آخر الأخبارأخبار محلية

من هذا المشهد لا أزال أتعلمّ الكثير

لا يزال هذا المشهد ماثلًا أمامي، وهو يتكرّر في كل المناسبات الدينية، وبالأخص في عيدي الفطر السعيد والأضحى المبارك.  
عندما كنت لا أزال أعيش في لبنان، الذي سأعود إليه، عاجلًا أم آجلًا، كنت أصادف في هذين العيدين، وأنا في طريقي من منزلي في ديك المحدي إلى مركز عملي في “لبنان 24” في منطقة الأونيسكو، وكنت أغدو باكرًا، وقبل صياح الديك، زرافات من المؤمنين يؤمون المساجد لتأدية صلاة العيد، وبالأخص في عيد الفطر السعيد، بعد شهر من الصيام، شهر رمضان المبارك، حيث كان الصائمون ينقطعون عن الأكل والشرب لمدة 16 ساعة يوميًا، ولهم في ذلك ثواب وأجر عظيمين.  

Advertisement

هذا المشهد، أي مشهد توافد المصلين بالمئات، وافتراش الطرقات أمام المساجد يؤدون صلوات العيد ويرفعون آيات الشكر إلى الرحمن على نعمه وبركاته، لم يبارحني حتى ولو عن بعد. فهذا المشهد النابع من إيمان عميق أعادني بالذاكرة إلى ما أبداه قداسة البابا القديس مار يوحنا بولس الثاني من تقدير وإعجاب كبيرين لدى رؤيته مدى التزام المسلمين بفريضة الصلاة والصوم وما يرافقهما من إعمال خير وبرّ وصدقات وزكاة، داعيًا المسيحيين إلى الالتزام بفريضة الصلاة، وهم كانوا يؤدونها سابقًا خمسًا على غرار الرهبان والقساوسة، فجرًا وصبحًا، وظهرا ومغرباً ومساء.
هذا المشهد، إن دلّ على شيء فعلى إيمان عميق بالخالق والعودة إلى الأصالة والتعلق بالقيم الإنسانية، بعيدًا عن محاولات البعض لتشويه التعاليم السماوية والإساءة إليها من خلال ما يقومون به من أعمال إرهابية أجمع العالم الإسلامي على اعتبار من يقفون وراءها خارجين على الدين وأخلاقه وتعاليمه وما يدعو إليه من مغفرة وتسامح وانفتاح.  
لقد تعلمّت كثيرًا، ولا أزال، من معاني العيد ومن خلاصات شهر رمضان الكريم، وما فيه من عبادة وتقوى وأعمال خير وصلاح وتراحم، في وقت لا نزال نحتاج فيه إلى مزيد من التمسك بأهداب أدياننا السماوية وما تدعو إليه من محبة وإخاء، في عالم تغلب عليه السطحية والخفة والبدع البعيدة عن الأخلاق الحميدة والقيم الإنسانية، وفي عالم تكثر فيه أعمال الشرّ والاستهتار بحياة الناس واستباحتها في ظل تفلت السلاح الناتج عن عدم الالتزام بالقوانين والخروج عن التعاليم التي تحضّ على المسامحة والغفران وعدم التعامل مع الآخرين على أساس شريعة “العين بالعين والسن بالسن”، بل على أساس المحبة وعدم الإساءة إليهم.  
هذا الكلام ليس المقصود منه وعظًا، خصوصًا أن للوعظ أربابه، بل هو شعور ينتابني في صبيحة كل عيد، وعند سماع أجراس الكنائس وتكبير المآذن، وأحببت أن أتشارك به من خلال هذه الزاوية مع من يبادلني الشعور نفسه، فتزول ما بيننا من فروقات واختلافات مصطنعة، ليسود جو الحوار والعقلانية وحدهما بعيدًا عن الغرائزية البغيضة والتزمت المقيت والتعصب الأعمى، فتعود أعيادنا إلى بهائها ويتشارك في فرحتها الجميع، مسلمين ومسيحيين، وهذه كانت عليه حالنا في مدننا وقرانا.
كل عيد وجميع الأحبة بخير، على أمل أن تعود أعيادنا كما كانت عليه في السابق، وتعود المحبة ويتلاشى الشرّ وينكفئ التباعد وتُقرّب المسافات. 


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى