هل ستؤجج الانتخابات الرئاسية المقبلة الوضع في بلاد التيرانغا وما مصير المعارض عثمان سونكو؟
نشرت في: 30/03/2023 – 21:04
رغم أن سنة تقريبا تفصلنا عن الانتخابات الرئاسية في السنغال والمقررة في فبراير/شباط 2024، إلا ان صداعها السياسي بدأ يظهر اليوم في البلاد حيث تم تنظيم احتجاجات ومظاهرات عنيفة داعمة للمعارض الشاب عثمان سونكو الذي يتهمه القضاء “بالاغتصاب والقذف”. أنصار سونكو يعتقدون بأن السلطة وعلى رأسها الرئيس الحالي ماكي سال يخططان لإبعاده من التنافس الانتخابي بعدما جاء في المرتبة الثالثة في رئاسيات 2019 إثر حصوله على 16 بالمئة من الأصوات. فهل سينفجر الوضع كلما اقترب الموعد أم الحكمة السنغالية هي التي ستفوز في نهاية المطاف؟ فرانس24 تعطيكم بعض المفاتيح لفهم ما يجري في بلاد التيرانغا.
يعيش السنغال منذ أسبوع على وقع احتجاجات ومظاهرات بلغت ذروتها الأربعاء الماضي خلال المواجهة التي وقعت بين قوات الأمن والطلاب الذين أرادوا المشاركة في مسيرة احتجاجية غير مرخصة من قبل الحكومة، لمساندة زعيم المعارضة ورئيس ديوان المراجعة السنغالي السابق عثمان سونكو الذي أعلن ترشحه للانتخابات الرئاسية التي ستنظم في 2024.
المظاهرات لم تشمل فقط العاصمة داكار، بل اتسعت دائرتها إلى مدن داخلية أخرى، مثل تيس وسانت لويس وإقليم “كازامونس” المتمرد الواقع جنوبي السنغال حيث قتلت قوات الأمن الإثنين الماضي متظاهرا مساندا للزعيم عثمان سونكو. كما قام أيضا المتظاهرون بالاعتداء على بعض المرافق التابعة للدولة وعلى مؤسسات فرنسية.
ويعيش في السنغال التي تتميز بالاستقرار السياسي والتداول السلمي للسلطة منذ سنوات مقارنة بالدول الأفريقية الأخرى، جالية عربية كبيرة غالبيتها من لبنان وسوريا إضافة إلى بعض المستثمرين الفرنسيين الذين استقروا هناك رفقة عائلاتهم.
ماهي أسباب الاحتجاجات؟
بالإضافة إلى المطلب العام والدائم المتمثل في تعزيز النظام الديمقراطي في البلاد وتمكين التداول السلس للسلطة، خرج المتظاهرون إلى الشارع للتعبير عن رفضهم لاستدعاء القضاء السنغالي للمعارض عثمان سونكو على خلفية قضية اغتصاب لموظفة في مجال التجميل في العام 2021.
كما يريد أيضا القضاء الاستماع إلى هذا المعارض الذي احتل المرتبة الثالثة في الانتخابات الرئاسية في 2019 في قضية “قذف” رفعها ضده وزير السياحة السنغالي الذي اتهمه سونكو “باختلاس أموال الدولة”. لكن مناصري عثمان سونكو يعتقدون بأن تصرف السلطات الأمنية والقضائية إزاء زعيمهم يهدف فقط إلى ابعاده من السباق الرئاسي القادم، خاصة وأنه يملك حظوظا كبيرة بالفوز.
ومازاد الطين بلة هو اقتحام الأجهزة الأمنية لمنزل هذا المعارض واقتياده بالقوة إلى المحكمة قبل أن يفرج عنه ويوضع قيد الإقامة الجبرية في منزله. وكتب على صفحته على فيس بوك “منذ أن وضعت قيد الإقامة الجبرية في المنزل، أشعربدوران في الرأس وبآلام في أسفل البطن وبمشاكل في التنفس. لقد اتصلنا بسيارات الإسعاف لكن قوات الأمن منعتها من المجيء إلى المنزل. الرئيس ماكي سال لا زال يخطط من أجل اغتيالي”.
من هو عثمان سونكو وما هي طموحاته السياسية؟
عثمان سونكو سياسي سنغالي من مواليد 1974 في مدينة تييس. قضى جل طفولته في بلدة سيبيكوتاني قرب العاصمة داكار وفي إقليم كازمونس حيث ينحدر والده. تخرج من جامعة الشيخ “أنتا ديوب” وشغل منصب كبير المفتشين في الضرائب وهو من دعاة العدالة الضريبية بين جميع السنغاليين دون تمييز. اقتحم عالم السياسة في 2014 حيث أسس الحزب الوطني السنغالي من أجل العمل والأخلاق والأخوة. وفي 2017 انتخب نائبا في الجمعية الوطنية باسم الحزب الذي يتزعمه لغاية 2022.
كما كان أيضا يشغل في نفس الوقت منصب رئيس بلدية زيغانشورعاصمة إقليم كازامونس المتمرد جنوبي البلاد. في 2019، ترشح في الانتخابات الرئاسية كمرشح للعدالة الضريبية. فهو يريد تبديل عملة الفرنك الفرنسي التي يستخدمها السنغال ودول أفريقية أخرى تنتمي إلى الفضاء الفرانكفوني بعملة محلية.
احتل عثمان سونكو المرتبة الثالثة بنسبة 16 بالمئة من الأصوات ليلبس بذلك ثياب أبرز المنافسين للرئيس ماكي سال ويحظى بدعم كبير من قبل الشباب. ما جعله يواجه انتقادات كثيرة من طرف دوائر النظام السنغالي التي تهدف لتشويه سمعته. كما وقع أيضا ضحية المضايقات السياسية التي انتهت في بداية 2021 بتوقيفه من قبل الشرطة بحجة الإخلال بالنظام العام وتم اعتقاله. ودائما ما يصف عثمان سونكو نفسه “بالرجل النظيف وسط منظومة سياسية فاسدة”.
لماذا تستهدف سلطات السنغال المعارض عثمان سونكو؟
منذ أن سطع نجمه في عالم السياسة، تحول عثمان سونكو إلى منافس سياسي للرئيس ماكي سال الذي يخشى أن ينافسه في الانتخابات الرئاسية المقبلة في 2024. سونكو يحظى بدعم كبير من الشباب الذين يرون فيه الرجل المناسب لبلادهم كونه يسعى لمكافحة ظاهرة الفساد المستشرية في البلاد وبناء سنغال جديد لا يخضع لفرنسا والإملاءات الخارجية. كما يملك كاريزما كبيرة، ما جعل السلطات القضائية والأمنية تتهمه بارتكاب عدة أعمال ضد القانون كالاغتصاب والقذف.
الهدف الوحيد وراء هذه الحملة هو إضعافه ومنعه من المشاركة في الرئاسيات المقبلة 2024 لكي لا ينافس الرئيس ماكي سال الذي ربما قد يرشح نفسه لعهدة ثالثة بالرغم من أنه لم يعلن عن ذلك بعد. في السياق، اتهم أنصار سوكنو الحكومة باستخدام القضاء كذريعة لمنعه من الترشح في فبراير/شباط 2024. لكن بالمقابل الحزب الداعم للرئيس ماكي سال (التحالف من أجل الجمهورية) اتهم بدوره المعارض عثمان سونكو بزعزعة الاستقرار وخلق البلبلة من أجل الإفلات عن المحاكمة.
لماذا تخشى السلطة المعارض عثمان سونكو؟
إضافة إلى الشعبية التي يحظى بها في أوساط الشباب والتي يمكن أن تقوده إلى السلطة، تخشى الطبقة السياسية السنغالية أن في حال تولى سونكو منصب رئيس البلاد، فهناك احتمال أن يمنح الاستقلال الذاتي لإقليم كازامونس الذي ينحدر منه والده وحيث يملك مساندين كثر.
كما يريد أيضا طرد الحلفاء التقليديين للسنغال وفي مقدمتهم فرنسا التي أصبحت لا تحظى باحترام كبير من قبل الطبقة الشبابية فضلا عن رغبته في تبديل عملة الفرنك الفرنسي المتعامل بها في سبع دول في غرب أفريقيا بعملة وطنية ومحلية حتى يتخلص الاقتصاد السنغالي من التبعية الفرنسية. عثمان سونكو لم يكف في خطاباته عن القول بأنه يريد استرجاع السيادة الحقيقية لبلده ونزعه من مخالب المستثمرين الغربيين الذين يهتمون فقط بمصالحهم الخاصة.
وكل هذه المشاريع والأفكار التي تساندها غالبية الشباب السنغالي الذي يريد اجراء قطيعة نهائية مع الماضي أصبحت تولد مخاوف لدى المسؤولين الحاليين للسنغال. لهذا السبب يحاول البعض منهم عرقلة مسيرة المعارض عثمان سونكو وكبح جماحه.
كيف هو الوضع حاليا في السينغال؟
بينما كان من المقرر أن يمثل عثمان سونكو اليوم أمام العدالة، نشبت أعمال عنف الأربعاء في العديد من مواقع العاصمة داكار وفي بعض الجامعات التي تسانده. فيما أعلنت المعارضة تنظيم مسيرات احتجاجية الخميس والإثنين المقبل رغم منع الحكومة تنظيم مظاهرات أو تجمعات. ولا يزال الوضع غير مستقر في عدد من البلدات السنغالية فيما أصبح التوتر سيد الموقف منذ أكثر من أسبوع. وقررت الحكومة تقديم موعد العطلة المدرسية والجامعية لوضع حد للاحتجاجات.
نفس الشيء بالنسبة للبنوك التي أعلن بعضها تقديم موعد إغلاقها. من جهتها، دعت منظمات حقوقية سنغالية الرئيس ماكي سال إلى عدم الترشح لعهدة ثالثة، وعبرت عن مخاوفها من ارتفاع وتيرة العنف في البلاد. فهل سيتوصل الطرفان المتصارعان إلى إيجاد حل أم أن السنغال مقبل على أزمة سياسية وأمنية لا تحمد عقباها كبعض جيرانه؟.
طاهر هاني
مصدر الخبر
للمزيد Facebook