آخر الأخبارأخبار دولية

مقتدى الصدر… الرقم الصعب في المشهد السياسي العراقي


ينفذ أنصار الزعيم الشيعي مقتدى الصدر منذ السبت اعتصاما داخل أروقة البرلمان العراقي الذي اقتحموه مرتين خلال أقل من أسبوع، بعد ترشيح محمد شياع السوداني من قبل “الإطار التنسيقي” لرئاسة الحكومة. ويبدو أن حضور الصدر الذي يتمتع بهالة رجل الدين يزداد في الآونة الأخيرة، وكثر الحديث عنه في الأزمات التي يمر بها العراق، وبشكل خاص في السنوات العشر الأخيرة. فمن هو مقتدى الصدر؟

تتواصل الأزمة السياسية في العراق حيث زاد الوضع تعقيدا خلال الأيام الأخيرة مع اندلاع احتجاجات شعبية بالعاصمة بغداد واقتحام أنصار رجل الدين الشيعي وزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر السبت مبنى البرلمان معلنين اعتصاما مفتوحا داخله​، مع عجز الطبقة السياسية عن إيجاد مخرج لما يحدث في البلاد. فيما يظل اسم الصدر متصدرا للمشهد السياسي في جميع الأزمات السياسية والأحداث التي شهدتها البلاد منذ سقوط نظام صدام حسين عام 2003، وبشكل خاص خلال السنوات العشر الأخيرة.

ويعاني العراق من شلل سياسي كامل منذ الانتخابات التشريعية المبكرة التي جرت في تشرين الأول/أكتوبر 2021، بينما تدور مفاوضات ومناوشات لا تنتهي بين الأحزاب الكبرى التي فشلت إلى الآن في الاتفاق على انتخاب رئيس للجمهورية وتكليف رئيس جديد للحكومة.

في هذه الانتخابات فاز التيار الصدري بـ73 مقعدا ليكون أكبر كتلة في البرلمان البالغ عدد مقاعده 329، وحاول بعدها اختيار رئيس الوزراء وتشكيل حكومة أغلبية بالتحالف مع أحزاب سنية وكردية، لكنه لم يتمكن من ذلك بسبب فشله في تحقيق الأغلبية اللازمة في البرلمان.

وبعد هذا الفشل استقال نواب التيار الصدري من مناصبهم، وأعلن زعيمهم ابتعاده عن السياسة، مفسحا المجال أمام منافسه “الإطار التنسيقي” للسعي لفرض مرشحيه للمناصب الرئيسية في البلاد.

تسمية السوداني لرئاسة الوزراء: بداية الأزمة مع الصدر؟

وفي هذا الإطار جاءت تسمية محمد شياع السوداني مرشحا لمنصب رئيس الوزراء من قبل الإطار التنسيقي، الذي تنضوي في صفوفه كثير من قوى ميليشيات الحشد الشعبي التي لعبت دورا رئيسيا في التصدي لتنظيم “الدولة الإسلامية”. وشكلت هذه التسمية الشرارة التي تسببت باندلاع الاحتجاجات الأخيرة.

فما إن أعلن عن هذا الترشيح حتى أعرب عدد من ممثلي التيار الصدري ومؤيديه، عن معارضتهم له. وانضم لهم في ذلك عدد كبير من الناشطين المدنيين الذين شاركوا في الحراك الاحتجاجي الذي شهدته البلاد عام 2019، وأدى لاستقالة رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي. وترجع معارضة الفريقين لنفس الدوافع، إذ يصفه الناشط في الحراك غضنفر لعيبي بأنه “مرشح توافقي محاصصاتي وجزء من المنظومة الفاسدة” التي انطلقت الحركة الاحتجاجية ضدها، وهي نفس المنظومة التي يعلن الصدر العداء لها.

فقد شكلت ملفات مكافحة الفساد وإعمار العراق مواضيع حملته للانتخابات التشريعية المبكرة، كما لعب أيضا على الوتر الوطني، فيقدم نفسه على أنه معارض للنظام القائم ومكافح للفساد، على الرغم من أن كثيرا من المنتمين لتياره يتولون مناصب مهمة في الوزارات.

ويبدو أنه ما إن يرفع الزعيم الشيعي سبابته ويعقد حاجبيه، حتى يحبس العراق أنفاسه، إذ ما زال مقتدى الصدر المتهم بأنه سريع الغضب، يحتفظ بهالة رجل الدين، وبدور يشكل الكفة الراجحة في التوازن السياسي في البلاد.

وأظهرت الأحداث الأخيرة، من جديد لخصومه السياسيين أن رجل الدين المعمم ما زال يتمتع بقاعدة شعبية واسعة، وأنه قادر على حشد مناصريه من أجل الدفع بأجندته في المشهد السياسي.

ويرى الباحث في مركز “واشنطن إنستيتوت” حمدي مالك أن الصدر “قادر على احتلال الشارع، وليس لأحد القدرة على منافسته في هذا الميدان”.

ويبدو أن اسم الصدر يتصدر المشهد السياسي العراقي في جميع الأزمات السياسية والأحداث التي شهدتها البلاد منذ سقوط نظام صدام حسين عام 2003، وبشكل خاص خلال السنوات العشر الأخيرة.

ويضيف حمدي مالك أن الصدر “هو الشخصية المحورية في تياره، وهذا أمر مهم في العراق”، حتى لو أنه أحيانا يناقض نفسه ويبدل مواقفه بين يوم وآخر.

فمن هو مقتدى الصدر؟

ولد الرجل القوي في المشهد العراقي مقتدى الصدر عام 1974 في الكوفة قرب مدينة النجف جنوب بغداد.

ويعتمد الصدر على دعم جمهور لا يستهان به من الطائفة الشيعية، أكبر المكونات في العراق.

ويشرح حمدي مالك أن الصدر ينحدر من سلالة رجال دين شيعة “أسياد (من نسل النبي محمد)” ويردف أن “ذلك، وحده، لا يكفي لتفسير مسيرته”.

ورث مقتدى شعبيته الكبيرة من والده محمد صادق الصدر، أحد أبرز رجال الدين الشيعة المعارضين لنظام الرئيس السابق صدام حسين الذي قتله مع اثنين من أبنائه عام 1999.

وبسبب النسب المرموق كان الصدر أحد أبرز اللاعبين في إعادة بناء النظام السياسي بعد سقوط صدام حسين عام 2003، وقاد إحدى أكثر الحركات الشيعية نفوذا وشعبية في البلاد.

بدأت مسيرته بمعارك ضارية مع القوات الأمريكية التي اجتاحت العراق في 2003، وصولا إلى نزاع حاد مع رئيس الوزراء الشيعي نوري المالكي الذي حكم البلاد بين عامي 2006 و2014.

حل بعد ذلك ميليشيا “جيش المهدي” المؤلفة من 60 ألف مقاتل، لكنه أعاد تفعيلها بعد اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني مطلع عام 2020 في ضربة عسكرية أمريكية ببغداد.

إيران “لا ترى في الصدر شخصا يمكن الاعتماد عليه”

تشكل علاقة الصدر مع إيران إحدى أكثر المسائل إثارة للجدل في العراق. ففي حين تبنى بعد احتجاجات عام 2019 خطا قريبا من الحشد الشعبي الموالي لإيران، بات الآن يدافع عن خط أكثر “وطنية”، مقربا من المحتجين.

ويشير الخبير في التيارات الشيعية في جامعة “أرهوس” في الدانمارك بن روبن دكروز إلى أن الصدر “يحاول وضع نفسه في مركز النظام السياسي، مع أخذ مسافة منه في الوقت نفسه. موقعه كرجل دين يتيح له أن يوهم بأنه أكبر من السياسة”.

يستخدم الصدر منصة “تويتر” كثيرا لإطلاق رسائل سياسية كثيرة. وعلى الرغم من امتلاكه صلات وعلاقات مع إيران، فإن تعليقاته تثير غالبا غضب أولئك المقربين من طهران.

ويرى دكروز أن الصدر “يسعى إلى تسوية مع إيران تسمح له بمنافسة حلفائها على الساحة السياسية مع الخروج في الوقت نفسه عن نطاق سطوتهم”، لكن إيران “لا ترى في الصدر شخصا يمكن الاعتماد عليه”.

وهو لا يتردد في المطالبة مثلا بحل “الميليشيات”، وبدعوة أنصار الحشد الشعبي، الفصائل الموالية لإيران التي رفضت نتائج الانتخابات بعدما تراجعت الكتلة الممثلة لها، “الفتح” والتي صارت جزءا من الإطار التنسيقي، إلى وقف الضغط.

خلال الأزمة الحالية، وصف الزعيم الشيعي في أول تعليق له بعد بدء أنصاره اعتصاما في البرلمان، الاحتجاجات بـ”الثورة العفوية السلمية التي حررت المنطقة الخضراء كمرحلة أولى”، معتبرا أنها “فرصة ذهبية لكل من اكتوى من الشعب بنار الظلم والإرهاب والفساد والاحتلال والتبعية”.

وشدد الصدر في تغريدة على أن الاحتجاجات “فرصة عظيمة لتغيير جذري للنظام السياسي والدستور والانتخابات”، مضيفا “من سمع واعية الإصلاح ولم ينصرها فسيكون أسير العنف والميليشيات والخطف والتطميع والترهيب والتهميش والذلة ومحو الكرامة”.

ودعا “الجميع لمناصرة الثائرين للإصلاح بما فيهم عشائرنا الأبية وقواتنا الأمنية البطلة وأفراد الحشد الشعبي المجاهد”.

وعلى الرغم من أن شخصيته تحفل بالتناقضات والتقلبات، لكن الجميع، حتى معارضيه، يقرون بأنه لا يزال يحتفظ بقاعدة شعبية قوية تستجيب له. ولا يتوانى هؤلاء عن ملاحقة منتقديه على مواقع التواصل الاجتماعي.

ويقول حمدي مالك “لم يسمح لأحد أن يطغى عليه على رأس الحركة، ولذلك غادرها كثر وطُرد منها كثر”.

ويبدو من الوضع الحالي أن الصدر سيبقى بفضل شعبيته وتعامله مع المستجدات التي يشهدها الشارع رقما صعبا في المعادلة السياسية العراقية.

 

فرانس24/ أ ف ب


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى