إقتصاد وأعمال

الإمارات وسويسرا.. طرق رئيسية للالتفاف على العقوبات الغربية؟


نشرت في: 25/04/2023 – 13:47

وثّقت وسائل إعلام دولية عديدة مؤخرا الطرق الرئيسية التي يستخدمها المتعاملون في تجارة المواد الخام أو المحروقات، وموسكو أيضا، لاستغلال ثغرات موجودة في نظام العقوبات الغربية المفروضة على روسيا والالتفاف عليها. تمر هذه الطرق غالبا عبر دولتين هما سويسرا، وبشكل خاص الإمارات العربية المتحدة. 

كشفت عدة وسائل إعلام ومنظمات غير حكومية أبرزها غلوبال ويتنس GlobalWitness في أواخر مارس/آذار، أن شركة باراماونت دي أم سي سي  ParamountDMCC ومقرها دبي والتي تأسست في 2020، قد باتت رابع أكبر تاجر للنفط الروسي بمنطقة آسيا منذ فرض العقوبات على صادرات الطاقة الروسية في ديسمبر/كانون الأول 2022. هذه الشركة ليست روسية لكن اللافت هو أن اسمها قريب جدا من تسمية شركة تجارية أخرى تنشط كذلك في مجال النفط، وهي ParamountSA ومقرها سويسرا. 

ويوجد أيضا بسويسرا مقر شركة OpenMineral AG المتخصصة في شراء الذهب، والتي لا تشتريه مباشرة من روسيا، وهو ما كان ليتعارض مع العقوبات الأوروبية المفروضة على تجارة المعادن الثمينة المعتمدة في أغسطس/آب 2022. لكن شركة Open Mineral  Ltd ومقرها أبوظبي وهي تابعة ومملوكة بنسبة 100 بالمئة للشركة السويسرية الأم، هي من تشتري الذهب الروسي، حسبما كشفت صحيفة FinancialTimes في 17 أبريل/نيسان. 

“لندن الجديدة للأثرياء الروس” 

ولعل النقطة المشتركة بين هاتين الشركتين هي محور سويسرا-الإمارات، الذي يبدو من الخيارات المفضّلة لأولئك الذين يسعون إلى الالتفاف على العقوبات المفروضة على روسيا. 

في المقابل، لم تتأخر الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة في التحرك لمواجهة هذه الوضعية. فمنذ مطلع مارس/آذار، وجّهت القوى الغربية الكبرى لكل من سويسرا والإمارات تحذيرات لتذكير الدولتين بضرورة القيام بالمزيد من الجهود للمساهمة بفعالية في نظام العقوبات.

للمزيد: المفوضية الأوروبية تقترح تحديد سعر النفط الروسي وفرض قيود جديدة على التبادل التجاري مع موسكو

لكن سويسرا والإمارات ليستا الوحيدتين اللتين تسمحان، سواء عن علم أو دونه، بالالتفاف على نظام العقوبات الغربية حسب ماريا شاجينا الخبيرة في نظام العقوبات الدولية بالمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، وهو مركز أبحاث مقره لندن. وتوضح أنه في هذا السياق غالبا ما “نتحدث بشكل أكبر عن الصين والهند. لكن سويسرا والإمارات العربية المتحدة تلعبان دورا متزايدا (...) وخصوصا الإمارات التي باتت عنصرا حاسما بالنسبة لموسكو في محاولة التهرب من العقوبات”. 

من جانبها، توضّح إميلي روتليدج المتخصصة في اقتصاد دول الخليج بالجامعة المفتوحة في بريطانيا، بأنه ومنذ بداية العملية العسكرية الروسية بأوكرانيا في 24 فبراير/شباط 2022، “تحولت دبي إلى لندن الجديدة للأثرياء الروس الذين لهم روابط مع فلاديمير بوتين”. 

وفعليا، استقر الآلاف من الأثرياء الروس في الإمارات منذ بداية الحرب. لكن لم يأت هؤلاء إلى الإمارة الخليجية الثرية فقط من أجل الاستمتاع بالشمس وبالمنازل الفاخرة المطلّة على البحر. ففي مقاله بمجلة جون أفريك JeuneAfrique، يقول سيباستيان بوسوا المتخصص في العلاقات بين أوروبا ودول الشرق الأوسط في الجامعة الحرّة ببروكسل ومؤلف كتاب “الإمارات العربية المتحدة، نحو فتح العالم”، إنه في ظرف ما يربو قليلا عن العام، تمكن الروس المقيمون في دبي وأبوظبي من “إعادة تأسيس حوالي 300 شركة لاستئناف أعمالهم”، ومن حينها، باتت هذه الدولة بالنسبة إليهم ملاذا جديدا آمنا. 

كما قامت موسكو بكل ما يلزم لضمان استمرار شهر العسل هذا مع الإماراتيين. تشرح إيميلي روتليدج: “زادت استثمارات الشركات العامة والأوليغارشية وحتى المواطنين الروس العاديين في هذه المنطقة بشكل كبير”. حتى إن فلاديمير بوتين بذل جهدا شخصيا لإظهار مدى اهتمامه بهذه العلاقة، فخلال زيارة رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى سان بطرسبرغ في أكتوبر/تشرين الأول 2022، والتي حظيت بتغطية إعلامية كبيرة، حرص الرئيس الروسي على الجلوس بجانب ولي عهد أبوظبي و”ليس في الطرف الآخر من طاولة طويلة [كما فعل مع أغلب الزوار الذين استقبلهم منذ اندلاع الحرب]”، تلحظ نفس المتحدثة. 

كما أن الإمارات كانت متجاوبة. وتؤكد إميلي روتليدج أنها رسميا محايدة في الصراع و”يجب ألا ننسى أن الإمارات العربية المتحدة قدّمت أكثر من 100 مليون دولار من المساعدات الإنسانية لأوكرانيا”، إلا أنها رفضت في المقابل فرض عقوبات على روسيا في أعقاب غزو أوكرانيا. 

إلا أن الموقف الإماراتي لا يفاجئ الخبراء المتخصصين بهذه المنطقة. حيث يقول أندرياس كريج، المتخصص في الشرق الأوسط بالكلية الملكية في لندن: “استخدمت الإمارات منذ سنوات وبشكل استراتيجي للغاية قدراتها المينائية، ومراكزها المالية واللوجستية لتسهيل التجارة مع الدول وأيضا مع الجهات غير الحكومية سواء كانت خاضعة للعقوبات أو لا”. وبالتالي فقد كانت دول مثل فنزويلا قادرة على الاستفادة من هذا الموقف حتى قبل روسيا. 

إعادة التصدير إلى روسيا 

تعتبر التسهيلات التي يتيحها ميناء جبل علي في دبي خصوصا إمكانية إعادة تصدير المنتجات، بمثابة سلاح إغراء هائل تشهره السلطات الإماراتية لفائدة الأنظمة التي تم إبعادها اقتصاديا من قبل المجتمع الدولي. في هذا السياق، ترى صحيفة فاينانشيال تايمز أن قيام الإمارات بتصدير معدات إلكترونية إلى روسيا بحجم يفوق عشر مرات ما تم خلال العام الماضي هو بمثابة النعمة لموسكو. حتى إن مصدر تلك المنتجات قد يكون في الأصل شركات موجودة في دول حظرت التجارة مع روسيا منذ بداية الحرب. تعليقا على هذه المسألة، قال جيمس أوبراين رئيس مكتب تنسيق العقوبات الدولية في الولايات المتحدة، خلال زيارة  إلى دبي في مارس/آذار المنصرم: “مطلبنا الرئيسي هو أن تتوقف عمليات إعادة تصدير’تلك المنتوجات إلى روسيا’ “. 

لكن بالنسبة للإمارات فإنه “العنصر المركزي في استراتيجيتها لتصبح وسيطا رئيسيا على الساحة الدولية. يجب أن ندرك أنه بفضل هذا العرض تمكنت أبوظبي من تطوير تأثير شامل أكبر بكثير من بلد بهذا الحجم”، حسب أندرياس كريج. 

كما أن الإمارات متهمة بغض الطرف عن تجارة المواد الأساسية والخامة والمحروقات الروسية. وهنا تدخل سويسرا على خط اللعبة. 

تاريخيا، استقر تجار المواد الأساسية أو النفط الرئيسيون على غرار جلينكور Glencore أو فيتول Vitol على الأراضي السويسرية. لذلك فحينما قررت بيرن أن تفعل مثل باقي دول الاتحاد الأوروبي وتفرض عقوبات على واردات النفط والمواد الخامة الروسية مثل الذهب، “هبت موجة من الذعر في جنيف” وفق ما أفادت المنظمة غير الحكومية غلوبال ويتنس في تقريرها حول التحايل والالتفاف على العقوبات ضد روسيا.  

فروع شركات “مستقلة” 

إلا أن بعضا من تجار المحروقات سرعان ما اكتشفوا ثغرة: هذا الحظر لا يتعلق سوى بالشركات التي توجد مقراتها في سويسرا. فكات فكرتهم : لماذا لا يتم استخدام فروع شركات تم إنشاؤها في دولة لم تنضم إلى نظام العقوبات الدولي… مثل دبي أو أبوظبي؟ 

من ثمة، ظهرت في الإمارات فروع تابعة للشركات الأم في سويسرا مثل ParamountDMCC أو OpenMineral Ltd. تشكّل هذه الحالة نموذجا عن الفارق الكبير بين العقوبات على الطريقة السويسرية وتلك التي يعتمدتها الاتحاد الأوروبي، والتي تنص بشكل خاص على حظر الشركات الفرعية. 

من جهة أخرى، فإن الالتزام الإجباري الوحيد المنصوص عليه في القانون السويسري، هو أن تكون الشركة الفرعية مستقلة بنسبة 100 بالمئة عن الشركة الأم. تقول ماريا شاجينا التي عملت لفترة طويلة في جنيف: “تأتي المشكلة برمتها من رفض السلطات السويسرية تحديد مفهوم الشركة الفرعية المستقلة بدقة، وهو غموض يمكن استغلاله”. 

من جانبها، ردّت السلطات السويسرية في اتصال مع فرانس24 على هذه المسألة بالقول إن “الإجراءات التي تبنتها [سويسرا] تتوافق تماما مع تلك السارية في أوروبا، حتى ولو لم يتم صياغتها تماما بنفس الطريقة”. 

لكن ذلك لا يمنع من حقيقة أن هذه التفاوتات في الصياغة هي التي سمحت مثلا لشركة ParamountDMCC ببيع النفط الروسي فوق السعر الأساسي المحدد الشهير بـ 60 دولارا للبرميل المنصوص عليه في العقوبات الأوروبية، فيما لا تستطيع شركة ParamountSA، ومقرها سويسرا، القيام بذلك. وبالنسبة إلى تاجر الذهبOpenMineral Ltd، فقد تمكن من شراء الذهب الروسي بعشرات الملايين من الدولارات، فيما لم لا يُسمح لـ OpenMineral AG بالقيام بذلك. 

تُظهر هذه العيوب محدودية نظام العقوبات المطبق منذ نحو عام في محاولة لخنق روسيا اقتصاديا. في هذا الإطار، يوضّح تايلر كوسترا المتخصص في العقوبات الاقتصادية في هارفارد وجامعة نوتنغهام، أنه لا شك أن التحركات في البداية كانت سريعة، هذا يعني أنه لم يتم التفكيرفي كافة الحالات. الآن، يتوجب الحرص على تطبيق القواعد بشكل أحسن”.

السؤال اليوم هو ما إذا كان بإمكان واشنطن ممارسة ما يكفي من الضغط على هذه الدول لتشدّد قواعدها. أما بالنسبة إلى سويسرا، فهناك فعلا ضغوط من الدوائر المالية التي “تتخوف من أن تخيف المبالغة الزبائن الأثرياء من بلدان أخرى، مثل الصين”، حسبما ترى ماريا شاجينا. 

أما بالنسبة إلى الإمارات، توضح شاجينا أن “التهديد الوجودي الوحيد لها يأتي من إيران. إذ يمكن القول ببساطة، إن الولايات المتحدة أو إسرائيل لن تترددا عن حماية الإمارات مهما كان عدد الأوليغارش الروس المتواجدين هناك”. لذلك، فإن العثور على وسائل الضغط لن يكون بالأمر الهيّن.

أمين زرواطي/سيباستيان سايبت


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى