هذا هو الحلّ الوحيد لخلافة سلامة
لم يبقَ لحاكم مصرف لبنان الحالي رياض سلامة في منصب الحاكمية سوى أيام معدودة. وقبل أن يؤول هذا المنصب إلى الفراغ كما في سدّة الرئاسة الأولى، وكما في أكثر من موقع عسكري واداري، تسارعت التطورات على هذا الصعيد، وآخرها بيان نواب الحاكم الأربعة: وسيم منصوري، بشير يقظان، سليم شاهين، وألكسندر براديان، الذين هدّدوا بالاستقالة الجماعية إذا لم يتمّ تعيين حاكم جديد خلفًا لسلامة. وهذا ما حدا إلى استنفار سياسي على أعلى المستويات، لأن الفراغ الشامل في مسؤولية الحاكمية في هذا التوقيت بالذات يُعتبر ضربة قاضية لما تبقّى من أمل في إمكانية نهوض لبنان من كبوته المالية، مع ما يعني هذا الفراغ من ترك لبنان لقدره، خصوصًا أن ما يلوح في الجنوب من مؤشرات خطيرة تتزامن مع غياب لأي مبادرة رئاسية خارجية جدّية لا يطمئن كثيرًا بعدما ضمت إسرائيل الشطر اللبناني من قرية الغجر إلى الشطر الذي تحتّله قوات الاحتلال.
فبيان نواب الحاكم فاجأ الجميع، لأن مضمونه تزامن مع تسارع عقارب الساعة، حيث لم يعد أمام السلطة السياسية بوجهيها التشريعي والتنفيذي متسع من الوقت لتلافي أخطر أزمة يمرّ فيها لبنان، على رغم أهمية الأزمة الرئاسية، التي هي في اعتبار الجميع “أم الأزمات”. ولأن العشب قد نبت على أدراج قصر بعبدا بفعل هذا الفراغ المخيف فإن العشب غير الأخضر سينبت أيضًا على أدراج حاكمية مصرف لبنان، وعلى أعتاب المجلس العسكري، وفي كل مكان من الأمكنة الحساسة في مواقع الدولة، مع ما للفراغ – الأم من تأثير على مختلف مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وحتى الأمنية في بلد تتوالد فيه المشاكل بسرعة الضوء.
فهذا التطور وضع لبنان امام استحقاق يتجاوز بتداعياته الحرجة تلك التي تشبه تداعيات الفراغ الرئاسي لاعتبارات أساسية ليس اقلها خطورة أن الاستقرار المالي في حدوده الدنيا سيغدو مهددًا بقوة بما يترتب عليه الدخول في مرحلة غير مسبوقة بغموضها وتفلتها من الضوابط في حال تحقق فعلًا الفراغ الشامل على مستوى حاكم مصرف لبنان والمجلس المركزي للحاكمية بنوابه الأربعة، الامر الذي يطلق العنان لتداعيات فوضى مالية ومصرفية لم يسبق أن شهدتها البلاد منذ اللحظة الأولى للانهيار الذي وصل إلى أوجه في العام 2019.
وترصد الأوساط المالية والاقتصادية بدقة عالية ماذا ستكون عليه مواقف القوى السياسية من هذا التطور، إذ من المعروف أن القوى المسيحية الأساسية تجمع على رفض التسليم بصلاحية حكومة تصريف الاعمال في تعيينات الفئة الأولى بما يعني رفض تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان. وسيرتب البيان الضاغط لنواب الحاكم صراعًا خطيرًا واتجاهات نحو خيارات قد لا يكون أي منها متاحًا ما لم يحصل توافق واسع على أي منها، علمًا ان رئيس مجلس النواب نبيه بري أكد أنه مع “تعيينات الضرورة” وان الضرورات تبيح المحظورات.
ولعل العامل البارز في مضاعفات بيان نواب الحاكم تمثلت في انضمام “حزب الله” إلى معارضي تعيين حاكم لمصرف لبنان في ظل الحكومة الحالية، وهو أبلغ من إلى يعنيهم الأمر أنه لن يحضر جلسة لمجلس الوزراء لتعيين حاكم، وهو مع تسلم النائب الأول للحكم وسيم منصوري مسؤولياته بعد انتهاء ولاية سلامة.
وعليه، فإن القوى السياسية أمام ثلاثة خيارات أحلاهم مرّ، وهي:
-إمّا أن تعيّن الحكومة حاكماً جديداً لمصرف لبنان، وقد يكون الوزير السابق كميل أبو سليمان الأوفر حظًّا. لكن دون هذا الاجراء محاذير تتمثّل برفض القوى المسيحية الفاعلة هذا التعيين، إضافة إلى موقف “حزب الله” المستجدّ.
– إمّا استلام النائب الأوّل وسيم منصوري مهام الحاكميّة، وهذا ما لا يوافق عليه الرئيس بري وبعض القوى المسيحية.
– إمّا تمديد الحكومة ولاية سلامة، وهو أمر مستبعد ومتعذّر إن لم نقل مستحيلًا في بلد أصبح فيه كل شيء مستحيلًا.
أمّا الحل – الخيار الأنسب والأفضل لهذه المعضلة ولغيرها فيكون بنزول نواب الأمّة إلى “ساحة النجمة” وعدم الخروج من القاعة العامة قبل انتخاب رئيس جديد للجمهورية. هذا هو الحل الوحيد. أمّا الحلول الأخرى، وإن كانت مشروعة ومبررة، فهي مشاريع لخلافات جديدة.
مصدر الخبر
للمزيد Facebook