آخر الأخبارأخبار دولية

كيف أمضى الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة آخر أيامه في السلطة؟

نشرت في: 18/09/2021 – 13:02

من بداية الحراك الشعبي الذي انطلق في 22 فبراير/شباط 2019 إلى سقوط الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة في 2 أبريل/نيسان، الذي توفي مساء الجمعة عن عمر ناهز 84 عاما، فترة حاسمة في مسار رجل سياسة عشق السلطة منذ عقود. فما الذي ميز هذه الأيام الأخيرة من عمر بقائه في السلطة؟ وكيف قرر الجيش تحت ضغط الشارع إجباره على الرحيل؟ كتاب “بوتفليقة، الحكاية السرية” لمؤلفه الصحافي الجزائري فريد عليلات يكشف المستور في هذه المرحلة.

في العاشر من فبراير/شباط 2019، أعلن الرئيس الجزائري الراحل عبد العزيز بوتفليقة في رسالة للأمة، نشرتها وكالة الأنباء الرسمية، ترشحه لعهدة خامسة. جاء فيها: “استجابة لكل المناشدات والدعوات، ولأجل الاستمرار في أداء الواجب الأسمى، أعلن ترشحي للانتخابات الرئاسية”.

لكن الأيام التي أعقبت هذا الإعلان غير المفاجئ كانت آخر لحظات يقضيها في السلطة من لقبه الجزائريون “الرجل المريض” منذ تعرضه لجلطة دماغية في نهاية أبريل/نيسان 2013.

كتاب “بوتفليقة، الحكاية السرية” الذي أصدره الصحافي الجزائري فريد عليلات، المتخصص في شؤون الجزائر بمجلة “جون أفريك”، بفرنسا في فبراير/شباط 2020، ينبش في الأيام الأخيرة من عمر حكم بوتفليقة للجزائر.

من كان يحكم، عبد العزيز بوتفليقة أم شقيقه سعيد؟

يؤكد الصحافي من خلال التحقيقات واللقاءات التي أجراها حول أربع محطات بارزة في حياة عبد العزيز بوتفليقة، أي الجزائر وجنيف وباريس وأبوظبي، ما كان متداولا في البلاد لاسيما في أوساط النخبة، وهو أن سعيد بوتفليقة، الشقيق الأصغر للرئيس، أصبح يتشارك القرار السياسي مع أخيه الأكبر وبات يخطط معه لعهدة خامسة أثارت استنكار الجزائريين بشكل واسع وشديد.


كتاب "بوتفليقة، الحكاية السرية" للصحافي الجزائري فريد عليلات.
كتاب “بوتفليقة، الحكاية السرية” للصحافي الجزائري فريد عليلات. © علاوة مزياني

ويروي فريد عليلات في كتابه أن سعيد بوتفليقة تجاوز صلاحيات الرئيس وتجاهل دور نائب وزير الدفاع ورئيس أركان الجيش أحمد قايد صالح، مشيرا إلى أنه بدأ يخطط منذ أكتوبر/تشرين الأول 2019 مع بعض أصحاب القرار مثل رئيس الاستخبارات السابق محمد مدين المدعو “توفيق” لفرض ولاية خامسة رغم عجز بوتفليقة عن تولي مهامه الدستورية بسبب المرض.

للمزيد- من هم الرؤساء الذين تعاقبوا على حكم الجزائر منذ الاستقلال؟

وبدت الخطة بالنسبة لسعيد بوتفليقة بسيطة وفي المتناول، إذ كانت تقضي بعرض مرحلة انتقالية على المعارضة السياسية تسمح لأخيه البقاء في السلطة مقابل وعود بإجراء إصلاحات دستورية أبرزها تحديد مدة الحكم لولايتين اثنتين فقط.

“توفيق” يرحب بتنظيم مرحلة انتقالية، قايد صالح يرفضها قطعا

وقوبلت هذه الفكرة بمزيج من الذهول والسخرية علما أن عبد العزيز بوتفليقة كان ألغى المادة 74 من دستور 1996 والتي حددت فترة الحكم لعهدتين لا أكثر. واستدعى الرئيس السابق لهذا الغرض في أبريل/نيسان 2008 البرلمان بغرفتيه في جلسة استثنائية للمصادقة على تعديل دستوري يلغي المادة المذكورة ما يفتح المجال أمامه لعهدة ثالثة ثم رابعة.

ونقل الصحافي فريد عليلات في “بوتفليقة، الحكاية السرية” شهادات عدة مسؤولين بارزين سابقين (مثل محمد الشريف مساعدية، الزعيم السابق لحزب “جبهة التحرير” الذي حكم البلاد منذ استقلالها في 1962) بأن نية عبد العزيز بوتفليقة كانت منذ البداية الوصول إلى سدة الحكم والخلود فيها.

من جهته، صرح وزير الدفاع السابق خالد نزار في أكتوبر/تشرين الأول 2003 في الصحافة الجزائرية أن “بوتفليقة يفضل عائلته وعشيرته على مؤسسات الجمهورية”، مضيفا أن سعيد “أصبح الرجل الثاني” في الدولة رغم أنه كان مجرد مستشار غير رسمي.

رئيس أركان الجيش يطالب بوتفليقة بالاستقالة

وفيما حصل سعيد بوتفليقة على موافقة رئيس الاستخبارات السابق “توفيق” للمضي قدما في تنظيم مرحلة انتقالية، اصطدم برفض قاطع من قبل قائد أركان الجيش، الفريق أحمد قايد صالح. وعقد سعيد اجتماعات سرية مع “توفيق” ومع مسؤولين آخرين (رئيس الوزراء ووزير الداخلية ورئيس البرلمان) لأجل فرض خطته.

للمزيد- هل ستكون قرارات الرئيس الجزائري الجديد عبد المجيد تبون مستقلة عن الجيش؟

وأمام معارضة قايد صالح، فشلت الخطة من دون أن يستسلم سعيد بوتفليقة. فاستدعى الرئيس السابق في مطلع 2019 الهيئة الناخبة وحدد موعد الانتخابات الرئاسية في 18 أبريل/نيسان. وفي 9 فبراير/شباط، وقع حدث بارز في مسلسل تفجر الشارع الجزائري، وذلك بتنظيم حزب “جبهة التحرير” مهرجانا ضخما في العاصمة الجزائرية لدعم ترشح بوتفليقة لعهدة خامسة. وفي غياب الأخير، أشهر المنظمون ما سماه الجزائريون يومها “الإطار” وهي صورة للرئيس المريض، الذي لا يتكلم ولا يمشي، اصطف من حولها المشاركون لتزكية بطلهم.

وكانت تلك القطرة التي أفاضت الكأس، فبدأ غضب الشارع يظهر علنا بداية من مدينة برج بوعريريج (نحو 270 كلم شرقي الجزائر العاصمة) في 13 فبراير/شباط ثم بلدة خراطة بمحافظة سطيف (300 كلم شرقي الجزائر) في 16 فبراير/شباط، وصولا إلى مظاهرات 22 فبراير/شباط بالعاصمة التي شارك فيها مئات الآلاف.

نهاية “حلم الموت في السلطة” بعد عشرين عاما في الحكم

وأمام هذا الوضع الجديد، قرر الرئيس السابق إرجاء الانتخابات إلى موعد غير محدد، ما أثار استياء أحمد قايد صالح بحسب كتاب “بوتفليقة، الحكاية السرية”. وأمام إصرار سعيد بوتفليقة على احتكار الحكم، طلب رئيس أركان الجيش في مطلع مارس/آذار من الرئيس السابق الاستقالة من منصبه طبقا للمادة 102 من الدستور -التي تقضي بشغور منصب الرئيس في حال وفاته أو عجزه عن ممارسة مهامه.

لكن الرئيس رفض الاستقالة، فيما استمر شقيقه سعيد في اجتماعاته السرية مع “توفيق”. وعرض الثنائي على الرئيس الأسبق ليامين زروال، الذي تولى الحكم في 1994 واستقال في سبتمبر/أيلول 1998، ترأس الفترة الانتقالية لكنه رفض “التواطؤ” مع الحلف الرئاسي. وفي ذات السياق، كشف فريد عليلات في كتابه أن سعيد كان أسرّ لوزير الدفاع السابق خالد نزار في 7 آذار/مارس 2019 بأن الرئيس “مستعد لفرض حظر التجول أو حال الطوارئ” لأجل وضع حد للحراك.

للمزيد- من هو اللواء سعيد شنقريحة رئيس أركان الجيش الجزائري؟

وكتب الصحافي عليلات أن مصير عبد العزيز بوتفليقة حسم في 2 أبريل/نيسان خلال اجتماع لقادة الجيش في مقر وزارة الدفاع بأعالي العاصمة، ليظهر الرئيس السابق في نشرة الثامنة للتلفزيون الرسمي وهو يقدم استقالته لرئيس المجلس الدستوري. انتهى الأمر بالنسبة إلى بوتفليقة، البالغ من العمر 82 عاما، وتبخر “حلمه بالوفاة في السلطة” بعد عشرين عاما من الحكم المطلق.

وكان عبد العزيز بوتفليقة، الذي كان يشبه نفسه بالأمير عبد القادر زعيم المقاومة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي بين 1834 و1847، قد أقنع قادة الجيش إثر استقالة ليامين زروال في نهاية 1998 بأنه “الرجل المناسب”.

قضى آخر أيامه وحيدا

بعد تنحيه من السلطة تحت ضغط الشارع والجيش، كان بوتفليقة يعيش وحيدا في عزلة تامة في منزله، المجهز بمعدات طبية في بلدة زرالدة الساحلية التي تبعد نحو 40 كيلومترا جنوب غرب الجزائر العاصمة.

ولم يظهر بوتفليقة للعيان منذ أن أجبره الشارع والجيش على الاستقالة في الثاني من نيسان/أبريل 2019. في ذلك اليوم، ظهر للمرة الأخيرة على شاشة التلفزيون ليعلن استقالته، بعد أن حاول التمسك بالسلطة إلى آخر دقيقة.

وبحسب “بوتفليقة، الحكاية السرية”، كان الرئيس الراحل “يستقبل القليل من الزوار. ومُقعداً على كرسيه المتحرك”، علما أنه غير قادر على الكلام بسبب مرضه”.

 

علاوة مزياني/ فرانس24


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى