آخر الأخبارأخبار دولية

لماذا لا يشكل تدمير سد كاخوفكا ضربة قاصمة للاختيارات الاستراتيجية؟


يرى العديد في تدمير سد كاخوفكا قرب مدينة خيرسون جنوب أوكرانيا الثلاثاء السادس يونيو/حزيران، ضربة للاستراتيجية العسكرية للهجوم المضاد الذي تهيّئ له قوات كييف منذ أشهر، وقال بوتين الجمعة إنه قد بدأ فعلا لكنه فشل، فيما اكتفى زيلينسكي بالقول إن “عمليات هجومية مضادة” للجيش الأوكراني جارية على الجبهة. لكن خبراء حاورتهم فرانس24 قالوا إنه لا يجب المبالغة في تقدير أهمية عبور نهر دنيبر حيث يقع السد، بالنسبة للخيارات الاستراتيجية التي تبقى في متناول الأوكرانيين لاسترجاع السيطرة على أراضيها. 

نشرت في: 10/06/2023 – 17:54

لم يكن المستشار الألماني أولاف شولتز الوحيد الذي عبّر صراحة عن شكوكه حيال ملابسات وأسباب تدمير سد كاخوفكا الاستراتيجي والحيوي الواقع في خيرسون جنوب أوكرانيا الثلاثاء 6 يونيو/حزيران. حيث قال رئيس الحكومة الألمانية: “إن أخذنا بعين الاعتبار كافة العناصر، ينبغي علينا بطبيعة الحال أن نفترض أنها كانت هجمة روسية لوقف هجوم أوكرانيا الهادف إلى تحرير أرضها”. 

وتبادلت موسكو وكييف الاتهامات بالوقوف وراء تدمير السد. وقال وزير الدفاع الروسي سيرغي تشويغو إن أوكرانيا تسعى إلى “منع العمليات الهجومية للجيش الروسي في هذا الجزء من الجبهة” عبر تخريبها السد.


والسبت، قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إن “عمليات هجومية مضادة” للجيش الأوكراني جارية على الجبهة، لكن دون الإعلان بشكل رسمي عن انطلاق الهجوم الكبير الذي تعدّ له منذ مدة هيئة الأركان في كييف. وقال زيلينسكي خلال مؤتمر صحافي: “حصلت عمليات هجومية مضادة ودفاعية في أوكرانيا، ولن أتحدث عنها بالتفصيل” وفق ما نقلت وكالة الأنباء الفرنسية.

>> اقرأ أيضا : ريبورتاج: مدينة خيرسون الأوكرانية مسرح لقصف متواصل رغم انسحاب القوات الروسية

كما أحجم زيلينسكي عن التعليق على تصريح نظيره الروسي فلاديمير بوتين الجمعة، والذي قال إن الهجوم المضاد الأوكراني قد بدأ مؤكدا أن كييف لم تتمكن من “تحقيق أهدافها”. وقال بوتين في فيديو بثه على تلغرام مراسل التلفزيون الروسي العام: “يمكننا أن نؤكد تماما أن الهجوم بدأ بدليل استخدام احتياطيات استراتيجية”. وتابع الرئيس الروسي بأن المعارك مستمرة منذ خمسة أيام “لكن القوات الأوكرانية لم تحقق أهدافها في أي من ساحات المعارك”.

عبور النهر.. مهمة مستحيلة؟ 

مهما كانت الجهة التي تقف وراء الهجوم، فمن المؤكد أنه سيكون لهذه الحلقة الجديدة من النزاع والتي أجبرت عشرات الآلاف من الأشخاص على النزوح من المنطقة المنكوبة، تأثير على مسار الحرب. في هذا السياق، قال ضابط أوكراني فضّل عدم الكشف عن هويته خلال مقابلة مع صحيفة فايننشل تايمز، إن ملايين الأمتار المكعبة من المياه والتي تدفقت في نهر دنيبر المتاخم للسد، أغرقت كل شيء في طريقها، ما يعني أننا “لو أردنا عبور النهر في هذا الموقع، فقد بات هذا الأمر مستحيلا”.

في الواقع، كانت إحدى الفرضيات التي غالبا ما تطرح فيما يخص خطط الهجوم الأوكراني المضاد، هي أن قوات كييف ستعبر نهر دنيبر في منطقة خيرسون، حيث يكون النهر أكثر ضيقا، ومن ثمة التقدم بأسرع ما يمكن نحو شبه جزيرة القرم. بالتالي، ولولا تدمير السد، فقد كان الهدف ليكون قطع خطوط الإمداد الروسية التي تنطلق من شبه الجزيرة لدعم القوات المتمركزة في منطقة زابوريجيا وفي دونباس.


لكن الآن، باتت تلك الخطة بلا مغزى. فحتى ولو افترضنا أن عبور النهر الآن ليس بالأمر المستحيل، فإن جيف هاون المتخصص في المسائل العسكرية الروسية والمستشار الخارجي لمعهد نيو لاينز وهو مركز أمريكي للأبحاث في الجغرافيا السياسية، يرى بأنه: “لا يزال بإمكان المشاة العبور، في مجموعات صغيرة، لكن ليس المركبات المدرّعة”. 

ولا تكمن المشكلة فقط في مستوى الماء، حيث يشرح جيف هون بأن “تدمير البنى التحتية إثر الفيضانات، وكذا الحطام المتراكم، قد يؤدي إلى إبطاء تقدم الجنود الذين سينجحون في عبور النهر”. لعل هذا يكفي لإزالة اللبس حول أهمية عبور نهر دنيبر. 

عبور نهر دنيبر.. خيار استراتيجي؟ 

وفقا لهذا السيناريو، فإن تدمير سد كاخوفكا يجب أن يدفع هيئة الأركان العامة الأوكرانية إلى إعادة التفكير في هجومها المضاد. كما يمكن اعتبار ذلك بمثابة النعمة لموسكو، والتي قد تستفيد من فترة الاستراحة هذه “لتنظيم دفاعاتها على أحسن وجه”، وفق ما أفادت صحيفة وول ستريت جورنال

في المقابل، يرى العديد من الخبراء الذين حاورتهم فرانس24 بأن عبور نهر دنيبر في هذا الموقع لم يكن أصلا خيارا تم التفكير فيه بجدية. يوضح سيم تاك محلل عسكري في مؤسسة Forces Analysis المتخصصة في مراقبة الصراعات: “برأيي، لن يكون لهذه الكارثة أي تأثير على الهجوم المضاد، لأن كييف على ما يبدو تريد على كل حال التركيز على هجوم واسع النطاق في منطقة فوهليدار وفي دونيتسك”.

>> اقرأ أيضا : الانفصاليون الموالون لروسيا يريدون تحويل مدينة خيرسون إلى “حصن” لصد التقدم الأوكراني

من جانبه، قال حسين علييف المتخصص في النزاع بأوكرانيا بجامعة غلاسكو، إن “منطقة خيرسون هي خيار سيئ لعبور نهر دنيبر، لأن الأراضي هناك تتسم بأنها كثيرة المستنقعات. وحتى قبل الفيضانات، كان الأمر من الناحية اللوجستية ليكون معقدا للغاية بالنسبة لتنظيم عبور المركبات المدرّعة الضرورية لتنفيذ الهجوم المضاد”. 

لكن، هل يعني ذلك أنه يمكن لكييف أن تستمر في خططها وكأن شيئا لم يحدث؟ “ليس تماما” يقول حسين علييف موضحا بأن “هذه الكارثة أزاحت بشكل نهائي خيارا (للجيش الأوكراني) كان ينبغي على الروس أن يضعوه في الحسبان”. 

بعبارة أخرى، يمكن لموسكو اليوم أن تعيد نشر الدفاعات القليلة التي كان عليها أن تحتفظ بها في هذه المنطقة تحسبا لأي هجوم أوكراني، في موقع آخر، بدءا من دونيتسك، التي يمكن حسبما يلحظ جيف هاون: “أن تكون الآن الهدف الأكثر احتمالا للهجوم الأوكراني المضاد والذي يمكن أن يلتف حول نهر دنيبر والنزول نحو ماريوبول، وهي هدف شديد الرمزية بالنسبة للجيش الأوكراني”. 

تداعيات الكارثة طالت الروس أيضا 

تمثل هذه الكارثة ميزة أخرى بالنسبة للروس وهي إمكانية تشتيت انتباه كييف. حيث إن تنفيذ هجوم كبير لن يكون سهلا حين يتعين في آن واحد تنظيم عمليات الإغاثة ومراقبة تطور الوضع الإنساني. قد يدفع هذا أوكرانيا إلى تأخير عملياتها العسكرية في انتظار تحكمها الكامل بالوضع في أجزاء من منطقة خيرسون تقع تحت سيطرتها. 

إلا أن السلطات الأوكرانية، والتي تواجه ضغطا دوليا، لا تستطيع تأجيل هجومها المضاد لفترة طويلة. يوضح جيف هاون في هذا الصدد: “سياسيا، كييف مضطرة إلى إثبات أن الدعم العسكري الدولي المقدم لها ينفعها في شيء ما. لهذا السبب، فمهما حدث، فإن الهجوم المضاد يبقى الأولوية رقم واحد بالنسبة للحكومة” الأوكرانية. من جانبه، يقول سيم تاك: “من ناحية أخرى، فإن لدى أوكرانيا العدد الكافي من الموظفين المدنيين ما يسمح لها بعدم إضعاف جبهتها (استقدام العسكريين) لمساعدة المدنيين في المناطق التي غمرتها الفيضانات”.

إضافة لذلك، فإن أوكرانيا لم تكن الوحيدة المتضررة من الفيضانات. يؤكد حسين علييف: “الجنود الروس الذين كانوا يدافعون عن ضفة نهر دنيبر، هم من كانوا في المقدمة”. لقد اضطروا إلى ترك مواقعهم بشكل عاجل، وربما كانوا مجبرين على التخلي عن معداتهم حين غادروا. يذكر هذا الخبير أيضا بأن المياه “غمرت طرقا على الضفة الروسية من نهر دنيبر، ما قد يؤثر سلبا على تنظيم الإمدادات انطلاقا من شبه جزيرة القرم، وهي مركز لوجستي مهم للقوات الروسية المنتشرة في جنوب أوكرانيا وفي دونباس”. 

والنقطة الأساسية هو أن هذه الكارثة قد تلعب على المدى البعيد، ضد المصالح روسيا. يقول سيم تاك: “لقد دمّرت الفيضانات منظومة الري في القرم. إذا ما نفد الماء في شبه الجزيرة، فستواجه روسيا صعوبة في الإبقاء على كامل تنظيمها وقواتها هناك لفترة طويلة جدا”. 

على أية حال، فلو كانت روسيا فعلا هي من يقف وراء تدمير السد في محاولة منها لإرباك الاستعدادات الأوكرانية، فإن حساباتها وتقديراتها ستكون خاطئة تماما.

//platform.twitter.com/widgets.js


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى