آخر الأخبارأخبار دولية

مالطا في مرمى نيران الاتحاد الأوروبي


نشرت في: 04/10/2022 – 10:36

استدعى الاتحاد الأوروبي مالطا الخميس للمحاكمة بسبب سياسة هذا البلد المثيرة للجدل بخصوص ما يعرف “بجوازات السفر الذهبية” التي تمنح للمستثمرين الأثرياء من غير الأوروبيين للحصول على تسهيلات.

نشر المفوض الأوروبي للعدالة ديدييه رايندرز تغريدة على تويتر في 29 سبتمبر/ أيلول 2022 قال فيها إن”قيم الاتحاد الأوروبي ليست للبيع”. مضيفا بأن “مالطا تنتهك القانون الأوروبي من خلال منح الجنسية مقابل أموال أو استثمارات”، بدون وجود أي صلة حقيقية مع هذه الدولة العضو في الاتحاد الأوروبي“.


ويذكر أن مالطا تتعمد جذب أصحاب الثروات الكبرى لأراضيها، عبر منح تصاريح إقامة وحتى الجنسية المالطية (بالتالي الأوروبية)، مقابل استثمارات بدون الحاجة إلى العيش في البلاد. هذا السخاء يتعارض مع القانون الأوروبي، بحسب الاتحاد الأوروبي الذي ينوي وضع حد لهذه التسهيلات المالطية. وفي 29 سبتمبر/ أيلول 2022، أحالت المفوضية الأوروبية مالطا إلى أعلى محكمة في الاتحاد الأوروبي.

 ليّ ذراع بين فاليتا وبروكسل 

في أكتوبر/ تشرين الأول 2020، أطلق الاتحاد الأوروبي إجراءات قانونية ضد فاليتا لإجبارها على وضع حد لهذه الممارسات المثيرة للجدل، والتي يشتبه في أنها تعزز الفساد وتسهل عمليات غسيل الأموال. كما تثير مسائل “أخلاقية وقانونية واقتصادية”، وفقا لبروكسل، التي لا تستبعد أن تخفي هذه البرامج “مخاطر أمنية خطيرة” على المدى البعيد.

لكن رغم  التحذيرات المتكررة من الاتحاد الأوروبي، استمرت مالطا في إصدار “جوازات السفر الذهبية” التي مكنتها من تحقيق استثمارات بلغت قيمتها 1.1 مليار يورو منذ عام 2013. استثمارات كان مصدرها بشكل رئيسي دول الخليج وآسيا وروسيا.

ويذكر أن دولا أخرى مثل قبرص وبلغاريا أوقفت هذه الممارسة المربحة بعد ضغط من بروكسل. في حين لم تقدم مالطا سوى تنازلا وحيدا تمثل في تعليق تمتع المواطنين الروس والبيلاروسيين المشاركين في الحرب في أوكرانيا بميزات هذا البرنامج. 

مالطا: لا تعارض مع الاتفاقيات الأوروبية 

إلا أن الحكومة المالطية تؤكد أن نظامها الحالي “لا يتعارض” مع المعاهدات الأوروبية، وتقول إن سياستها بشأن منح الجنسية تندرج ضمن اختصاصها الوطني. ورغم أن مالطا اليوم هي الدولة الأوروبية الوحيدة التي تسمح بهذه الممارسة، إلا أن العديد من البلدان الأخرى في العالم قبلت بدورها بهذا الربح المالي السهل. 

يقول ليور إيريز، أستاذ العلوم السياسية بجامعة أكسفورد ببريطانيا: “لقد أجبرت الأزمة المالية العالمية الحكومات على إيجاد طرق جديدة لجذب الاستثمار الأجنبي إلى اقتصاداتها. وتُعتبر جوازات السفر الذهبية طريقة سهلة نسبيا لجذب هذه الاستثمارات”. “خصوصا إذا لم تكن هناك هجرة فعلية للأشخاص”.

جوازات ذهبية لسفر أفضل

يصعب تقدير عدد الأشخاص في العالم الذين يشترون الجنسية، خصوصا أنه غالبا ما يتم دمج هؤلاء مع الأشخاص الذين يستثمرون في مشاريع للهجرة. وتشير التقديرات إلى أن هذا العدد يناهز عشرات الآلاف سنويا. 

تعتقد آيز جوفلي وهي أستاذة في علم الاجتماع بجامعة إسيكس البريطانية أن “نسبة الأشخاص الذين يقومون بذلك منخفضة للغاية”، لأن المبالغ التي يتعين دفعها مرتفعة جدا.

خمسة بالمئة فقط من هؤلاء الأشخاص، يخضعون لتحقيق جنائي أو كانت لديهم مسؤوليات في الدولة. وهذا يشكل خطرا أمنيا لأنه بمجرد منحهم الجنسية، يصعب سحبها بعد ذلك. وحتى في حال نجحت المحاكم الأوروبية في إنهاء نظام “جوازات السفر الذهبية المالطية”، فمن غير الوارد تجريد الرعايا الأجانب الأثرياء من جنسيتهم.

أما بالنسبة للـ 95 بالمئة المتبقية من هؤلاء، فإن الدوافع وراء حصولهم على جواز سفر “عادية نوعا ما”، بحسب كريستين سوراك، الأستاذة في علم الاجتماع السياسي في كلية لندن للاقتصاد، التي تعتقد أن “السبب الأول هو السفر”. حيث أن رجل الأعمال الثري المتحدر غالبا من دول الجنوب، قد يكون باستطاعته حضور الاجتماعات في أي مكان بالعالم بسهولة أكبر إذا سافر بجواز سفر أوروبي يحظى بقبول أوسع.

الأمر ينطبق أيضا على الأجانب الذين تشكل جنسية بلدهم الأصلي عقبة أمام الحصول على قروض عقارية أو فتح حسابات بنكية بحسب كريستين سوراك. “معظمهم من الأطباء أو أصحاب المهن المرموقة، ولديهم الإمكانيات لإيجاد حلول بديلة”.

كوفيد-19 

هناك أيضا رغبة لدى الأشخاص من الميسورين ماديا في ضمان إمكانية السفر في حالات الطوارئ. “كما كان الحال بشكل خاص بالنسبة للأثرياء في هونغ كونغ مثلا الذين يشعرون بالقلق من أن يكبلهم القمع الحكومي” مثلا بحسب كريستين سوراك. “أو حتى الأمريكيين الأثرياء الذين اعتادوا فعل ما يريدون، والذين وجدوا أنفسهم فجأة في خضم أزمة كوفيد-19 التي أجبرتهم على الخضوع إلى القيود المتبعة في بلدهم”.

وبشكل عام، أدى الوباء إلى زيادة الطلب العالمي على هذه “الجوازات الذهبية”. وتشير التقديرات إلى أن 110 آلاف شخص من الأثرياء اشتروا حق العيش في الخارج في عام 2019، وطلب الهجرة وجواز السفر.  

في عام 2023، من المتوقع أن يصل هذا الرقم إلى 125 ألف ويمكن حتى أن يتجاوزه. الصين، الدولة الثانية  في العالم من حيث عدد المليارديرات، قد تضم الكثير من الأشخاص المعنيين بهذه “الجوازات الذهبية” بسبب القيود والحجر الصحي الذي تفرضه الحكومة الصينية على سكانها. عندما يتم رفع القيود المفروضة على كوفيد-19، نتوقع أن يرتفع طلب الصينيين على هذه الجوازات، حيث تعتقد كريستين سوراك “أن الصينيين لم يعودوا يطيقون الحبس”.

الحرب في أوكرانيا 

اليوم وبسبب ظروف الحرب في أوكرانيا، تضم روسيا أكبر عدد من طالبي الحصول على جنسية أو إقامة أجنبية. ومن المتوقع أن يشتري حوالي 15 ألف روسي حق العيش في الخارج عام 2022.

ولئن لم تسمح أوروبا بمنح جوازات سفر للمواطنين الروس بسبب العقوبات التي تفرضها على موسكو، فإن الكثير من الدول لا ترى أي مانع في ذلك. وهذا هو الحال بشكل خاص في تركيا، التي تحظى بشعبية كبيرة، لدى “الروس والأوكرانيبن الأغنياء والمواطنين من الدول العربية والشرق الأوسطية مثل المملكة العربية السعودية والبحرين ومصر وسوريا وإيران”، بحسب آيز جوفلي التي تعتقد أن هذا الاختيار يفسر جزئيا من خلال الموقع الجغرافي لتركيا. حيث “هناك مزيج من أنماط حياة غربية وشرقية وإسلامية فضلا عن طقس جميل إجمالا. كما أن هذا البلد يتمتع بديمقراطية نسبية. ومن السهل إلى حد ما العيش هناك مقارنة مع الدول المجاورة.

كما أن شروط الحصول على الجنسية التركية في المتناول نوعا ما مقابل المساهمة بمبلغ لا يقل عن 400 ألف دولار أي ما يعادل 408 ألف يورو تقريبا، يمكن لشخص ما الحصول على الجنسية التركية له ولأسرته بعد 120 يوما من تقديم الطلب.

هذه “الحيلة” تفيد القائمين على هذه الدول من خلال منح بعض الرعايا الأجانب الحق في الإقامة مقابل الأموال التي تُستثمر فيما بعد بالبنية التحتية.

إذا كان أردوغان يريد الاحتفاظ بالسلطة والفوز في الانتخابات العام القادم فإنه سيهتم بكل تأكيد بقبول هذه الثروة المالية غير المتوقعة”، كما تؤكد الأستاذة في علم الاجتماع.

بدائل أخرى 

لكن توجد بدائل لجوازات السفر الذهبية في صلب القارة العجوز. حيث تقدم البرتغال واليونان تصاريح إقامة تحظى بإقبال واسع، مقابل دفع رسوم. حيث يستطيع غير الأوروبيين مقابل 200 ألف يورو شراء الحق في العيش والعمل والدراسة في البرتغال والسفر بدون تأشيرة في فضاء شينغن لمدة تصل إلى خمس سنوات، بشرط قضاء خمسة أيام في السنة في البلاد. وبعد خمس سنوات، يحق له التقدم بطلب للحصول على الجنسية البرتغالية. 

نظام الاستثمار عبر تأشيرات الإقامة الذي قد يستهوي مالطا، جلب إلى البرتغال استثمارات ناهزت قيمتها 6.5 مليار يورو منذ عام 2012.  

وفي انتظار “فض” النزاع بين بروكسل وفاليتا، سيجد الأثرياء دولا تأويهم بسهولة. لأن النخب مرحب بها في كل مكان في العالم. وتختتم الخبيرة في علم الاجتماع بقولها: “لديهم المال ودرجة عالية من التعليم. ولذلك فهم يعتبرون مجموعة مكتفية ذاتيا ذات مهارات وناشطة اقتصاديا ولا تجلب المشاكل”.

 

فرانس24 

//platform.twitter.com/widgets.js


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى