آخر الأخبارأخبار دولية

عدم حلحلة الملف الليبي سيؤدي إلى حرب أهلية في ظل غياب إرادة دولية لإنهاء النزاع الداخلي


نشرت في: 30/08/2022 – 18:32آخر تحديث: 30/08/2022 – 18:35

خلف الاقتتال الذي دار في العاصمة الليبية طرابلس أواخر الأسبوع الماضي بين مجموعتين مسلحتين متناحرتين، مخاوف كبيرة إقليميا ودوليا. وأدت هذه المواجهات التي اندلعت على خلفية فوضى سياسية مع حكومتي دبيبة وباشاغا المتنافستين، إلى مقتل 32 شخصًا وجرح 159، وتسببت في حالة من الصدمة واليأس العميق لدى الليبيين وسط حالة من عدم الاستقرار طال أمدها. بشأن هذه الأزمة ترى روميانا أوغراتشنسكا، أستاذة جامعية متخصصة في الشأن الليبي، في حوار مع فرانس24، أن عدم “حلحلة الملف الليبي قبل نهاية هذه السنة سيؤدي دون شك إلى حرب أهلية في ظل غياب إرادة دولية لإنهاء النزاع الداخلي”.

ما هو مستقبل الملف الليبي في ظل الانقسام الذي تشهده البلاد منذ سقوط نظام القذافي في 2011. هل هناك أمل في أن ينظم الليبيون انتخابات وأن يستتب الأمن ويستقر الوضع السياسي؟ لماذا عجزت الأسرة الدولية في تقريب المواقف بين الإخوة الأعداء وهل ستغادر القوى الأجنبية هذا البلد الغني بالنفط؟ إلى أي حد ستعمق الاشتباكات الدامية التي وقعت الأسبوع الماضي بين ميليشيات محسوبة على دبيبة وأخرى على فتحي باشاغا الفجوة بين الطرفين؟ أسئلة طرحناها على رومياتا أوغراتشنسكا، وهي أستاذة في علم الإجرام بجامعة باريس 2 ومادة “الذكاء الاقتصادي” في المدرسة الدولية لعلوم الإعلام، ونشرت عدة كتب حول الملف الليبي والقذافي، أبرزها “حرب الغاز”. في هذا الحوار، تقدم لنا تفاصيل أكثر حول الأزمة السياسية التي تعصف بأحد أغنى البلدان نفطا في العالم..

 

** فرانس24: كيف هو الوضع السياسي والعسكري في ليبيا بعد مسلسل العنف الذي شهدته مؤخرا العاصمة طرابلس؟

* مرة أخرى نرى أن ليبيا منقسمة إلى حكومتين متصارعتين، الحكومة الأولى انبثقت من محادثات جنيف 2020 و2021 تحت إشراف الأمم المتحدة وبقيادة عبد الحميد دبيبة الذي كان من المفترض أن ينظم انتخابات ثم يترك الحكم، لكن هذا السيناريو لم يتحقق. بل تم إلغاء انتخابات ديسمبر 2021 وإرجاؤها إلى وقت غير محدد. من ناحيته، قرر برلمان طبرق سحب الثقة من حكومة دبيية وعين حكومة انتقالية جديدة في فبراير/شباط 2022 بقيادة فتحي باشاغا. لكن دبيبة يرفض تسليم السلطة، معتبرا نفسه مسؤولا شرعيا ومدعوما من الأسرة الدولية طالما لم يتم تنظيم انتخابات جديدة.

أما فتحي باشاغا، الذي كان يشغل منصب وزير الداخلية سابقا في حكومة السراج قبل أن يلتحق ويمد يده للمشير خليفة حفتر، فيزعم بأنه هو الذي يملك الشرعية البرلمانية، ما جعله يشكل حكومة في مدينة سرت وسط ليبيا، كون أن طرابلس تقع تحت سيطرة دبيبة والجماعات المسلحة الموالية له.

لحد الآن، القوات العسكرية التي وقعت في 2020 على قرار وقف إطلاق النار ترفض الدخول في هذا الصراع السياسي الدائر بين الزعيمين، بل تحاول بقدر الإمكان توحيد الصفوف. والدليل أن قائدا أركان المعسكرين (محمد حداد في طرابلس وعبد الرزاق ناضوري زعيم الجيش الوطني الليبي في المنطقة الشرقية) قد ضاعفا عدد المقابلات والمحادثات بينهما منذ بداية السنة.

وللوصول إلى هذا المبتغى (توحيد الصفوف)، قامت بعثة متكونة من مسؤولين عسكريين رفعي المستوى، وعلى رأسهم ناضوري بزيارة إلى طرابلس في شهر يوليو/ تموز الماضي. الزيارة دامت يومين، وتم استقبالهم من قبل مسؤولين عسكريين في العاصمة الليبية، علما أن مثل هذه اللقاءات كانت مستحيلة قبل أشهر فقط.

اليوم، هناك لجان مشتركة تعمل لحل المشاكل الشائكة، مثل إعادة فتح الطريق البحري الذي يربط شرق البلاد بغربها، وتبادل السجناء إضافة إلى تسيير دوريات أمنية مشتركة لتأمين الحدود. الفرق كبير جدا بين تصرف العسكريين والسياسيين، لكن الأزمة التي تعيشها طرابلس بإمكانها أن تنسف كل جهود المصالحة الوطنية بين الجانبين.

** ما هي الأسباب التي أدت إلى اندلاع مواجهات مسلحة بين مليشيات باشاغا ودبيبة في طرابلس الأسبوع الماضي؟

* منذ سبعة أشهر، كل محاولات باشاغا للدخول إلى العاصمة الليبية لمباشرة عمله الحكومي هناك والتحكم في زمام المؤسسات الدولة، مثل البنك المركزي، باءت بالفشل، وأدت إلى وقوع مواجهات بين الميليشيات المسلحة والمتناحرة. هذا الأمر أدى إلى خلق نوع من عدم الاستقرار في غرب البلاد.

ويحاول كل من باشاغا ودبيبة، الذين ينحدران من مدينة مصراتة، كسب الدعم الشعبي، وذلك عبر تعميق فجوة الاختلافات التي تميزهم. والدليل أن المواجهات المسلحة التي شهدتها العاصمة طرابلس في الأيام القليلة الأخيرة كانت أكثر عنفا وشدة منذ بداية العام. فحسب وزارة الصحة، فقد تم يوم الأحد 28 أغسطس/آب الماضي تسجيل حصيلة تبلغ إثنين وثلاثين قتيلا ومئة وتسعة وخمسين جريحا، إضافة إلى دمار مادي كبير في المدينة ليس بعيدا من حي السفارات.

الجهتان المتصارعتان تتبادلان الاتهامات بشأن العنف الذي عرفته العاصمة مؤخرا، لكن ميليشيات دبيبة استطاعت أن تهيمن على الوضع في العاصمة، وهي بصدد دحر الجماعات المسلحة العدوة وتدمير جميع مرافقها وأماكن تواجدها في العاصمة.

مدينة مصراتة، حيث تستقر فيها بعض الجماعات المسلحة الموالية لباشاغا والتي يقودها الجنرال السابق سالم جوحا، عرفت هي الأخرى توترا كبيرا. ومن جهة أخرى، أعلن قائد عسكري آخر رفيع المستوى يدعى أسامة جويلي وينحدر من بلدة الزنتان دعمه لباشاغا. أما دبيبة، فلقد طالب من الوكيل العسكري للجمهورية متابعة كل الذين تسببوا في العنف الذي شهدته طرابلس قضائيا، على غرار ميليشيات باشاغا ومن يدعمه كمحمد سوان الزعيم السابق لحزب العدالة والبناء الموالي للإخوان المسلمين.

وقد يؤدي هذا التصعيد المتزايد إلى وقوع اشتباكات مسلحة جديدة، طالما لم يتم حل المشاكل السياسية العالقة. ويبدو أن الأمم المتحدة ترفض القيام بذلك، مكتفية فقط بالطلب بتنظيم انتخابات لإنهاء المعركة السياسية، لكن هذا الأمر بات مستحيلا في ظل غياب الأمن.

** بعض المراقبين يتهمون المشير حفتر بنقل العنف إلى العاصمة طرابلس، وبالتالي زعزعة استقرار البلاد أكثر.. ما رأيكم في ذلك؟

* المشير حفتر يلتزم صمتا حذرا بشأن الاشتباكات التي وقعت في طرابلس. فالجيش الوطني الليبي لديه أمر بالبقاء عن مسافة ومواصلة دعم التقارب بين الفضائل التي تكونه. وفي انتظار ذلك، يقوم حفتر بزيارات ميدانية في منطقة الشرق لتعزيز شعبيته، كالتجمع الذي نظمه مع زعماء قبائل طبرق والذي انتهى بحرق مقر البرلمان بهذه المدينة في بداية الشهر الماضي. ففي عز الاقتتال الذي كان دائرا في العاصمة، فضل خليفة حفتر الذهاب إلى منطقة الكفرة في أقصى الجنوب استجابة لدعوة من زعماء المنطقة.

وإن مد يده لباشاغا، فهذا لا يعني بأنه أوقف جميع المحاولات الهادفة إلى توقيع اتفاق مع عبد الحميد دبيبة. فقبول هذا الأخير تعيين مدير جديد على رأس الشركة الوطنية للبترول مقرب من حفتر ما هو إلا دليل بأن الرجلان يحاولان التقارب. وحسب معلومات مسربة، يخطط دبيبة لتعيين وزراء من المنطقة الشرقية ومقربين من حفتر في حكومته، بدءا من وزير الدفاع، وذلك وفق اتفاقية جنيف والالتزام الذي تعهد به.

هذه المشاورات السرية أزعجت كثيرا الإسلاميين الذين هددوا بعدم دعم حكومة طرابلس، لكن لا يوجد أي إشارة تدل بأن هذه المشاورات مستمرة بين الرجلين، فيما لم يكشف دبيبة عن أي تغيير حكومي قريب. الشيء الوحيد الذي نعرفه هو أن دبيبة سيقوم بتغييرات كثيرة داخل الأجهزة الأمنية.

** جميع الأطراف تقول بأن الانتخابات هي أنسب حل لنزع فتيل الأزمة في ليبيا، رغم ذلك لم يتم تنظيمها. لماذا؟

* خلال محادثات جنيف وتونس من أجل تشكيل الحكومة الحالية، تحدثت ستيفاني وليامز، مبعوثة الأمم المتحدة إلى ليبيا عن “الديناصورات” التي ترفض مغادرة السلطة، وتحاول بجميع الطرق عرقلة أي حل سياسي أو خطة تؤدي إلى تنظيم انتخابات. حتى غسان سلامة، الذي كان أيضا مبعوثا للأمم المتحدة إلى ليبيا، قام بنفس التشخيص للوضع، فلم يتم على أرض الواقع تنفيذ أي اقتراح أممي ولم تقدم الأمم المتحدة على معاقبة الأطراف التي لم تسمح بتنظيم الانتخابات.

جدير بالذكر أنه خلال تشكيل حكومة الوحدة، نددت المبعوثة الأممية بالفساد المستشري، وانتقدت عملية شراء الأصوات ووعدت بمحاسبة المتورطين في هذا العمل، لكن في نهاية المطاف لم تقم بأي شيء. بالعكس، لقد اتسعت أكثر دائرة وحدّة الفساد، والدليل أن عبد الحميد دبيبة كان قد تعهد بعدم المشاركة في الانتخابات، لكن في الأخير شارك دون أي عواقب. كما تم الضغط أيضا على رئيس البرلمان في منطقة الشرق وعلى رئيس المجلس الأعلى للدولة في طرابلس لإيجاد أرضية تفاهم بين باشاغا ودبيبة والاعتراف بنتائج الانتخابات، لكنهما لم يقوما بذلك لحد الآن.

ورغم التصريحات الدولية بشأن حلحلة الوضع السياسي في ليبيا، لكنها لم تأتي بجديد لغاية اليوم، ما جعل بعض الليبيين يتساءلون عما إذا كان الجمود السياسي الذي تشهده ليبيا يخدم مصالح بعض القوات الأجنبية، وحتى تاريخ مغادرة مرتزقة “فاغنر” البلاد لم يحدد بعد، نفس الشيء بالنسبة للمرتزقة السورين الذين استقدمتهم تركيا خلال عمليات اقتتال في طرابلس، فهم لا يزالون في العاصمة الليبية.

** ما هو الدور الحقيقي الذي تلعبه كل من تركيا ومصر في ليبيا وماهي أهداف كل بلد؟

* ليبيا ربما هو البلد الوحيد الذي تخوض فيها القوات الدولية والإقليمية حروبا بالنيابة، نظرا للثروات التي يتمتع بها هذا البلد. فتركيا تريد الحفاظ على الاتفاق البحري الذي وقعته مع حكومة السراج سابقا، والذي يضمن لها توسيع المساحات الجغرافية التي تنقب فيها عن الغاز قبالة سواحل المتوسط. أمام مصر، فهي تحاول بسط سيطرتها على بلدان شمال أفريقيا، وهي أيضا تطمع كثيرا في ثروات ليبيا.

كلا البلدين لديهما مصالح في ليبيا ومعسكر موالي له.. لا ننسى أيضا إيطاليا التي تلعب دورا هاما في المنطقة والإمارات العربية المتحدة واليونان وفرنسا.. وروسيا. ففي ظل وجود نقص كبير في الغاز، أرى أن سياسة التدخل في شؤون الدول الأخرى لن تنتهي.

** كيف تتصور وضع ليبيا عند نهاية السنة. هل هناك حل في الأفق أم سيستمر العنف؟

* في ظل غياب أي توافق دولي وبين جميع الأطراف التي تدخلت في الشؤون الليبية، سنشهد استمرارا للوضع الراهن. لكن أخشى أن يتعقد الوضع أكثر ويؤدي إلى حرب أهلية. لا يريد أي معسكر أن يتنازل عن “حقه”، فباشاغا يريد الاستيلاء على السلطة ودبيبة يرفض مغادرتها. بعض منتقديه يقولون بأنه سيبقى رئيسا للحكومة طالما هناك أموال كبيرة في خزينة الدولة الليبية.

طاهر هاني


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى