حوله؛ فأنا بطبيعتي أفتش عن كل ما هو جديد حولي وقابل للفت الانتباه، ومن هذا المنطلق ندرك أن الفن رسالة، ولا بد أن أقدمها للمتلقي بالصورة التي يحبها ويود اكتشاف ذاته من خلالها، فلا أخفي قولا بأني أشعر بسعادة وأنا أضع الفرشاة والألوان على لوحاتي كي تكون شاهدة على تجاربي.

يتطرق الفنان المحضار إلى تلك الرسالة التي تشغل واقع الفن لديه على وجه الخصوص والتي دائما ما يحرص على أن تكون في موائمة مع لوحاته الفنية، وهنا يفرد مفاهيم تلك الرسالة ويوضح حديثه قائلا: مما لا شك فأنا في اختبار دائم مع لوحاتي الفنية، والتي أحرص على أن تكون غير اعتيادية، وبأفكار غير مسبوقة لتضيف الإبهار لمن هم حولي، أو أولئك المتتبعين لي، ويضيف بأن الاشتغال على رسالة الفن أمر بالغ في الدقة، وعلى الفنان أن يكون أكثر حرصا في انتقاء مفردات فنه، فعندما يعمل الفنان التشكيلي على إيجاد سلوك فني مميز في محيطه، فذلك يعني أنه قام برسم خارطة طريق متفردة تؤسس مشواره، وهنا يتجسد أهمية اللون وقيمة اللوحة التشكيلية التي يعمل على إيصال أفكارها وهواجسها، وبعد حين سيتولد ذلك الانطباع المترسخ في ذهن المتلقي والمكرس على وضوح تلك الرسالة وأهميتها والقيمة المعنوية لها، وأود أن أشير في هذا المقام أن التجارب الفنية الجديدة والمبتكرة، غير دائمة ووقتية والعالم من حولنا لا يتقبلها ولا يفهمها بالصورة التي يتمناها كل فنان، لكن يجب أن نؤمن أن ما يقدم في قوالب فنية تشكيلية، هو في نهاية المطاف ثقافة بصرية، ولها جمهورها النخبوي أيضا.

للفنان التشكيلي علي المحضار العديد من الأعمال والبرامج التي جسدت تجربته الشخصية على مدى السنوات الفائتة، والتي بلا شك أضافت إلى واقعه الفني الكثير، ويقدم الفنان ما يمكن إضافته من تلك الأعمال والبرامج إلى تجربة الفنان التشكيلية على وجه الخصوص، ويوضح عددا من النقاط ذات الأهمية ويشير إلى ذلك بقوله: لا بد أن أكون أكثر صراحة هنا، إن التجارب والإضافات في حياة الفنان التشكيلي كثيرة، كغيره من المبدعين في أي زمان ومكان، لكن بعض المتلقين غير مدركين بتلك الطفرة الفنية التي هي في تطواف دائم مع العالم حولنا، فهو لا يزال ضمن أطر وأساليب قديمة، حيث تلك اللوحة الواقعية والصورة الضوئية التقليدية، أظن أن على الملتقي أن يكون أكثر دراية بما يطرح من فن تشكيلي، فالعالم يتطور في أساليب الحياة الأخرى، وأيضا فهو يتكور في الفنون وآدابها ومساراتها، دعني أقول إنني حاولت كسر الواقع بحركة فنية قمت بها منذ فترة في إحدى المسابقات الفنية، وهي أنني أدخلت دراجة نارية في التنافس على مراكز المسابقة بطريقة فنية رائعة، وفزت بها أيضا، كما إنني قمت بالعمل على غطاء محرك السيارة، وأنجزت منه عملا مميزا، مرورا بتلك اللوحات وتجهيزها بالفراغ، مع استخدام الملصقات لأول مرة في أعمالي الفنية وكل هذه أفكار جديدة وعصرية لكنها للأسف قد تكون غير مفهومة وتعد جديدة في مجتمعنا الفني المحيط.

الفنتازيا فكرة محفزة وواقعية في أعمال كل فنان يعشق المغامرة والابتكار، والتجريب أيضا، هنا يوضح الفنان علي المحضار قربها من أعماله وأثرها الواقعي عليها ويفند قوله: أؤكد أن المغامرة والابتكار، أمورٌ لحظية ووقتية وفهمها قد يكون قاصرا بين الفنانين، لكن أوضح أن التجارب ممتعة وتدريب العقل على الخيال والإبداع أمر مطلوب، ومن الجيد أن تكون للفنان رياضة يتعامل بها مع عقله الفني، والمتأمل في خلق الله في كل مكان، سيجد أن كل أمر خُلق بصورة تأخذ اللب، وبصورة تتجاوز العقل البشري، وعليه فإن العقل الفني يجب أن يكون مبصرا وفاحصا في تناول الأشياء حوله وأن يترجمها بما يراها وأن تكون أكثر اختلافا ووقعا على العقل والروح، وهذه هي مهمة الفنان. في نهاية هذا المسار الفني يوضح الفنان علي المحضار كيف يمكن للفنان التشكيلي أن يكون أكثر قربا من حيثيات يومه وتفاصيله، كما يجدها المتتبع لأعماله الفنية في لوحة “الجندي المجهول”، واللوحة “الجوكر”، والتي أفرزت العديد من الصور التي قد تبدو أكثر وهجا في حقيقتها، وهنا يقول المحضار: على الفنان أن يكون أكثر تركيزا في عمله، وعليه سوف يكتشف الأمور بطرق مدهشة، وإن أردت الإشارة إلى لوحة “الجندي المجهول”، فثمة حقيقة يجب أن نقف عندها، فهذا الجندي يقدم واجبه على أكمل وجه، لكن العالم لا يتذكره وفي تجاهل دائم بحقيقته، لأنه جندي، وأول من يضحي بنفسه، لكن علينا أن نعي أن يُعطى الجندي حقه من التكريم وعلى العالم إنصافه. وفي لوحة “الجوكر”، تقدم فهو ذلك الحظ الذي ربما يكون بجانبنا ونسعد لذلك وقد يكون مخالفا لوقائعنا، ويقف حاجزا منيعا في وجوهنا، لكن علينا أن ندرك أن كل ذلك من عند الله تعالى، وعلى المرء أن يتصرف بحكمة والتوفيق بيد الخالق وحده، على الرغم من إدراكنا أن البقاء للأقوى، لكن القناعة تتجسد في الآية القرآنية الكريمة ” ?اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور? [ الحديد:
20].

ويعد على المحضار أحد الفنانين البارزين في مجال الرسم والتصوير، وفي مجال الأعمال التركيبية بالجمعية العمانية للفنون التشكيلية؛ كذلك، و شارك في العديد من المعارض على المستوى المحلي و الإقليمي والعالمي.

إصداراتٌ عُمانية
صدر للكاتبة العُمانية سعاد بنت علي العريمية عن دار “كتبنا”، إصدارها القصصي السردي بعنوان “تمرد عشتار”، بعد علاقة تراكمية مع الكتابة استمرت سنوات. وتبني العريمية إصدارها الحالي وما جاءت به القصص القصيرة على إصدارها السابق “أساطير عشق” حيث يعد هذا الإصدار امتدادا للإصدار السابق.
ويأتي الغلاف وماهيته ليكونا أكثر قربا من نصوص المجموعة، حيث جماليات الأنثى وتناقضاتها فهي رمز للحب والجمال والعطاء والعواصف الهوجاء في بعض الأحيان على حد تعبيرها، التي تنسف كل من يحاول أن يكبت ذاتها، فكل أنثى حسب قولها هي عشتار آلهة الحب والحرب.
كما صدر كتاب الدراجة الهوائية “كلما آبت دراجة إلى البيت” للكاتب حمود حمد الشكيلي عن دار نثر للنشر العُمانية، وهو الكتاب التاسع في سيرة الاشتغالات الأدبية للكاتب، وجاء الكتاب في 240 صفحة من القطع المتوسط. وهذا الكتاب الصادر في مسقط ضم أقساما عديدة توزعت بين الكلام والصور، تتبع فيها الكاتب الدراجة الهوائية منذ أن كانت فكرة فنية عند رسامي العالم، أمثال ليوناردو دافنشي ومايكل أنجلو حتى أصبحت اليوم واقعا إنسانيا لا يمكن للبشرية الاستغناء عنه.
ورصد الكتاب تاريخ الدراجة الهوائية منذ تشكلها الفني ووجودها الواقعي في حياة البشرية، باعتبارها وسيلة نقل وأداة حرية فردية يتحرك بها البسطاء والمعدمون في تنقلات قريبة، ويجوب بها الدراجون والدراجات العالم في رحلات طويلة.
كما شيد الكاتب مدرجا خاصا للدراجة على غرار مدرج الطائرة في بداية الكتاب، مؤكدا فيه ما قاله الشاعر العربي محمد الماغوط” الجنة للعدائين وراكبي الدراجات”، وتأمل حركة عجلتيها، وبين العجلتين نقرأ الكتاب بدءا من “مدخل تاريخي” أثار أسئلة البدايات وتشكل الدراجة بصفتها وسيلة حركة.
وفي المجال الشعري صدر للشاعر العُماني عبد الله الكعبي ديوانه الشعري الجديد “ضمير المخمل” عن “دار شمس للترجمة والنشر”، الديوان يمثل استكمالا لمشواره الشعري الذي امتد لسنوات.
ويأتي الكعبي في هذا الإصدار ليضيف إلى المكتبة العُمانية الثقافية نموذجا أدبيا مغايرا.
وفي مجال أدب الرحلات أطلت الكاتبة سلامة العوفية من خلال إصدارها الأخير “مذكرات سال: عُمانية في أرض الهنود الحُمْر”، الذي يتشكل في صور تتقاطع أفكارها وخصوصية ملامحها، فهي – وعبر سماوات السفر – تُخبر القارئ عما يدور في الركن البعيد من الحياة، حيث اختلاف اللغات والعادات وسيرورة التقاليد، هناك وبالتحديد في “كندا”، تأتي المذكرات مؤثثة بالاختلاف والتنوع، فتنقلها لنا المؤلفة بروح المبتكر في النقل.
وفي المجموعات القصصية صدرت أيضا المجموعة القصصية الرابعة للقاص مازن حبيب بعنوان “قوانين الفقد” عن دار نثر للنشر في مسقط، وتضم المجموعة التي تقع في 128 صفحة من القطع المتوسط خمس قصص قصيرة بعناوين “لقاء الظهيرة”، و”لن يحدث لي مكروه”، و”الصف الرابع واو!”، و”من لا يودع يفقِد مرتين”، و”بيتي”.
تجدر الإشارة إلى أن الكاتب يستأنف مشروعه القصصي بتقصي ثيمات قصصية مترابطة ضمن الكتاب الواحد مثلما تناول الذاكرة، والهوية، والتفاصيل في مجموعاته الثلاث السابقة، ليصل إلى ثيمة الفقد التي تظهر ملامحها في هذه القصص في نواحٍ متعددة.
أما في مجال الرواية فقد أكمل الكاتب العُماني عادل المعولي مسيرته مع الكتابة خلال الفترة الحالية، من خلال طرح فلسفي مغاير، حيث روايته الأخيرة “الغابة الفاضلة”، وهي تتوج أعماله الفكرية الأدبية التي بدأت منذ فترة ليست بالقصيرة مع كتاب “لماذا تقدم العلم وتأخر الوعي”، الذي فاز بالجائزة التشجيعية في المسابقة السنوية للجمعية العُمانية للكتاب والأدباء إبان الاحتفال بجائزة الإبداع الثقافي لأفضل الإصدارات للعام 2016.
كما قدم الكاتب محمد بن سيف الرحبي تجربة روائية جديدة عبر روايته الجديدة “تاج ونجمتان وسيفان” مستلهما السيرة الذاتية التي سبق أنْ قدمها الرحبي عبر كتاب “جندي من مسكن.. شهد الذاكرة” والذي تضمن مسيرة الفريق أول متقاعد سعيد بن راشد الكلباني، منذ رحلته الأولى في العسكرية جنديا ضمن جيش السلطان سعيد بن تيمور، ووصولا إلى تقلده جهاز الشرطة كأول عُماني يتولى هذا المنصب.
يخوض محمد الرحبي التجربة واصفا إياها بـ”تجريب روائي آخر” بعد ثمانية أعمال روائية بدأ أولها قبل أكثر من عشرين عاما برحلة أبو زيد العُماني، وفي كل عمل يقدم طريقة سردية مُغايرة لما سبقها من كتاباته في عالم الرواية، فرواية “تاج” تعتمد على الواقع، كما يرى، وهذا الواقع لا بد له من “متخيل” يحيله من كونه سيرة ذاتية واقعية إلى أخرى روائية يتداخل فيها ذلك المزيج القادر على إيجاد عمل روائي ينأى عن التقريرية والمباشَرة.

=====================


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى