آخر الأخبارأخبار دولية

هل تتجه مصر نحو أزمة غذائية بسبب غلاء القمح أم تستفيد من النزاع؟

نشرت في: 18/02/2023 – 10:28

تضررت مصر، أكبر دولة عربية ديمغرافيا، بشكل كبير من الحرب في أوكرانيا، لما سببته من ارتفاع صاروخي في أسعار القمح، الغذاء الأساسي لنحو 104 ملايين مصري. وتزامنت هذه الحرب مع تلقي اقتصاد القاهرة ضربة قاسية إثر التراجع المهول وغير المسبوق للجنيه المحلي أمام الدولار الأمريكي، الشيء الذي زاد الأسعار التهابا، وزرع جملة من المخاوف حول المستقبل الغذائي للبلاد. فهل تتجه مصر نحو أزمة غذائية؟ أم تعتبر مستفيدا من الوضع بحكم تصديرها الغاز إلى أوروبا؟

تأثرت العديد من الدول العربية اقتصاديا واجتماعيا بالحرب في أوكرانيا، وانعكس ذلك بشكل واضح على أسعار المواد الغذائية، لاسيما في مصر، أكبر بلد عربي ديمغرافيا والذي يصل عدد سكانه حسب بعض الأرقام إلى نحو 104 ملايين نسمة. 

وفي خضم هذه الحرب، تلقى الاقتصاد المصري ضربة قاسية مع التراجع القياسي وغير المسبوق للجنيه المحلي أمام الدولار الأمريكي، كما ارتفع معدل التضخم بشكل كبير إذ تجاوز 21 بالمئة خلال شهر ديسمبر/ كانون الأول وهي أعلى نسبة له منذ 2017، ما أثر بشكل فاحش على القدرة الشرائية للمصريين. 

استوديو غرافيك/ فرانس ميديا موند

 

وكشف تقرير للبنك الدولي حول “الأمن الغذائي” أن مصر من بين أكثر الدول تأثرا بالتضخم في أسعار السلع الغذائية. ووضعها في الرتبة السادسة عالميا ضمن قائمة البلدان الأكثر غلاء. 

كيف أثرت الحرب بأوكرانيا على سعر خبز المصريين؟ 

تعتبر روسيا مصدرا رئيسيا للقمح إلى مصر التي تستورد 85 بالمئة من حاجياتها من هذه المادة من روسيا وأوكرانيا مجتمعتين. وقبل 2011 كانت القاهرة تستورد هذه المادة الحيوية، التي تستهلك على نطاق واسع في البلاد، من الأرجنتين وفرنسا والولايات الأمريكية وكندا. 

ويبلغ إجمالى واردات مصر من الحبوب ما يقرب من 5.5 مليار دولار، منها 1.6مليار دولار من القمح الروسي، ونحو 1.4مليار دولار من نظيرتها الأوكرانية. 

وكانت القاهرة قد بدأت في السنوات الأخيرة، بشراء القمح من موردين آخرين، لا سيما من رومانيا، إلا أن البلدين المتنازعين يبقيان المصدرين الأساسيين لها، حيث استوردت في عام 2021 50% من روسيا و30% من أوكرانيا. 

ولتشكيل فكرة عن قفز سعر القمح المستورد من أوكرانيا لمستويات كبيرة، فلقد “ارتفع من 280 دولار فى فبراير/ شباط 2022 إلى 480 دولار فى مارس/ آذار 2022″، يوضح الخبير الاقتصادي المصري عبد النبي عبد المطلب. 

وكانت الحكومة أعلنت في وقت سابق: “لن نستطيع شراء القمح بالسعر الذي كنا نحصل عليه قبل الأزمة الروسية الأوكرانية”، خصوصا أن أسعار القمح بلغت أعلى مستوى في شيكاغو منذ 14 عاما، إذ وصلت إلى 344 يورو للطن. 

كما تزامنت الحرب الروسية الأوكرانية مع قرارات البنك المركزى المصرى بتقييد الاستيراد. ولذلك، “كان الأثر مضاعفا، فقفزت أسعار الحبوب في مصر بنسب تتراوح بين 30% إلى 70% بل وهناك مواد ارتفع سعرها بما يزيد عن 100%”، يلفت عبد المطلب. 

هل مصر أمام أزمة غذائية؟ 

وباعتبار القمح مادة أساسية في الموائد المصرية، قد يتساءل البعض، هل البلاد أمام أزمة غذائية؟ فبالنسبة لعبد المطلب “لا نستطيع الحديث عن أزمة غذاء بالمعنى الكامل لما يعنيه مصطلح الأزمة. فالسلع الغذائية متوافرة بكثرة فى كل الأسواق. ولا يوجد شح في المعروض. كما أن الدولة تقدم العديد من السلع الغذائية للمستهلك بأسعار أقل بـ50% من أسعار السوق.” 

لكن “هناك فعلا مشكلة فى ارتفاع أسعار السلع، خاصة السلع الغذائية”، يؤكد الخبير الاقتصادي المصري عبد النبي عبد المطلب، “حيث ارتفعت أسعار اللحوم الحمراء بنسبة تتراوح بين 30% إلى 50%، وارتفعت أسعار الدواجن والأسماك والخبز والزيوت والسكر بنسب تتراوح بين 50%, إلى 70%.”. 

وبحسب الخبير المصري، “توفير الخبز بأسعار مناسبة لا يمثل مشكلة حتى الآن. فهناك 68% من المصريين يحصلون عليه بسعر متاح” في إطار الدعم الذي توفره الحكومة لهذه المادة الأساسية. ويشدد عبد المطلب خاصة على ضعف القدرة الشرائية للمواطن المصري والتي لم تعد تواكب تقلبات السوق والتهاب الأسعار. “أعتقد أن المشكلة فى تدني الأجور والدخل أكثر منها أزمة موارد”. 

واستيراد القمح من الخارج، لا يصنفه الخبير الاقتصادي المصري بأنه عجز حكومي عن توفير الاكتفاء الذاتي من هذه المادة الحيوية، “بل هو أقرب لحسابات جدوى اقتصادية، حيث تم إجراء العديد من الدراسات حول جدوى زراعة القمح والذرة مقابل الاستيراد من الخارج. وقد أوصت غالبية هذه الدراسات بتقليل زراعة القمح، وتفضيل استيراده. لأن تكاليف الاستيراد أقل بكثير من تكاليف إنتاجه فى مصر”. 

“ففى حين كان متوسط تكاليف إنتاج طن القمح يتراوح بين 300 دولار إلى 400 دولار، كان يمكن الحصول عليه من السوق العالمية قبل الحرب الروسية الأوكرانية بأسعار تتراوح بين 200 دولار إلى 250 دولار”، حسب تفسيرات الخبير المصري. 

ورغم ما يقال عن التبعات الاقتصادية للحرب في أوكرانيا على مصر، يرى عبد المطلب أن بلاده “كانت من أكثر المستفيدين من الحرب الروسية الأوكرانية. على الأقل تمكنت من زيادة صادرات الغاز المسال إلى أوروبا، (صحيح ان الجزء الأكبر هو غاز إسرائيلي يتم إسالته فى مصر)، لكنه يحقق مكاسب أيضا لمصر”. 

كيف يمكن لمصر الخروج من هذا الوضع؟ 

وإذا كانت البلاد تبدو بعيدة عن الدخول في أزمة غذائية حقيقية، حسب شروحات عبد المطلب، فالحكومة المصرية لا تزال تتوفر، حسبه، على هامش لتصحيح ما يجب تصحيحه بهدف تدارك الوضع ونقل قطار القدرة الشرائية للمواطن المصري للسكة السليمة، وفق المقترحات التالية: 

“- ضرورة العمل على زيادة المساحة المزروعة بالقمح والذرة، وذلك بغرض توفير مكونات رغيف الخبز من ناحية، وتوفير مستلزمات إنتاج اللحوم الحمراء والدواجن. 

– اعتماد الميكنة الزراعية لتقليل نسبة الفقد والهادر أثناء الحصاد والتخزين. 

– تشجيع البحوث والدراسات التي تستهدف استنباط سلالات غزيرة الإنتاج، وقصيرة العمر الإنتاجي، ورفع الطاقة الإنتاجية ومتوسط إنتاج الفدان من الحبوب”. 

وعموما، لم تقف الحكومة المصرية مكتوفة الأيدي أمام هذه الأزمة، فهي، يشير عبد المطلب، “رفعت في موسم الحصاد كل درجات الاستعداد من أجل الاستفادة القصوى وتقليل الهدر والفاقد في المحصول المحلي قدر الإمكان. وهناك خطط لزيادة المساحة المزروعة في مناطق جنوب الوادي أو في الساحل الشمالي الغربي. وتخطط لإضافة حوالي مليون إلى مليون ونصف فدان لزراعة القمح هذا العام”. 

وتحت شعار “أهلا رمضان”، افتتحت الحكومة حوالي 200 معرض بكل المدن والقرى، لعرض سلع بأسعار مخفضة، بحسب بيان لوزارة التموين والتجارة الداخلية. “وتتابع يوميا ضخ السلع بتلك ‏المعارض إضافة إلى توافرها بالمجمعات الاستهلاكية ‏والسلاسل التجارية”، وأكد مسؤول حكومي، أن التخفيضات ‏بها “تتراوح ما بين الـ 25% و الـ 30%”، مشيرا إلى “أن جميع السلع متوفرة”. 

كما اتفقت مصر مع صندوق النقد الدولي على برنامج إصلاح اقتصادي جديد تحصل بموجبه على قرض بقيمة 3 مليارات دولار، وتضمن البرنامج التحول الدائم إلى نظام سعر صرف مرن، وخفض معدلات التضخم. 

وباستثناء القمح المرتبط بالدرجة الأولى بالخبز، الغذاء الأساسي للمصريين، وجزء من الذرة المستخدمة في إنتاج الأعلاف، “تتوفر مصر على اكتفاء ذاتي بخصوص الفواكه والخضر رغم ارتفاع أسعارها”. وهي اليوم، وفق الخبير الاقتصادي عبد المطلب، مجبرة على الرهان على “تنويع الموردين والدخول في سياسة لإنتاج الحبوب والسلع الغذائية بما يضمن ‘استقلالها‘ الغذائي مستقبلا”. 

 

بوعلام غبشي


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى