مكانس القشّ… حرفة أبو حسين الغالية
يجلس لساعات يجمع «القشّ شمايل» (أي رُزماً)، ويخيطه، ثم يكبسه ليصبح مكنسة، مستخدماً أدوات بسيطة كالمطرقة أو ما يعرف بالبلدي «شاكوش خشب»، و»مسلّة»(إبرة كبيرة) و»خيطان»، و»قالب» وكلها أدوات بدائية، وينتج في اليوم بين 20 و30 مكنسة تباع الواحدة بـ150 ألف ليرة.
قديماً، زمن «البابور» و»السراج» و»اللوكس» كانت «مكنسة القشّ» في كلّ منزل، وتعرف بمتانتها وجودتها، عكس اليوم إذ تحتلّ «مكانس البلاستيك» السوق، رغم ذلك بقي الحنين قويّاً إلى هذه المكنسة «القروية» المصنوعة بحبّ وعرق، فيها رائحة الأرض والطبيعة، ممهورة بختم الأجداد والذكريات والزمن الجميل ببساطته.
أما في حاضرنا، فلم يتعلّم أحد من جيل اليوم هذه الحرفة، بقيت في خانة التراث البلدي، وفق «الحاج علي». وعن السبب يقول «ما حدا بالو بالقديم. شباب اليوم يهوون التطوّر ويرون المهن العتيقة مجرّد ذاكرة على حائط الماضي».
رغم مرور السنين، بقي «أبو حسين» أميناً ووفيّاً لحرفته. ينتظر موسم القشّ ليبدأ نشاطه، أما في باقي الأيام فيواصل عمله في الزراعة وحرث الأرض بواسطة حصانه الذي يرافقه على الدوام. في الماضي كان الموسم يعجّ بحرفيي المكانس، كانت حركتهم لا تهدأ، في كل بلدة كان يوجد ثلاثة وأربعة منهم. اليوم انحسرت أعدادهم حتى باتت هذه المهنة مهدّدة بالانقراض. لم يتلقّ «أبو حسين» أي دعمٍ، أقلّه معنوياً لتشجيعه على الصمود، إذ لا توجد سوق للحرفيين في المنطقة.
وساهم تراجع الطلب على مكانس القشّ في تقلّص المساحة المزروعة بالذّرة الحمراء، ومع ذلك يشير إلى «أنّ بعض السيدات يفضّلن استخدام هذه المكانس، لأنها أفضل وأقوى من المكانس الصناعية»، ويرى «ضرورة الحفاظ عليها لأنها جزء من هويتنا الوطنية».
إلى اليوم، لا يزال «أبو حسين» يكسب لقمة عيشه ورزقه من حرفته، فهي «الأحبّ لقلبه»، يصنعها في غاية الدقّة والإتقان. تركها يعني التخلّي عن ذاته ووجدانه، ويؤكّد أنه «طالما يوجد طلب على المكانس، لن أتوقّف عن العمل». ويشير إلى أن عمله يجذب انتباه المارة، بعضهم يقف لالتقاط صورة أو للتعرف الى طريقة عمله. بكلمة واحدة يختم: «من يهجر حرفته يهجر هويّته» في تشديد على أهمية هذه الصنعة التي ضاعت في غياهب الإهمال والنسيان.
مصدر الخبر
للمزيد Facebook